الأربعاء 2023/05/03

آخر تحديث: 14:36 (بيروت)

ماهر اختيار لـ"المدن": الفرنسيون يقدّرون ما يفعله اللاجئون السوريون

الأربعاء 2023/05/03
increase حجم الخط decrease
من خلال تجربته الشخصية كمنفيّ، وعبر سنوات عمله التطوعي كمشرف على أكبر منتدى للسوريين اللاجئين في فرنسا، اكتسب ماهر اختيار مهارة الاستماع بدقة وبشغف لما يقوله الآخرون، حزانى كانوا أم غاضبين وحانقين، وأيضاً لا مبالين وكذلك راضين أو فرحين!

ما يتعلمه المرء من خلال الممارسة، يتحول في المحصلة إلى قدرة تميزه وتدفعه لصناعة ما يجب عليه أن يقدمه من خلال تجاربه ومعارفه، ليساهم في إثراء الواقع ذاته، وخلق نوافذ تواصل بين اللاجئين ومُضيفيهم.

ضمن هذا الاجتهاد يأتي كتاب "Oui, il y a des réfugiés heureux en France" (نعم، هناك لاجئون سعداء في فرنسا)، الصادر قبل أيام عن دار Rocher الفرنسية، والذي وَقَّعَه بمعيّة الصحافي الفرنسي نيكولاس ديليكورت.

والحال إن الاعتياد والسكون اللذان يصيبان الجماعة اللاجئة في المكان الذي وصلته، يبدو مضللاً، إذ لا يستطيع المُراقب أن يفهم كيف تتشكل لدى أفرادها القدرة على الانضمام طواعية أو قسراً، للأمواج التي تجرفهم في بحر حياتهم الجديدة، من دون أن يكونوا قد وصلوا إلى مرحلة الاندماج في البيئة الجديدة!

ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لهؤلاء أن يطرحوا على مواطنيهم اللاجئين أيضاً، مشاكلهم وطلبات المساعدة من أجل حلها. إلا أن هذا كان يشير إلى وجود معاناة في التواصل مع الآخر (المساعد الاجتماعي) الذي يجب عليه بحكم وظيفته أن يقدم الإجابات لأصحاب الأسئلة، فهؤلاء يعثرون على أجوبة يقدمها لهم أصحاب التجارب السابقة، فيدلونهم على أفضل وأبسط طرق الوصول إلى غاياتهم.

تفكيك عناصر هذا التفصيل الأولي في مسيرة اللاجئين نحو استقرارهم، يُمكّن القارئ من التعاطي مع القصة الكبيرة للجوء، والذهاب إلى شرح تفاصيلها لآخرين يعانون في الأصل من مشكلات في طريقة تعاطيهم مع اللاجئين.



الضرورات التي تجعل من العمل على هذا الشيء أمراً واجباً يتحدث عنها ماهر فيقول: "من خلال الحديث مع فرنسيين، نلاحظ أن معظمهم لا يعرف الأسباب الحقيقية لخروج السوريين من بلدهم، ومنهم من لا يميز بين اللاجئ والمهاجر، ومعظمهم لا يعرف -وهذا أمر مفهوم- كيف تتم إجراءات طلب اللجوء وما هي خطوات ما بعد نيل حق اللجوء. بل هناك موظفون لا يعرفون تفاصيل وخصوصية ملفات طالبي اللجوء أو من نال هذا الحق، وتراهم يستشيرون الزملاء من أجل اتخاذ القرار السليم والصحيح. كما أن هناك من يربط بين اللاجئ والحزن والتعاسة والعزلة، وأن من يأتي لاجئاً يعتمد بشكل أساسي على مساعدات الدولة ومؤسساتها.. الخ. لذلك، يحمل هذا الكتاب في طياته أسباب الخروج من سوريا، ويشرح أن غالبية السوريين ما كانت لتفكر في مغادرة بلدها لولا الرد العنيف من جانب نظام الأسد على مطالب الناس بالحرية والكرامة".

يشير صاحب الكتاب، في متنه، إلى البديهية التي تقول إن السعادة مفهوم نسبي، لكن اقتران العنوان بهذه الكلمة يبدو بحاجة للشرح، وهذا ما تفعله فصول الكتاب التي توزعت بين ما قبل اللجوء وما بعده، وتشرح الأسباب التي أدت إلى خلق الحالة أو المشكلة، ويستطرد في تفكيك المصائر والمآلات التي ينتهي إليها اللاجئون وهم يستقرون في فرنسا، بعد رحلة لم تكن سعيدة، وبعد الفشل أو النجاح الذي تمر به تجاربهم. ومن خلال ما سبق، لن يكون الطبيعي إسباغ صفة السعادة عما يتم الحديث عنه من الشخصيات، وقد أشار المؤلف في صفحات الكتاب الأولى إلى هذا التناقض بين أن تكون لاجئاً وبين أن تكون سعيداً.

يشرح ماهر ما خلف العنوان فيقول: "بعد الوصول إلى فرنسا، هناك من يبذل جهوداً كبيرة من أجل تعلم اللغة الفرنسية، وهناك من يرجو مكتب العمل من أجل اتباع دورة تدريبية وإيجاد عمل، فنرى أن التقصير ليس دائماً وبالضرورة فردياً أو متعلقاً بالشخص، وإنما هو أحياناً مؤسساتي. والكتاب يحاول تبيان كيف أن اللاجئ يمكن له أن يكون سعيداً ويستطيع تقديم ما يرسم الابتسامة والسعادة لدى الفرنسيين أنفسهم. كان وضع العنوان مقصوداً، فالحديث هو عن الحرب وأسباب خروج السوريين من بلدهم، وكيف وصلوا إلى فرنسا، وكيف استطاعوا النجاح فيها. لكن، ذِكر كلمة نجاح وربطها بلاجئ يكاد يكون كلاسيكياً، من هنا أتت فكرة وضع كلمة سعادة من أجل جذب انتباه القارئ الفرنسي ودفعه للقراءة والاطلاع على ما يتضمنه من موضوعات متنوعة ومتعددة، مرتبطة بفرنسا وبغيرها من البلدان".

يتحدث اللاجئون الذين التقاهم ماهر، عن عوالمهم قبل مغادرتهم لبلدهم، ويشرحون الكثير عن الحياة الاجتماعية السورية التي كانوا ينسجمون فيها مع ذواتهم ومع الآخرين الذين تتعدّد مشاربهم الاجتماعية والدينية والسياسية. وبالتأكيد لن يغفل، هؤلاء وهم يشيرون بإصبع الاتهام إلى الديكتاتورية والتسلّط كمنبع للشرّ، عن إشكالية حقيقية تعانيها مجتمعاتهم. لكن الوصول إلى عتبات الدم على يد القتلة الذين تعددت وجوههم، من جنود الأسد ومليشياته وشبيحته إلى الفصائل المنفلتة، والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، أدى في المحصلة إلى ضرورة الخروج من سوريا إلى أقرب بقعة آمنة، ومن ثم البحث عن فرصة للنجاة في مكان يمنح الأطفال أملاً وفرصة في المستقبل. وهنا تبرز فرنسا كواحدة من الاحتمالات الممكنة. وبالتأكيد لن يكون الوصول إلى فرنسا سهلاً، فهو يمر، بالإضافة إلى برنامج إعادة التوطين التابع للأمم المتحدة، إما برحلة لجوء قاسية كعبور البحر والسير في الطرقات الوعرة، وإما عبر الحصول على الفيزا طويلة الأمد تُمكن الحاصلين عليها من طلب اللجوء على الأرض الفرنسية.

تجربة ماهر التي يتحدث عنها في بداية الكتاب تبدو قريبة في الجزء الأساسي منها من كل تجارب الآخرين الذين يتحدث عنهم وينقل تجاربهم، لا سيما في آليات الحصول على إقامة اللجوء. فقد درس في فرنسا، لكنه، ومن أجل البقاء بعيداً من يد الدولة الأمنية، قرر البقاء، وعمل في تدريس العربية، بالإضافة إلى نشاطه التطوعي، وبدورنا نسأله عن ولادة فكرة الكتاب فيقول: "على مدار سنوات، اعتدت الاهتمام وإبراز صور من النجاح لدى بعض اللاجئين السوريين في فرنسا ممن أعرفهم من قرب أو من بعد، وكنت أنشر هذه القصص باللغة العربية في صفحة فايسبوك بإسم منتدى السوريين في فرنسا. كان الهدف من ذلك هو القول لمن يصل حديثاً إلى فرنسا إن هناك أفكاراً وتجارب ناجحة يمكن الاطلاع عليها. هناك أشخاص وصلوا قبلكم، وتعلموا ووجدوا عملاً وتفوّقوا، والاطلاع على تجارب من سبقكم بسنوات قد يمنحكم أفكاراً واقتراحات من أجل البدء بحياة جديدة هنا في الغربة".

يضيف: "كنت حريصاً على عدم تحويل صاحب التجربة إلى موديل أو نموذج ينبغي اتباعه، وإنما التوضيح بأن تجربته قد تفتح نوافذ وتقدم أفكاراً لمن يصل فرنسا حديثاً. والنشر حول هذه التجارب ما زال مستمراً حتى اليوم، بحسب وقتي واطلاعي على تجارب اللاجئين في فرنسا. وخلال لقاء مع صديق في مدينة ليل، وهو كاتب فرنسي، تحدثنا عن الأمر، فاقترح عليّ أن نعمل بشكل مشترك على هذه التجارب الناجحة، وأن ننشرها ضمن كتاب بالفرنسية، من أجل تقديم صورة للقارئ الفرنسي عن عالم اللجوء واللاجئين، وعن نجاحاتهم وأسباب سعادتهم في فرنسا. وكنت كسوريّ، أميل للحديث عن سوريا وعن أسباب مغادرة السوريين لوطنهم، وتقديم هذه التوضيحات ضمن أبعاد سياسية/أمنية، وإن بصورة مبسطة، إلى القارئ الفرنسي. أي شرح الواقع السياسي وما عاناه السوريون على مدار عقود، وكيف تبلورت فكرة أو طاقة الصراخ ضد الظلم والفساد في العام 2011. في حين كان نيكولا، بوصفه فرنسياً، ميالاً للحديث عن الوضع في فرنسا وكيف أنها استقبلت وتستقبل لاجئين، وأنها تمتلك الكثير من الإمكانات لجعل الناس سعداء على أرضها. وهكذا تم بناء فصول الكتاب وتبلورها شيئاً فشيئاً".

الكتاب مليء بالتجارب المهمة، ويتوجه إلى القارئ الفرنسي الذي تشغله كثيراً مسائل راهنة كالأزمة الاقتصادية وتفاقم الهجرة، وغير ذلك. وهذا في الواقع يجعل أي لاجئ يفكر بصورته لدى الآخر الذي يستقبله، فإذا كانت تجارب السوريين في بعض البلدان لا تبدو سعيدة، مع استخدامهم كشمّاعة لتحميلهم كل المشاكل الداخلية الحاصلة بوجود اللاجئين، أو في ظل عدم وجودهم كما في لبنان حالياً، أو كورقة في الصراعات السياسية الداخلية المستمرة منذ مرحلة ما قبل الأزمة السورية، وهذا ما يجري في تركيا، فهل حقق الوجود السوري هنا حضوراً مختلفاً في عيون الفرنسيين؟

يجيب ماهر: "بناءً على شهادات 13 شاباً وشابة، هناك تقدير من جانب الفرنسيين لما يقدمه اللاجئ، وإعجاب واضح بقدرة أشخاص على تعلم الفرنسية خلال سنوات قليلة والحصول على عمل وصورة من صور الاستقرار. ودائماً، يكررون، لو كنا مكانكم، أنتم الخارجين من الحرب، لما استطعنا فعل ما تفعلونه! وهذا القول مفهوم، لأنهم بعيدون من التجربة أو لم خاضوها، فمن يعيش في الغربة، يفعل المستحيل ويحاول ويسعى من أجل ملامسة مستوى من الاستقرار وحياة أقرب لأن تكون خالية من المشاكل. لكن بشكل عام، لا مقارنات مع جنسيات أخرى".

الكتاب مُهدى للناشط الراحل نواف الصفدي، الذي "دافع لسنوات عن حق شعبه في الحرية والكرامة، وكان دائماً إلى جانب العديد من اللاجئين في فرنسا". وهو بصفحاته التي تقارب المئتين، خلاصة لحكايات روى أصحابها ما جرى معهم فيها بشكل موسع، لكنها اختُصرت وأعيد تركيبها، وفق خبرة نيكولا، لتكون جذابة ورشيقة للقارئ الفرنسي، وبثمن مادي أقل أيضاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها