الأحد 2023/07/02

آخر تحديث: 18:23 (بيروت)

روبيرتو بوليه يراقص باخوس في بعلبك مستحضراً التاريخ والخيال

الأحد 2023/07/02
increase حجم الخط decrease
 

استطاع راقص الباليه الإيطالي العالمي روبيرتو بوليه أن يعيد الى مهرجانات بعلبك في افتتاحها، ليس فقط السحر بل هويتها الدولية هذا العام، جامعاً كوكبة من ألمع نجوم رقص الباليه ومصمّميه في العرض الذي افتتح فيه هذا الموسم من التظاهرة الفنية الجماهيرية الأقدم في لبنان، بدءاً من إيطاليا بلده الأم حيث يعتبر بطلاً قومياً وحصل على وسام الاستحقاق من رتبة الضابط الكبير من الجمهورية الإيطالية في 2021، وصولاً الى روسيا وكازاخستان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والنمسا. كما رحل بالجمهور الى زمن الرواية الكلاسيكية الفرنسية مثل "أحدب نوترودام" لفيكتور هوغو عبر عرض "أزميرالدا" و"دون كيشوت" لسيرفانتس، وزمن فرانك سيناترا الموسيقي الساحر والمفعم بالحب...  

سحر المكان ونسيج الحياة

استثمر روبيرتو بوليه معبد باخوس أفضل استثمار، مستوحياً من سحر المكان وتاريخه ليقدّم 9 لوحات راقصة تحاكي ثقافات عدّة، مقدّماً مع أصدقائه أجمل عروض الباليه الكلاسيكية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ملوّناً إياها بإيقاعات تشويقية معاصرة تجمع بين الأسطوري والواقعي وبين العواطف المتناقضة والحب والحميمية والحياة المعاصرة الطاحنة. فهو يعتبر أن الرقص جزء من نسيج الحياة وجزء من المساحات والأمكنة التي يتم تأديته عليها. لذلك يختار بدقّة الأماكن التي يريد العرض فيها، خصوصاً في هذا العرض "Roberto Bolle and frinds Gala" الذي يجول فيه العالم ويجمع فيه مقتطفات من عروض الباليه الكلاسيكية التاريخية ومن أجدد ما أبدعته الثقافة المعاصرة التي تحاكي الفرد والحريات الشخصية والهوية الجسدية والحب والعاطفة وحياة الرجل... هذا العرض الذي يتغيّر باستمرار بحسب الفضاء، قُدّم على أهم مسارح العالم منذ العالم 2008 مثل دار الأوبرا الملكية في لندن ولاسكالا ودار أوبرا مسقط وفي باريس ونيويورك والأرجنتين وغيرها، وسيقدم في أماكن أثرية عالمية مثل الكولوسيوم في روما، وبيازا دومو في ميلانو، وبيازا سان ماركو في البندقية وحمامات كاراكلا في روما.

دون كيشوت الباليه

التاريخ حاضر دائماً في عروض ابن ميلانو وحواريها، فأوحى أمس أنه فارس الباليه الذي يحمل لواء إعادة الحياة له لدى الشباب وجعله أكثر شعبية عبر عروض يقدمها مباشرة على التلفزيون الإيطالي "Rai Uno " ويعاد بثّها اليوم عبر منصات رقمية، كما أسّس مهرجان "OnDance" في ميلانو. فهو مثل ألونسو كيخانو بطل دون كيشوت يدمج في عروضه بين الوهم والجنون والسريالية والخيال. البطل الاسباني بلغ به الهوس باستعادة أمجاد الفرسان الجوالين ويقوم بمحاكاة سِيَرهم في نشر العدل، أما روبيرتو بوليه فيحاكي كلاسيكيات الأعمال الأوبرالية والباليه ويدمجها مع مقطوعات موسيقية معاصرة وعروض معاصرة تحاكي الحياة والإنسان اليوم. وقد لا يكون اختياره تقديم لوحة "دون كيشوت" المستوحاة من رواية الأديب الإسباني سرفانتيس ومن تصميم الفنان موريوس بيبيتا، عن عبث في هذا العرض. وهي كانت من بين اللوحات التسع التي صفّق لها الجمهور مطوّلاً، وأداها اثنان من أبرز نجوم الباليه الشباب اليوم: الكازخستاني باختيار أدامزان الحائز جوائز كبرى كراقص رئيسي وراقص منفرد من نيويورك وإسطنبول والأٍتانة وموسكو وسيول، والروسية لويدميلا كونونفالوفا صاحبة الجسد الرشيق المطواع المعروفة بتميّزها بالرقص المنفرد والأدوار الرئيسية أيضاً مع أهم الفرق العالمية في النمسا وروسيا وألمانيا، كما أنها أدت منفردة على مسرح معبد باخوس أمس لوحة "البجعة المحتضرة" للمصمّم ميشال فوكين.

كوكب روبيرتو بوليه اللانهائي

يمكن تمييز جسد الراقص روبيرتو بوليه من بين زملائه من الراقصين حتى في العتمة ومن بين الأضواء الخافتة. لياقة بدنية عضلية ملحوظة، وجسد قويّ مرّن يستطيع تركيب الحركات وتفكيكها في مشهد واحد ينقل الفكرة التي يقدّمها بإحساس مرهف. أما عندما يراقص زميلاً أو زميلة، فتكمن عملية البناء والتدمير وإعادة التشكيل فتتحوّل الأجساد الى ورشة عمل حيّة على الخشبة، والنتيجة عاطفة ومغناطيس بين جسدين. هذه الورشة العاصفة بالمشاعر وقضايا الحب والهويات والحوار الجسدي والفكري تجّلت خصوصاً في لوحة روبيرتو الأخيرة بعنوان "Sphere" أو كرة من تصميم واحد من نجوم الباليه المعاصر مورو بيغونزيتّي. هذا العمل يفتح فيه روبيرتو آفاقاً جديدة مع كل خطوة يخطيها على المسرح، وكل حركة يؤديها تفتح الأبواب للجمهور لمزيد من المساحات الرائعة لفن الحركة. فهو يراقص الكرة الأرضية بمشاعر متناقضة. المسرح ليس خشبة بل كونٌ كاملٌ من الفن على إيقاع الكمان والعزف المنفرد للموسيقي أليساندرو كوارتا، يتحرك في فضائه نجم مسرح لا سكالا، بجرأة ومرونة تحرّره من كل قواعد الباليه الكلاسيكي ليلعب مع العالم في جوّ من الخيال والجنون والمسرح ذات الاحتمالات اللانهائية.

المشاعر سرّ الاستمرارية

ليس صدفة أن يستمر روبيرتو بوليه المولود في 1975 في نجوميته حتى اليوم، ويشارك كفنان ضيف مع أبرز مؤسسات رقص الباليه في العالم، مع أن راقصي الباليه يتقاعدون باكراً. فهو كما صرّح لصحف إيطالية العام الماضي بعد شائعات عن نيته الاعتزال، "لن يعتزل حتى يستسلم جسده للأدوار التي يؤديها كراقص محترف شغوف". فالشغف يميّز عمله كما يميّزه الانضباط والجهود المكثّفة للتمرين والحفاظ على جسد صحي رياضي ترسمه العضلات والرشاقة اللافتة. ويعترف أنه "تعلّم باكراً أن الكمال لا يتحقّق كي لا يُصدم بالإحباط، وإننا نسعى جميعاً الى المثالية خصوصاً ونحن في مقتبل العمر والاحتراف". لكنه يعتبر أنه كراقص باليه كلّما تقدّم في السنّ والمهنة ونضجت تجربته أدرك أن العنصر الأهم هو المشاعر والإحساس والحب، سواء للرقص وللعمل فيه بشغف أو للتواصل مع الجمهور وللتأثير به وتقديم العرض بحب وأناقة وإبداع".

فلطالما انحاز روبيرتو بوليه الراقص الرئيس في مسرح الباليه في نيويورك بين 2009 و2019، الى "الأدوار المشبّعة بموجة كبيرة من المشاعر من الحب الى المأساة الى التخبط العاطفي، لكنه اليوم يريد "لعب أدوار جديدة أكثر تشويقاً وحركة ومعاصرة، سريعة الإيقاع". اليوم هو مفتون كما يقول، بالشخصيات المعاصرة التي تصف عذاب رجل اليوم بالإيقاع والحركات". وهو ما لمسناه في لوحة "الجامحان" المعاصرة خارج إطار القواعد القاسية للباليه وعلى أنغام ويم ميرتانس، وهي تواصل جسدي حميم متناقض بين رجلين راقصين، ربما يحملان ثيمات ليست مألوفة في عالم الباليه.

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها