الجمعة 2015/05/22

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

سجن تدمر أو فصل من جهنّم

الجمعة 2015/05/22
سجن تدمر أو فصل من جهنّم
تدمر
increase حجم الخط decrease
عاد الحديث عن "أدب السجون في سوريا" إلى الواجهة أخيراً. جاءت به معارك مدينة تدمر السورية بين "داعش" ونظام الأسد، خصوصاً مع رواج أخبار عن تحرير مساجين قابعين في سجن تدمر منذ عقود، وأخبار أخرى تفيد عن نقلهم من جانب النظام الأسدي إلى أماكن أخرى. برزت هنا معضلة الخلاص من جهنم النظام الأسدي، والاستعداد لجحيم تنظيم "داعش". كانت أولى خطوات الأخير إعدام 11 سورياً بتهمة العمالة، وإطلاق تصريحات بأنه جاء إلى تدمر لمحاربة الأوثان، مهدِّداً بتدمير الآثار التاريخية لـ"لؤلؤة الصحراء" كما تسمى...

نذكر اسم "داعش" فنشعر أننا في الزمن الوحشي، ولكن حين نتأمَّل في كواليس نظام البعث الأسدي نجد أنه لا يقل وحشية عن التنظيم المذكور، أو هما في خندق واحد بطرق القتل والتعذيب والوحشية.

نخشى على آثار المدينة من "داعش"، ولكن نرتعب حين نتخيَّل سجن تدمر الرهيب ونستمع إلى تقارير وسائل الإعلام عن سجناء مرَّت عليهم ثلاثة عقود من التعذيب فيه. تخفق الكلمات كلها في وصف هذه الجدران و"نزلائها". كأننا أمام "بروفة" لجحيم الأرض، وهي مرآة سياسة البعث في سوريا على مدى عقود.

سجن تدمر هو أخطر السجون في العالم. يفوق في صورته مخيلة الروائيين، وإن حاولنا وصفه سنبدو كأننا نكتب بأسلوب الواقعية السحرية الآتية من أميركا اللاتينية. فيه قتل الأسد الأب نحو ألف من الإخوان المسلمين، وقبع المئات من اللبنانيين. اختفى كثر منهم، ولن يرجعوا إلى ذويهم. صار الأمل بالعودة حسرة.

تدمر المدينة العريقة بآثارها، سجنها أشهر منها، ويطغى بوحشيته على حضارتها. كُتب عنه الكثير من الروايات والسير، التي تثير الرعب في النفوس، وتظهر الصورة الواضحة لنظام البعث والأسباب التي دفعت بسوريا نحو هاوية الحرب الأهلية.

المعتقل اللبناني السابق علي أبو دهن كتب "عائد من جهنّم/ ذكريات من تدمر وأخواته". بدأت قصته من السويداء، في منزل أحد أقربائه، قال الشرطي لزوجته: "ساعة بيشرب فنجان قهوة عندنا وبرجّعلك ياه". وامتدت الساعة التوقيت البعثي حتى صارت أكثر من 12 سنة.

أفرج عنه العام 2000. وطوال فترة سجنه لم يُواجَه أبو دهن باتّهاماتٍ واضحة. كان ردّ المحقق الذي ملّ من قصور خيال أبو دهن عن ابتكار جريمة ينسبها لنفسه فتعرّف علي إلى وسائل التعذيب الأسدية (الكرسي النازي، الكابل الرباعي...). وانتهت سلسلة العذابات بتلبيس أبو دهن تهمة التعامل مع "جيش لبنان الجنوبي".

علي هو واحد من مئات اللبنانيين الذين سرقت السجون السورية أعمارهم، أُزهقت أرواحهم، وأخذتهم إلى المجهول. ربما أكثر ما يعبِّر عن واقع سجن تدمر من الروايات المكتوبة، "القوقعة" لمصطفى خليفة. تبدأ الرواية مع عودة كاتبها إلى سوريا في أوائل الثمانينات بعد أعوام أمضاها في فرنسا، ليعتقل حين عودته في المطار بتهمة الانتساب إلى منظمة الإخوان المسلمين المحظورة. لكن خليفة الذي صُدِمَ بقرار اعتقاله لم يقف مكتوف اليدين، بل حاول إخبار عناصر الأمن الذين اعتقلوه أن هنالك خطأ ما، نظراً إلى كونه مسيحياً. لا بل أكثر من ذلك، أخبرهم أنه ملحد. لكن المفارقة أن محاولته تبرئة نفسه، والتي كررها بالطريقة ذاتها في سجن تدمر، عادت عليه بنتائج معاكسة كما يرد لاحقاً... قرر سجانوه أن جريمته لا بدّ أن تكون أخطر من جرائم أقرانه المسلمين، ولذلك فهو "يستحق الموت مرتين".  

سيرة علي أبو دهن ورواية "القوقعة" نموذجان للسجن الأسدي في تدمر، ويكتمل المشهد المرعب حول تدمر حين نقرأ سير فرج بيرقدار وياسين الحاج صالح ورياض معسعس. وتدمر فصل من سجون كثيرة هي أبرز إنتاجات نظام البعث الأسدي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها