الجمعة 2015/11/27

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

ليس بالكتاب وحده يحيا معرض بيروت

الجمعة 2015/11/27
ليس بالكتاب وحده يحيا معرض بيروت
أرشيف : معرض الكتاب (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يفتتح مساء 27 تشرين الثاني، معرض بيروت العربي الدولي الـ59 للكتاب في "البيال". كالعادة، لا خروج عن بديهيات أنه معرض للكتب الورقية في بيروت، "عاصمة" الطباعة والنشر، وأنه "عميد المعارض" (مع ان الناشرين يعتمدون أكثر، في المبيع، على المعارض الخليجية في أبوظبي والرياض)، ويتم "برعاية رئيس مجلس الوزارء"، ويتضمن مشاركة عشرات الناشرين اللبنانيين والعرب وقلّة من المؤسسات الأجنبية والجامعات، مع التبشير هذه السنة بجناح للرقميات أو الكتب الالكترونية... كأنهم في ذلك يقولون إنهم يواكبون حركة المستقبل والعالم الافتراضي وثقافة التقانة... لا أفكار جديدة في المعرض، لا دعوات لكتّاب كبار، لا ضيف شرف، ولا فكرة عامة أو تيمة سنوية... ربما تكون ايجابية معرض بيروت الأبرز أنه ربما الأقل رقابة في العالم العربي أو الأكثر حرية، حتى في زمن الانترنت.

ويحتوي المعرض سلسلة من الندوات والمحاضرات، ومسرحية من هنا ونشاطاً من هناك، بعضها جدير وبعضها مفتعل يغلب عليه طابع مديح الذات و"النرجسية" وليس مواكبة المعرفة، وهناك كمية هائلة من التواقيع التي باتت منذ سنوات غير قليلة، طقساً احتفالية اجتماعياً قبل أن يكون ثقافياً، يرافق معظم الكتّاب. لم تعد التواقيع تتعلق بالمشاهير من الكتّاب والشعراء، ولا بكتب الشعر أو الرواية، بل بات كل مولود ثقافي جديد يلزمه "النقوط" التشجيعي على طريقة الأعراس والأفراح. كل التواقيع أشبه ببزنس يجمع العائلات والأصحاب والطلاب و"الرفاق" والأصدقاء والأحزاب. من لا يملك "البيئة المشجعة" للتواقيع لا يجرؤ على فعلها، من كتب السياسة إلى القانون والطبخ والتاريخ، من دون أن ننسى التنجيم على أبواب موسم أعياد... وهلمّ. حتى الكاتب الذي لا يوقع يكون عرضة للمساءلة من بعض معارفه، لماذا لم توقّع؟ 

ويأتي المعرض البيروتي والعريق في خضم الانقسام السياسي الذي يعيشه لبنان منذ العام 2005، وفي خضم الحرب السورية العاصفة منذ العام 2011، وصعود المارد الداعشي والانتحاري والحربي، من دون أن ننسى الحرب اليمنية وانشغال الأنظمة الخليجية بها، ومعها الحرب العراقية المديدة (للتذكير كان العراق قبل احتضاره من أكثر البلدان العربية قراءة) والتفكك الليبي، والترهل المصري، والترقب الأردني والسوداني والجزائري والمغربي، والخوف التونسي.. كأن العالم العربي في مرحلة خريف العمر، وربما العكس. القراءة تحتاج بيئة هادئة وحياة منظمة وسياسة ديموقراطية ومجتمعاً متخففاً من وطأة العوامل الأصولية الدينية والتسلطية والبائسة. كل هذا الأمور والأحداث، والتفجرات، والانكمشات الاقتصادية، لها سلبياتها على أحوال الكتاب وحركته وطبعه ومبيعه وناسه، وتزيد من وتيرة "النق" التي يتبعها أهل النشر واهل الطباعة وأهل التأليف (حتى في سنوات "الخير" و"الرفاه"). اذ يصبح الخبر أكثر جاذبية من الرواية، ويمسي الفايسبوك أكثر فعالية من الأفكار والتنظريات الهلامية، والفكرة التي ينبغي طرحها ليس أن العرب لا يقرأون، بل ماذا يقرأ العرب؟ فهناك مبالغات، إنْ في تضخيم الأميّة في العالم العربي، أو في تضخيم أرقام مبيعات الكتب في أوروبا.. هي لعبة أخبار تشاؤمية.

قليل من الشعر
وبغض النظر عن الشبح التشاؤمي الذي يخيم على أحوال الثقافة والنشر والطباعة والتأليف في لبنان ومحيطه. ثمة خيط أبيض يوازي الخيط الأسود، فدار "الجديد" التي نعت قبل سنوات، القارئ العربي، من خلال مجسم لقبر وكراس مكتوب، أصدرت هذه السنة بعض المجموعات الشعرية: "أشاطرك الألم.." لفادي العبدالله، و"نحن الذين نخاف أيام الآحاد" لرولا الحسين، و"شلل مستطير" لجهاد الزين، و"ومراثي" لشادي عبد السلام. وعن دار رياض الريس صدر "في فم الغرب" ليوسف بزي، و"لا أخص أحداً بهذا" لغريب إسكندر. وعن دار الآداب، "إلى أين تأخذني أيها الشعر" لشوقي بزيع. وعن دار الجمل "سرد المفرد" لمؤيد الراوي الذي رحل قبل اسابيع، و"عندما لا أكون في الهواء" لرنا التونسي.... وعن دار غوايات "مئة يوم من الحب" لبومدين الساحلي، من دون أن ننسى أعمال موسى شعيب الذي اغتيل قبل عقود بسبب موقفه السياسي، وهناك الكثير من الكتب الشعرية التي نعود إليها لاحقاً.

وكثير من الرواية
ثمة اندفاعة جديدة في إصدار الروايات، تتزامن مع موجات الجوائز الأدبية المحفزة والمشجعة... عن دار الآداب، رواية جديدة للياس خوري بعنوان "أولاد الغيتو- اسمي آدم"، الى جانب روايات أخرى لرشاد أبو شاور، ولينا هويان الحسن، وواسيني الأعرج. وعن دار الساقي يواصل الشاعر عباس بيضون كتابة الرواية في خلال "خريف البراءة"، وطبعة خامسة من "بناية ماتيلد" لحسن داوود، ولإيمان حميدان "خمسون غراماً من الجنة"، و"ألواح" لرشيد الضعيف، و"عشيقات النذل" لكمال الرياحي وغيرهم... وعن منشوارات هاشيت أنطوان "سيد المرصد الأخير" لشريف مجدلاني، و"الموت عمل شاق" لخالد خليفة، وعن رياض الريس "سأم الانتظار" لغالية آل سعيد... من دون أن ننسى الروايات الأجنبية لبوكوفسكي وأليف شافاك وجون لوكارية، والبولندي فيتولد غومبروفيتش الذي يترجم للمرة الأولى الى العربية عن منشوارت الجمل، وهناك ميل لدى بعض دور النشر لإعادة طبع الروايات الكلاسيكية مثل اعمال فكتور هوغو وتولستوي وغوغول وبولغاكوف وفلوبير...

أفكار
لا شك ان الأحداث المحيطة بلبنان والعالم العربي، تفرض نفسها من خلال الكتب والأفكار، يصبح الكتاب نتاجاً للحدث أو مواكباً له او حتى جزءاً من تفسير ما يحصل... منها كتاب "الجمهورية اليمنية الديموقراطية الشعبية" لفواز طرابلسي، "سورية والصعود الاصولي" لعزيز العظمة، و"مسالك وعرة" لطارق متري، و"المحنة العربية" لبرهان غليون، "الدولة العلمانية في سياق تاريخي" لعزمي بشارة، "و"الإسلام والعلمنة" لاوليفيه روا، و"سنوات السعادة الثورية" لدلال البزري... ويمكن للمرء ان يلاحظ الاندفاع في ترجمة أعمال حنة ارندت عن أكثر من دار عربية، كأن الفيلسوفة الألمانية الأميركية تعيش ربيعها في ديارنا، وهناك ترجمات للكثير من الفلاسفة من لوك فيري وكارل بوبر وهيغل ودولوز وميشال فوكو ونعوم تشومسكي.

هامش
على هامش الحديث عن المعرض العريق وعميد المعارض في بيروت، لا بدّ من التذكير(مثلاً) ان ناشطة ثقافية مثل كريستين طعمة في "أشكال ألوان"، تأتي بعشرات الضيوف الأجانب الى بيروت، يقدمون الندوات والمسرحيات والنشاطات، وتقدر أن تفعّل الحركة الثقافية بشكل أو بآخر. أما إدارة معرض الكتاب العربي، فللأسف ليس لديها مهارة تتجاوز جَمع كلفة الأجنحة من دور النشر مع ضريبة القيمة المضافة، ولا تملك رؤية لنشاط ثقافي يكسر النمطية والتقليد والبديهيات... ربما على النادي الثقافي العربي أن يعي أنه ليس بالكتب وحدها يحيا المعرض....
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها