الخميس 2023/05/04

آخر تحديث: 12:48 (بيروت)

رحيل إيلي شويري... "شمس" الأناشيد التي لا تغيب

الخميس 2023/05/04
رحيل إيلي شويري... "شمس" الأناشيد التي لا تغيب
المواويل العراقية أدخلته "دار الإذاعة الكويتية"... وأعاده وديع الصافي إلى لبنان
increase حجم الخط decrease
رحل الفنان اللبناني المخضرم إيلي شويري عن 84 عاماً، وهو عاصر عمالقة الطرب، و"أدخل الاغنية اللبنانية بكلماتها وألحانها الى البلاد العربية والعالم"(الياس سحاب) واشتهر بأنّه "أبو الأناشيد الوطنية" والحزبية، فهو صاحب أغنية "بكتب اسمك يا بلادي" التي ألّفها ولحّنها العام 1973، إلى جانب "صف العسكر" و"يا أهل الأرض" وأغنية "تعلا وتتعمر يا دار" التي غنتها صباح و"أيام اللولو" بصوت الشحرورة وسميرة توفيق.
 
والحال أنّ من يعاود الاستماع لجزء من "أناشيد" شويري، وهي كانت ملازمة لطفولتنا، تبث بشكل مكثف عبر التلفزيون السوري الأسدي في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، ينتبه إلى مدى جموح واندفاع الكثير الفنانين اللبنانيين، في تقديم الأناشيد التي تمجّد الأرض والعسكر والوطن والأرز وحتى الشخصيات الحاكمة والأحزاب (البعث والشيوعي والكتائب...)، كأن تأليف الأناشيد كان مهنة بارزة ورائجة بقوة، لا مشكلة لدى معظم مؤلفيها في التعاون من أي جهة سياسية، وحتى وإن اختلف معها ايديولوجيا وفكرياً. فكان أحد الملحنين يقدم الأناشيد لحزب "البعث" الصدّامي و"البعث" الأسدي، وملحن آخر يقدم لكل الأطياف اللبنانية... على أن الاندفاع اللبناني في تقديم الأناشيد في الاتجاهات كافة، يرتبط بشكل من الأشكال، بصعود التيارات الفكرية والإيديولوجية، سواء اللبنانوية أو البعثية أو القومية العربية والسورية أو اليساروية وحتى الثقافوية والوجودية، أو باشتغال الحرب الأهلية اللبنانية واندفاع الأحزاب إلى الشراسة والقتال ولعبة المحاور والخنادق والدم، واليوم تبدو هذه الأناشيد التي بعضها "لا يغيب"، أقرب إلى نوستالجيا، وتؤرخ لمرحلة من المراحل في زمن التصدّع والانحلال والتحلّل.


وشويري الذي رحل عن عالمنا ليلة أمس الأربعاء، كان ركناً من أركان جيل فنّي أنتجه زمن صعود الجمهورية اللبنانية، هذا الصعود الذي ترافق مع ظواهر كثيرة، تبدأ بالمجلات الثقافية ولا تنتهي بالمهرجانات الفنية. وهو ولد في العام 1939 في بيروت، والدته من أصول حمصيّة ووالده كان معروفاً بـ"المعلم نقولا"، صاحب ورشة تنجيد المفروشات... ترعرع بين محلة المزرعة، مسقط رأس والده، والأشرفية حيث عاشت العائلة في الحي القريب من مدرسة راهبات اللعازارية.

منذ طفولته، أحبّ شويري المواويل الجبلية، وعشق الراديو في زمن اللاكهرباء، وكثيراً ما قال إنه ترعرع على صوت الأذان، والكثير من الجمل الموسيقية أخذها من "وحي المدّات فيه، والإحساس في كلماته. هذا أمر يعود إليّ في كيفية توظيفه في هذا اللحن أو ذاك". في مراهقته، أسس مع أترابه جوقة غنائية، كان يردّد فيها المواويل العراقية التي حفظها عن والده. تّم ترك مدرسة "مار منصور" في نهاية المرحلة المتوسطة، وعمل حلّاقاً نسائياً، لكنّ عمله في تلك المهنة لم يطُل، إذ سقط مرةً عن دراجته النارية وأصيب في يده. أحد رفاقه وجّه إليه دعوة لقضاء فترة نقاهة وعمل في الكويت، فوافق. هناك وبينما كان يعبر أحد الشوارع، قرأ لافتة كُتب فيها "دار الإذاعة الكويتية"، وكانت في مرحلتها التجريبية الجديدة مطلع الستينيات. انتسب إليها مؤدّياً في فرقتها الغنائية، بعدما خضع لاختبار أشرف عليه موسيقيّون من فرقة أم كلثوم. يقول شويري: "قمت بتجربة وغنّيت موالاً بغدادياً، المصريون لا يعرفون الموال البغدادي. كان هناك موسيقيون عراقيون، أُعجبوا كثيراً بالطريقة التي غنيت بها لإيليا بيضا والياس ربيز. يومها قبلني مدير الإذاعة عبد العزيز جعفر". وجمعته الصدفة يومها بالملحن الكويتي الراحل عوض الدوخي الذي راح يشجعه على تعلم العزف على العود مع زميل له يدعى مرسي الحريري، وهو ملحن مصري كفيف.

وفي الكويت التي مكث فيها أكثر من سنة، أحيا بعض الحفلات وتعرف على الموسيقى الخليجية وتعلّم إيقاعاتها. لكن السبب الذي دفعه إلى العودة إلى لبنان كان وديع الصافي حين زار الكويت مع فرقة "الأنوار"، وقدم حفلة استعراضية كبيرة إلى جانب المطربة اللبنانية الراحلة سعاد هاشم، وعدد من راقصي الدبكة. يقول شويري "حينها شاركتُ معهم في المهرجان، وشعرتُ بأن لا مجال للبقاء في الكويت".


في العام 1963 عَلِمَ شويري ان هناك استعدادات في الكواليس لإحياء مهرجان بعلبك بإشراف روميو لحود. فقصده في مكتبه ومن هناك اصطحبه لحود معه في نزهة بسيارته الى الأشرفية واعداً إياه بإعطائه دوراً صغيراً في مسرحية "الشلال"... حصل شويري على دور شاب يجلس على الدرج، ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. في هذا الوقت، انتسب إلى كورس "إذاعة الشرق الأدنى" و"الإذاعة اللبنانية" وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور اللذين كانا يبحثان عن وجوه فنية جديدة، فأعجبا بأداء ايلي على المسرح، وهكذا بدأ رحلته. فشارك معهما في 25 عملاً مسرحياً...

شويري الذي كان يحب شعر منصور الرحباني وألحان فيلمون وهبي وبليغ حمدي، عندما اختلف مع الأخوين الرحباني، اختار طريقه الخاصة في الفن مع زملائه الفنانين ملحم بركات، مروان محفوظ، جوزيف ناصيف، وطوني حنّا. فحاول كل منهم رسم طريقه بنفسه معتبراً أنه "في الفن يجب أن يلحق الفنان اسمه وليس شغفه". يقول في حديث لمجلة "الشبكة": "عملي معهم(الرحابنة) بلور في نفسي كل ما فيها من شغف للفن، وكوني رافقت أعمالهم وأجواءهم وتفكيرهم، تأثرت بنوعية كتاباتهم وأحببتها. فنهجت على منوالهم في مسرحية كتبتها بعنوان "مدينة الفرح"، ثم بأخرى وعنوانها "جوار الغيم" وأخيراً مسرحية "بحر اللولو" العام 1973 التي قدمتها في مهرجانات بيت الدين".

وفي العام 1975 قدم بالتعاون مع الصحافي الراحل، سامي غميقة، برنامج "يا الله" وهو نقدي اجتماعي لاقى نجاحاً لافتاً، كما وقف إلى جانب صباح على المسرح في عرض "ست الكل" وكتب أشهر أغاني وديع الصافي مثل "زرعنا تلالك يا بلادي" و"بلدي" و"أنت وأنا يا ليل" و"من يوم من يومين" و"يا بحر يا دوار".

غنى لإيلي شويري كبار نجوم الفن، وهو عُرف بولعه بهواية الصيد. كان يؤلف مع الملحنين ملحم بركات وفيلمون وهبي، ثلاثياً معروفاً في هذا المضمار فلا يفترقون في مواسم الصيد... وصاروا الآن كلهم في العالم الآخر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها