الجمعة 2013/06/14

آخر تحديث: 06:22 (بيروت)

سوق البندورة

الجمعة 2013/06/14
increase حجم الخط decrease
 تكثر في الآونة الأخيرة اعتصامات ناشطي المجتمع المدني، من جمعيات ونقابات وأفراد مستقلين، ضد الفساد السياسي والإقتصادي المستشري في البلاد. وقد أصبحت البندورة جزءاً أساسياً من هذه الإعتصامات، حيث تلقى النواب الممددون لأنفسهم وأعضاء المجلس الدستوري المتواطئون معهم رشقات مما بات يعرف بـ"ثورة البندورة". يظن الكثيرون أن إرتفاع سعر البندورة بشكل جنوني مؤخراً مرتبط ﺑﺎرﺗﻔﺎع درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة وﺣﺸﺮة الدودة. انما السبب الحقيقي هو إرتفاع الطلب على هذا المنتج من قبل منظمي الاعتصامات.
للعلم، ﻟﺒﻨﺎن ﻳﻨﺘﺞ ﺳﻨﻮﻳﺎً ﺣﻮاﻟﻰ ٣٠٠ أﻟﻒ ﻃﻦ ﺑﻨﺪورة، أي ﺑﻤﻌﺪل ٢٥ أﻟﻒ ﻃﻦ شهرﻳﺎً. هذا يؤمن حبة بندورة واحدة يومياً لكل شخص يريد أن "يناولها" لسياسي أو زعيم لا يعجبه هذه الأيام. وما أكثرهم، إذ ينذر تدهور الأوضاع السياسية والإقتصادية في البلاد بإرتفاع مهول في الطلب على البندورة. إلا إن اﻻرﺗﻔﺎع ﻓﻲ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻞ اﻧﺘﺎج اﻟﺒﻨﺪورة ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن لهذه السنة، وإرتفع ثمن الكيلو من ١٥٠٠ ليرة إلى أكثر من ٣٥٠٠ ليرة. "ثورة البندورة" أصبحت مكلفة، ومرتبطة حكماً بالخضار الخارجية. علماً أن اﻟﺒﻨﺪورة اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ دول اﻟﺠﻮار ﺗﺼﻠﻨﺎ ﻣﻀﺮوﺑﺔ أيضاً ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺸﺮة نفسها وﻣﻮﺟﺔ اﻟﺤﺮ، ما قد يحد من فعاليتها في اصابة الأهداف من وجوه وسيارات.
هذه الأوضاع تطرح أسئلة عن إمكان إيجاد بدائل لهذه الثورة. هل يستطيع اللبنانيون الناقمون على زعمائهم أن يثوروا ضدهم، وأن يجبروا هؤلاء على الرحيل، أو على الأقل تغيير نهجهم المدمر؟ طبعاً رشق البندورة على أهميته لن يجبر الزعيم على الازاحة ولو شبراً واحداً عن نهجه المدافع عن مصلحة أبناء ملته أمام أعداء الأمة. بل على العكس، قد تؤمن "ثورة البندورة" دخلاً إضافياً للزعيم الذي بالصدفة هو نفسه الذي يسيطر على مجمل سوق الخضار والفواكه في البلاد. وطبعاً سوف تزدهر محطات غسيل السيارات بعد حفلات البندورة، المحطات التي يملكها أيضاً وبالصدفة الزعيم نفسه. وسوف ترتفع نسبة المشاهدين على قنوات التلفاز لمتابعة وقائع تحويل البندورة إلى صلصة. ما يزيد مداخيل الإعلانات التي يملكها هي وقنوات التلفاز الزعيم ذاته!
ما العمل أمام هذا الحائط المسدود؟ في البلدان المتحضرة يعتبر كل مواطن نفسه مالكاً لأسهم في الدولة، حيث تكون مساهمته عبر الضرائب التي يدفعها. هذه الضرائب تخوله أن يعين "مجلس إدارة" لهذه الشركة المسماة دولة، ضمن عملية إنتخاب لنواب وممثلين ينتخلون بدورهم سلطة تنفيذية. وشأنه شأن أي مساهم أو شريك في مؤسسة خاصة، يستطيع المواطن أن يحاسب الموظفين الذين يعينهم عبر نوابه أو مباشرة عبر القضاء. وعندما يشعر المواطن بأن الإدارة فاسدة لا تعمل لمصلحته، فعندها يتحرك في وسائل ضغط ديمقراطية مثل المظاهرات والاضرابات، وخصوصاً تعطيل المداخيل التي تغذي الإدارة. إذن، المواطن اللبناني الذي يرزح تحت عبء الضرائب يمكنه أن يقرر عدم دفعها، خصوصاً عندما تمول تلك الضرائب جيوب الزعماء وعائلاتهم. وخصوصاً عندما تصبح الإدارة، عبر التمديد والالتفاف على القوانين، غير خاضعة لأي رقابة ومحاسبة من المواطنين أنفسهم.
عندما تفشل الشركات يبيع المساهمون حصصهم. آن الأوان لكي نعلن إفلاس الدولة المسماة لبنان، وأن نطرد مجلس ادارتها. عندها ربما تصبح حملات مقاطعة دفع الضرائب أكثر فعالية من ثورات البندورة.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب