الجمعة 2024/04/05

آخر تحديث: 12:06 (بيروت)

طوفان الأحرار بين الشعارات والأنقاض

الجمعة 2024/04/05
increase حجم الخط decrease
من بين كل الأنشطة المقررة لإحياء يوم القدس العالمي (يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان)، والتي حُشدت كلها تحت تسمية "طوفان الأحرار"، يمكن لنا أن نختار واحداً منها، ليعبر عنها جميعاً، وهو معرض فني سينوغرافي، افتُتح في قاعة/خيمة وسط مخيم اليرموك في دمشق بالقرب من جامع الوسيم، حمل الاسم ذاته، وجاء بتنظيم من اللجنة الدائمة للمناسبة في المخيم.

هنا، لا بدّ سيتوقف المتابعون عند دلالة المكان قبل أي شيء آخر، فهل يمكن للمخيم الفلسطيني المدمر، أن يستضيف حدثاً فنياً؟ وهو لم يزل على صورته المعروفة، بعد تهجير سكانه، وحصار مميت تعرض له من بقي منهم فيه، وقصف عنيف أدى إلى دمار واسع فيه، ليتم بعد ذلك نهب بيوته من قبل عصابات "التعفيش" (سرقة محتويات البيوت)، و"التقشيط" (سرقة أبوابها ونوافذها ومعادنها)، المرخصة من النظام السوري، ويتبع معظمها لضباط الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد؟ 



وهل سيجد القائمون على الحدث الفني زواراً له؟ طالما أن عودة السكان إلى "عاصمة الشتات الفلسطيني" مازالت حتى اليوم خاضعة للقرار الأمني، وللتعثر الإداري بعد ادعاء محافظة مدينة دمشق، بأنها لا تملك موارد تمكنها من ترميم البنية التحتية للمكان؟!

طبعاً، هذه ليست المرة الأولى التي يُفتتح فيها حدث ثقافي أو فني في المخيم. ففي 15 شباط/فبراير 2024 افتُتح معرض فني بعنوان "كي لا ننسى فلسطين الوجود" أقامته "منطقة اليرموك" في حركة التحرير الوطني الفلسطيني. كما أن العام الفائت، شهد، وفي ذكرى يوم القدس العالمي أيضاً، حفلة خطابية، احتشد فيها ممثلو الفصائل الفلسطينية وسط ركام الشوارع والبيوت، تحت يافطات توسطتها عبارة "وحدة الساحات".

لم يشعر هؤلاء بحرج وهم يلقون على المسامع مدبجات عن الصمود والمقاومة، بينما تحيط بالمكان مظاهر الدمار الذي صنعه الأسديون في هذه البقعة من بقاع الوجود الفلسطيني.

ولهذا يبدو لجوء منظمي المعرض الحالي إلى قاعة مغلقة، أخف وطأة على الجمهور، لكنه يبقى ملمحاً مهماً، في سياق التقاط التناقضات بين خطابات المقاومة، والواقع الذي تعيشه، وأيضاً الأحوال التعسة لعموم الفلسطينيين..خصوصاً أن السياق العام الذي يتكرر فيه الحديث عن مقومات الصمود، وانتصار المقاومة، يفصح عن خراب مهول، لا يسمح لأحد بأن يصدق حرفاً مما يُقال على المنابر، أو يُكتب في المانشيتات، أو يُرسم ويُعرض أمام العيون، ولا الصورُ المدمجة غرافيكياً التي غطت مساحات الجدران، وتظهر فيها مشاهد بعض المقاومين في غزة، وبالقرب منهم يظهر مقاتلون إيرانيون في إضافات لا يُخفى على المُشاهد الغايات منها، لا سيما الممالأة للداعمين!



يمكن اعتبار المفارقة القائمة بين الدمار المريع وعدد الضحايا الذين سقطوا على يد الإجرام الإسرائيلي في فلسطين والسوري وحلفائه في سوريا، وبين ارتفاع سقف الشعارات التي تطرح على ألسنة كافة الفاعلين في محور المقاومة والممانعة، وحدة قياس لقراءة معدلات الكذب على جمهور محدود، لا يبدو مهتماً بالخطابات، بمقدار اهتمامه بما يمكن أن يحصل عليه من إعانات في ظل حالة العوز الشديد الذي يعيشه الفلسطينيون والسوريون على حد سواء.

وبالتالي، لا يسع المرء أن يمرّ مرور الكرام على أخبار تخص منظمي المعرض ذاته، وهم يتراصون لاستلام آلاف السلل الغذائية كهدية من الجمهورية الاسلامية الايرانية، بمناسبة يوم القدس العالمي، عند مدخل المخيم اليرموك قبل أسبوع، لتوزيعها على العائلات المحتاجة في جمهور المقاومة!

وإذا قيض للقارئ أن يرتفع بمخيلته كما في برنامج "غوغل إرث" عن البقعة الصغيرة التي نصبت فيها خيمة المعرض، ليرى ما حولها، لا بد سيُصدم من حجم الخراب والدمار المحيط بها.

وإذا حاول مقاربة كل ما يجري، مع احتفاليات محور الممانعة، لن تكون النتيجة أحسن حالاً، فكل ما يجري الآن إنما هو طبقة جديدة من الخراب تضاف إلى ما سبقها، ولعل مجرد النظر إلى لوحة الاحتفال بهذه المناسبة التي اخترعها الإيرانيون باقتراح من الإمام الخميني في سياق مزاودته على العرب في حب فلسطين، بينما لا شيء يدعو للاحتفال وسط الخراب، إنما يقول الخلاصة. وعندما يضاف إلى ما سبق، التعقيد الإضافي الذي صنعه قصف الكيان الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في حي المزة الدمشقي، فإن المسافة تتسع بين الشعار والواقع، لتصبح هوة عميقة، لا يمكن القفز فوقها، ولا ينفع معها أن يحتوي برنامج الاحتفالات بيوم القدس عشرات الفعاليات، الموزعة بالتساوي على كافة العواصم العربية المنكوبة! 


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها