السبت 2024/04/27

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

جوزف ك في جمهوريات الخوف

السبت 2024/04/27
جوزف ك في جمهوريات الخوف
مغني الراب الإيراني توماج صالحي
increase حجم الخط decrease
من بين التهم المطاطة والسديمية، التي كان النظام الستاليني الفولاذي يوجهها للمواطنين السوفيات، "الخيانة" و"العمالة". والتهمة في معظم الأحيان تكون اعتباطية ولا تقوم على أدلة، وقد انهت حياة ملايين الأشخاص إعداماً، وكان الإعدام في ذاته، وسيلة لترهيب المجتمع والسلطة. وشملت عملية "التطهير الكبير" القمعية العنفية، التي دبرها ونفذها ستالين في الفترة ما بين 1936 إلى آذار 1938، مسؤولي الحزب الشيوعي والحكومة، والفلاحين، وقيادة الجيش الأحمر، والشعراء والكتّاب والأشخاص غير المنتسبين.

اتسمت فترة "التطهير الكبير" بمراقبة بوليسية واسعة، وكان السجن والتعذيب والاستجواب العنيف والإعدام التعسفي وسيلة لتعزيز السيطرة على المدنيين من خلال الخوف. في العام 1938، عكس ستالين موقفه من عمليات التطهير وأعلن أنه تم القضاء على الأعداء الداخليين. وأثناء "التطهير الكبير"، اعتمد ستالين على المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية، المعروفة بإسم "إن.كيه.في.دي" (NKVD) وجمعت بين أنشطة الشرطة والشرطة السرية، لملاحقة أعدائه المحتملين. وعلى رأس هذا الجهاز الأمني السوفياتي، تواجد حينها رجل، لطالما وصف بالسادية، واسمه نيقولاي يجوف. وقد نفّذ يجوف أوامر ستالين  قبل أن يتحول في واحداً من ضحاياه. ويناقش المؤرخون أسباب التطهير، مثل جنون الارتياب الذي عانى منه ستالين.

ربما لا تختلف القصة في زمن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ و"الثورة الثقافية"، إذ حدد عدد الأشخاص الذين وجب التخلص منهم في كل منطقة. فبحسب تصريحات ماو، تواجد بين سكان كل منطقة صينية 1% من أعداء الثورة. وفي كل منطقة، طالب الزعيم الصيني بإعدام 0.1% من السكان المصنفين كخونة خطيرين على مستقبل البلاد. ولبلوغ هذه النسب التي حددها، لجأت السلطات الصينية في الغالب غلى اعتقال وإعدام الأشخاص حال تشكيكها في توجهاتهم السياسية.

تحكي رواية "المحاكمة" لفرانز كافكا عن شخصية تحمل اسم جوزف ك. الذي يستيقظ ذات صباح ولأسباب لا تذكرها الرواية يتم اعتقاله ومقاضاته على جريمة لم تحدّدها الرواية. في الرواية نقرأ عبارات تختصر آلة القمع الستالينية والماوية "لا بد أن أحداً ما قد افترى على يوزيف ك.، لأنه اعتُقِل ذات صباح، من دون أن يرتكب أي جُرم"... و"الاتهام شأنك وحدك، فأنت وحدك يمكنك أن تتهم نفسك، وحينها، وفقط حينها، ستغدو متهَماً".

في سوريا هناك تهمة سياسية هلامية وهي "إضعاف الشعور القومي" و"نشر معلومات كاذبة أو مبالغ فيها"، وتستعمل هذه التهمة للنيل من أي مُعارض، أو مَن يفكر أن يكون مُعارضاً، وأحيانا يكون مواطناً عادياً محايداً يقضي بجريرة الحملات الأسدية والأمنية. ونصل إلى بيت القصيد، إذ حكمت محكمة إيرانية بالإعدام على مغني راب إيراني شهير مسجون منذ أكثر من عام ونيف، بسبب دعمه حركة الاحتجاج التي اندلعت العام 2022 بعد وفاة الشابة مهسا أميني. ونقلت صحيفة "شرق" عن أمير رئيسيان، محامي المغني، قوله أن "محكمة أصفهان الثورية حكمت على توماج صالحي بالإعدام بتهمة الفساد في الأرض"، وهي إحدى أخطر التهم في إيران. ووجه القضاء الإيراني إلى صالحي في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 تهمة "الدعاية ضد النظام" السياسي للجمهورية الإسلامية، والإضرار بأمن البلاد، و"التعاون مع دول معادية للجمهورية الإسلامية" و"التحريض على العنف".

وعلى المرء أن يسأل أو يفهم: أيهما أكثر إفساداً في الأرض؟ شاب يغني الراب بصوته في تظاهرات محلية؟ أم نظام معمّم يستعمل قوافل الميليشيات الحرسية، العراقية والحوثية والفاطمية المنتشرة في سوريا والعراق واليمن، لتشارك في تدمير البلدان وصناعة الخراب؟

وتُستخدم عقوبة الإعدام في إيران لاستهداف جماعات الأقليات التي تتعرّض للقمع، سواء أفراد الأقلية العرقية البلوشية أو الأهوازية، والإعدام أيضاً أداة قمع سياسي، بل تُستخدم هذه العقوبة القصوى القاسية واللاإنسانية لتعذيب وإرهاب الناس في إيران وفرض الصمت والخضوع من خلال القوة الغاشمة... وقد نفذت السلطات في إيران حكم الإعدام بحق 834 شخصاً خلال العام 2023، في أعلى حصيلة منذ 2015، بحسب تقرير لمنظمتين غير حكوميتين. وقال مدير منظمة حقوق الانسان في إيران، محمود أميري مقدّم، إن "زرع الخوف المجتمعي هو الوسيلة الوحيدة للنظام للتمسك بالسلطة، وعقوبة الإعدام هي أداته الأهم".

والعقل الأمني سائد في حكم الكثير من البلدان العربية.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها