الجمعة 2023/06/02

آخر تحديث: 15:46 (بيروت)

"ثمن الجسد" لأحمد غلامي...ليست لدي رغبة في زواج المتعة

الجمعة 2023/06/02
"ثمن الجسد" لأحمد غلامي...ليست لدي رغبة في زواج المتعة
increase حجم الخط decrease
صدرت عن منشورات "يسطرون" المصرية رواية "ثمن الجسد" للروائي والقاص الإيراني أحمد غلامي، ترجمة غسان حمدان. وهذه الرواية ذات حبكة خاصة وأقرب إلى السيناريو..

هنا مقطع منها:
تناولت بضعة ملاعق، فقط كي أشاركها تناول الطعام؛ إذ لم تكن لدي شهية قط. وفي ذلك الوقت كنت مستغرقاً في التفكير حول سبب شعوري بالاستياء من تصرف مساعد السائق. فمن المؤكد أن هذه الأمور كانت ستحدث على كل حال؛ وحينئذٍ ما ينبغي فعله؟ وأي تراب سأحثو على رأسي في طريق العودة الذي يزدحم بسائقي شاحنات النقل؟ أن أسحب رقم رؤيا فهذا لم يكن الشيء لم توقعته من هذه الرحلة. تناولت رؤيا عشاءها، ولم تكد تفرغ حتى تركت نصف مشروبها الغازي ونهضت لتدخن سيجارة في الفناء. وما إن مضت عدة خطوات باتجاه الحديقة، حتى انسل مساعد السائق وراءها مراوغاً كالقط. فأخذت استحث خطاي، حتى اقتربت منهما. وقد شعرت بالانزعاج لأن مساعد السائق كان يرى نفسه محُقاً في امتلاك رؤيا. فما أزعجني لم تكن الغيرة، بقدر ما كانت المساواة بمساعد السائق هذا الذي لم تكن تخصه علاقتي برؤيا بشيء، إلا أنه من خلال المهنة التي تمتهنها رفيقة سفري، قد أصبح يطالب لنفسه بهذا الحق.

فقلتُ: «لننصرف الآن».
فردت قائلة: «أنت الرئيس!»
واندفعت غير آبهة نحو السيارة؛ وما إن جلست، حتى سألتني: «أين سنبات ليلتنا؟»
فأجبتها قائلاً: «سوف نستريح حين نصل إلى كاشان».
فأحاطتنا ظلمة الطريق مرة أخرى، فقلت لها: «علينا أن نجد حلاً لهذه المشكلة».
فتساءلت: «وما المشكلة؟».
فأجبتها: «مشكلة المبيت في الفندق».
فقالت: «ولكن هذه ليست بمشكلة».
فسألتها مستغرباً: «وكيف ذلك؟»
فقالت: «سنفعل شيئاً حيال هذا الأمر».

فقاطعتها قائلاً: «كلا، لا أريد أن ينتهي أمري بمركز الشرطة، وكل هذه الأمور».
فأجابتني قائلة: «لن يحدث ذلك، سأبحث عن حل».

فقاطعتها: «كلا، لا بد من وجود حل قاطع».
فسألتني: «وما الحل؟»
فأجبتها قائلاً: «سنمضي في الغد لأتزوجك زواجاً مؤقتاً».

فانفجرت ضاحكة، ثم قالت: «هل تعتقد أنك عثرت على فتاة حمقاء؟ لمَ يلزمني القيام بهذا الأمر؟ وأقحم نفسي عمداً في هذه الورطة. كما أنني أبغض هذا الأمر؛ فأنا أريد أن أظل حرة. حرة طليقة».

فأجبتها قائلاً: «يبدو وكأننا لسنا على وفاق، ومن الأفضل أن نعود».
ثم سلكت مساري باتجاه طريق فرعي ترابي. وفي الحقيقة كانت قد تسببت بنفاد صبري تماماً.
فقلتُ: «سنعود عند أول منعطف، وما قد تقاضيتِ من مال فهو حلال عليك».
فأجابتني قائلة: «لم أتقاض سوى نصف أجرتي».

فأضفت قائلاً: «كانت هذه الأجرة لشهر بأكمله، لم يمر يوم واحد حتى الآن. ولكن لا بأس، هنيئاً لكِ».
فتحت حقيبة يديها، وأخرجت العملات الورقية الجديدة التي كنت قد استلمتها مؤخراً من المصرف، وألقت بها على لوحة عداد السيارة قائلة: «لن أتقاضى أي مبلغ من المال على الأمر الذي لم أقم به». ثم فتحت باب السيارة، ودلفت خارجاً. فأفسدت الريح بالخارج وشاحها وشعرها.

فنزلتُ من السيارة، وسألتها: «حسناً، ولكن لمَ نزلت في هذا المكان؟ هيا اركبي، كي نعود سوياً إلى طهران».

فقالت: «أغرب عن وجهي؛ فليس لدي مزاج لأناس مثلك».
فتساءلت: «ومن أي صنف من الناس أنا؟»
فأجابتني قائلة: «تبدو كشخص متعجرف، وأنا لست بفأر لتجاربك». 
فأضفتُ مستفهماً: «ومن قال هذا؟»
فأجابت قائلة: «لم يقل أحد، هكذا فهمتُ. إن أردت التعرف على أناس مثلي، فلتمض في إثر أي شخص آخر. فأنا لن أبيع نفسي لأي أحد كان».
فتساءلتُ مستنكراً: «ما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟ بم أستفيد بمعرفتك؟»

وكانت الريح تنقل شجارنا بعيداً؛ وبت الآن أجري خلفها. وأما السيارات التي كانت تمر سريعاً بجوارنا، فكان أصاحبها ينظرون إلينا؛ كما لو أنها مشاجرة قد وقعت بين امرأة وزوجها. كانوا جميعاً يمضون غير مكترثين، بينما كنا نتقدم من خلال ضوء كشاف إنارة السيارة على غير وجهة. وباتت رؤيا على مسافة كبيرة مني.

فصحتُ: «رؤيا». فاستدارت، وأخذت تنظر إليّ كما لو أن ملامح وجهها قد ارتسمت على شاشة عرض كبرى؛ فتظهر من خلال أضواء السيارات ومن ثم تختفي.

ثم أردفتُ قائلاً: «عودي، أريد التحدث معكِ، وبعد ذلك إن شئتِ، فانصرفي».
فعادت وجلست بداخل السيارة مجدداً. كانت تشعر بالبرد؛ فسحبت سيجارة وأشعلتها، وخفضت زجاج النافذة قليلاً، فصار الدخان ينساب من خلال فتحة الزجاج متطايراً نحو الخارج.
وحينئذٍ قلت لها: «لم أكن أقصد شيئاً حول الزواج المؤقت. فإن انتهى أمري بمركز الشرطة، ويعرفون ما هي وظيفتي؛ فسوف تسوء سمعتي ويُشهر بيّ في طهران بأسرها. أتفهمين قصدي؟...».

فبسطت ذراعيها على كلا الجانبين، وأومأت برأسها قائلة: «أوه، يبدو أنك رجل مهم إذاً!».
فأجبتها: «لست بشخص مهم، غير أنني لستُ عادياً أيضاً».
فتابعت كلامها: «هذا ليس من شأني. لقد قلت ما لدي، ليست لدي رغبة في عقد زواج المتعة».
فأجبتها قائلاً: «حسناً، لقد أصبحنا على وئام. كنت أرغب في قضاء شهر واحد مع بعضنا. ولكن لم يفلح الأمر، فدعينا لا نتشاجر...».
خرجت من الطريق الترابي؛ وطوال الطريق كنت أطالع اللافتات، كي أعثر على منعطف للدوران.

فقالت: «حسناً، لكن ذلك سيكون شهراً واحداً فقط، وذلك لئلا تقول إن رؤيا لم تكمل الطريق برفقتي».

هذا الأمر أشعرني براحة، إلا أنني من ناحية أخرى قد داهمني القلق من أن تكون قد فعلت أمراً، لم تكن مقتنعة به.
فقلتُ لها: «سأعوضك عن ذلك».

فأجابتني قائلة: «لقد اتفقنا حول أجرة شهر كامل، لا أنا أدينك ولا أطلبك بشيء».
وكنتُ كلما اقتربت منها خطوة؛ تراجعت خطوتين للوراء. وفي أفضل حالتها تثبت في مكانها بلا حراك. لقد صرنا امرأة وزوجها؛ بشكل مؤقت بالطبع.
فسألتني رؤيا قائلة: «هل سأحتفظ بعقد الزواج لدي؟»
فأجبتها قائلاً: «كلا، سيكون معي أنا، فهكذا أكون مطمئن البال أكثر».
فأردفتْ متسائلة: «ألا تثق بي؟»
فأجبتها قائلاً: «بلى، ولكن الحذر شرط العقل...».
فسكتتْ هنيهة، ثم أردفتْ قائلة: «صدقت؛ فليس ثمة شيء لأخسره، أما أنت فبالطبع لديك».
فتساءلتُ قائلاً: «لم تريدينه؟».
فأجابتْ قائلة: «أريد الاحتفاظ به للذكرى».
كنت أرغب بشدة في أن أسلمها عقد الزواج؛ إلا أنني ما لبثتُ أن شعرت بالخوف، إذ لم تعد لدي القدرة لأتحمل تبعات ذلك القلق.

نبذة
ولد القاص والروائي والصحافي الإيراني أحمد غلامي العام 1961 في مدينة ساوة في محافظة "مركزي"، وقبل أن يلتحق بالجامعة ذهب إلى المناطق الحربية ليصبح مراسلاً حربيا وهو في التاسعة عشرة من عمره، لذلك نجد موضوع الحرب حاضراً في أغلب قصصه.
نشر غلامي قصصه القصيرة في المجلات الأدبية، وفي العام 2002 فارت مجموعته "ليس لها الاسم الآن" بجائزة هوشنك كلشيري الأدبية، ليصبح بعدها رئيس لجنة حكام جائزة نقاد الصحف.
يعمل أحمد غلامي الذي لا يرى نفسه روائياً وإنما قاصا؛ رئيساً لتحرير صحيفة "الشرق"، وله متواليات قصصية عدة مثل "العشيرة"، الحياة كلها"، "لا تنتعل أحذية الشيطان"، أتقول أنا من قتله؟"، "تذكرة الإنسان"، "الناس"، "لا تليق بي مثل هذه الاتهامات"، "قصص جاءت بها الرياح"... فضلاً عن روايتين صغيرتين هما "الجدجد" و"ثمن الجسد".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها