الجمعة 2023/09/15

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

الأخ والأخت وأم زياد

الجمعة 2023/09/15
الأخ والأخت وأم زياد
اعتصام في بيروت العام 2010 بعد شائعات عن منع عائلة الرحباني، فيروز، من غناء الرحابنة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يوم اللقاء
الأخت: أهلاً بك بعد طول غياب. أتحرّق إلى لقياك من صيف الى آخر، ولا أعثر على نفسي إلّا حين يشرق عليّ محيّاك. شمس جزيرتنا هي غير شمس في غيابك، وشواطئها هي غير شواطىء إن لم تشعر بخطواتك تداعب رمولها. 

الأخ: عيناك تشرقطان حباً ولهفة، وتعودان بي إلى أغنية عزيزة عليّ تترجم هذه اللحظة: "صيّف يا صيف ع جبهة حبيبي، لوّح يا سيف رجعتنا قريبي". 

الأخت: نعم، أغنية معبّرة. ولكن، هلّا نسيت فيروز للحظات وعدت إليّ.
 
اليوم الثاني
غداء عرمرم يحفل بالأطايب، وكؤوس مترعة احتفاء بالضيف العزيز. 
الأخت: اكتمل نصاب المائدة يا أخي. تفضّل إلى رأس الطاولة، ودعني أنتقي لك أغنية تليق باحتفالنا بك وبأسرتك الجميلة. 

الأخ: عزيزتي، تبذلين المستحيل لإرضائي. أكملي معروفك، وانبشي لي ختام مسرحية "موسم العز" حين يخاطب عاصي الرحباني العروس صباح قائلاً: "قبل ما تروحي معو روحي معو". 

الأخت: عجباً، تغوص في القديم الذي يكاد يُمحى، وتتوه عن روائع الجديد؟ ولماذا هذا المقطع دون سواه؟ 

الأخ: لن أنساه ما حييت. به، دشّنت انفصالي عن العزوبيّة ليلة زفافي، وخطر لي أن أهديه إلى زوجتي وإليك في لحظة حبور عائلي. 

الأخت: لك ما تريد. حسبت أنّك نسيت معشوقتك فيروز، فإذ بك لا تحيد عن عالمها، وتستحضر عاصي، مكتشفها وزوجها. 

الأخ: زوجها، أكيد. مكتشفها، أختلف معك. الفضل الأول يعود إلى حليم الرومي. لقد نفض الغبار عن ماسة لا تقدّر، وأوعز إلى عاصي بتلميعها وتشذيبها. 

اليوم الثالث
الأخت تحمل كأس نبيذ أبيض إلى أخيها المستلقي في جوار حوض السباحة. الشمس تزهو بخيوطها اللاهبة، وتهمس إلى الأخت أن تدعو أخاها إلى الارتماء في الحوض، لينقش أثرها على جسمه. 

الأخت: لا ينقصك الآن سوى تلبية نداء الماء. كأنّي بها تهتف إليك من صميمها أن تغتسل بعذوبتها.

الأخ: قد تكونين على حق. لكن، أين عذوبة تلك الزرقاء بين زوايا أربع من شجو "زاد الخير" في "ناطورة المفاتيح"؟  فتّشي لي عن "وينن"، ودعيني أثلج نفسي بـ"الضحكات المنسيّة على الحيطان" فراراً من قيظ يحاصرني. 

الأخت: ألن تتوب يا حبيب أختك؟ ولماذا هذه الأغنية دون سواها؟ 

الأخ: ما أكثر الأعزّاء الذين هجروني بعد كلّ ما حلّ بوطننا من مصائب. أُصغي إلى تلك التحفة لأستذكرهم، علّهم يبادلونني الاستذكار والحنين. 

اليوم الرابع
حملت الأخت إلى أخيها كلّ ما ملكت يداها من فاكهة الصيف، وتوّجته بالأحمر البرّاق من الخوخ، والأخضر الرنّان من العنب. 
استولى الأخ على عنقود كحّلته الشمس، وهرع إلى هاتفه الذكيّ. نقّب سريعاً عن مسرحيّة "جبال الصوان"، وأرخى العنان لمشهد "عيد العنب" منشداً مع المنشدين: 
"يا عنبنا يا طريق الريح والهوا موّج علالينا
عناقيدك دهب وتلويح والجنى لوّن حفافينا".

 لم تتدخّل الأخت هذه المرّة. نكّست رأسها وأصغت بإمعان. ليست المرّة الأولى تسمع أخاها يغنّي. تعلم جيداً أنّ صوته لا يخلو من جمال. لكنّها اكتشفت أنّ حنجرته تكتسي حلاوة مُضافة حين تؤدّي شيئاً من روائع فيروز والرحابنة. 

يوم الوداع
أصرّت الأخت على إيصال أخيها وأسرته إلى المطار بنفسها. خيّم الصمت طوال الطريق. قد لا تأنس بلقائه مجدّداً قبل الصيف المقبل. رصدته يسرّح ناظريه إلى اللّامكان توريةً للوعة الفراق. داست الزرّ السحريّ أمامها، فصدحت شاعرة الصوت:
" أنا صار لازم ودّعكن وخبّركن عنّي
أنا كلّ القصة لو منكن ما كنت بغنّي".

كرَجَت دمعة أسفل خدّه، فأيقظت شفتيه على ابتسامة وذراعه على نصف عناق. قال: "سنظلّ 
معاً مهما افترقنا، ما دامت أم زياد ثالثتنا".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها