الأربعاء 2023/05/03

آخر تحديث: 11:51 (بيروت)

"الحالة الإنسانية" في معرض جماعي: الحميم، الطفولي، والهوس المرضي

الأربعاء 2023/05/03
"الحالة الإنسانية" في معرض جماعي: الحميم، الطفولي، والهوس المرضي
جوني سمعان
increase حجم الخط decrease
يروي كتاب أندريه مالرو، المعنون "الحالة الإنسانية" La Condition Humaine قصة مجموعة من الثوّار الشيوعيين، الذين كانوا يستعدّون لإنتفاضة ضد الحكومة، في مدينة شانغهاي، العام 1921. تكمن خصوصية هذه الرواية في حقيقة أنها تجعل وعي العبث يتعايش مع يقين القدرة على الإنتصار على القدر، بفضل الإلتزام بالتاريخ. الرواية، الواقعة في انسجام وثيق مع زمنها، أراد مالرو من خلالها ممارسة فعل الكتابة كي يتعايش مع زمنه، ويتخطّى أزماته، وليجسّد نهاية الرأسمالية الإستعمارية، وولادة قواعد جديدة قائمة على "الخسارة" وخيبة الأمل، لكن من دون الوقوع في اليأس.

لا شك في أن تسمية المعرض الجماعي: "الحالة الإنسانية" كانت اشتُقت من عنوان رواية مالرو، كما يؤكد القائمون عليه، وهو المقام في صالة Beirut Rebirth (الجميزة) بمشاركة 15 فناناً، بدعوة من "غاليري أرنيلي"، ومن تنظيم منار علي حسن.

شاء الفنانون المشاركون، من خلال أعمالهم، التعاطي مع حالات إنسانية موزّعة بين الفرح والحب والألم والمعاناة والولادة والموت، وكل ما يمت إلى الحالات والمشاعر الإنسانية بصِلة، وذلك في زمن غير عادي يغلب عليه التشاؤم، ويصعب خلاله استجلاء طبيعة المستقبل، في بلد يتخبّط بين اليأس والإحباط، والأمل المتخيّل. حال هذا البلد، في الفترة الحالية، وعبر تشعباته وفصوله وتفاصيله، كان من شأنه أن يؤمّن المنابع الذهنية لهذا النوع من المعالجة. هذا، مع العلم أن الذات الفردية وأحوالها قد تكون، في حد ذاتها، منبعاً مستقلاً يؤدي إلى إنتاج العمل الفني. لكن هذه الذات ليست منفصلة عن المحيط، كما نعلم، وليس من الممكن أن يعيش الفرد ضمن جزيرة مغلقة ضمن محيط هائج، تبحر فيه السفن بمشقة بالغة.

الفنانون المشاركون في المعرض هم: آية أبو هواش، دزوفيغ أرنيليان، إليزابيث هفتي - خوري، جوانا رعد، كريكور أفيسيان، لودي صبرا، ميساء خوري، ماري كادي، مارال دير بوغوصيان، موشغ كارافارتانيان، نورا بكار، سركيس سيسليان، طارق صعب وتوفيق ملحم، مع تركيز خاص على أعمال الفنان جوني سمعان. شارك هؤلاء بأكثر من 60 عملاً فنيًا تتنوع بين اللوحات التصويرية، والوسائط المختلطة، والأعمال الورقية، والتصوير الفوتوغرافي، والمنحوتات والشعر وفن الفيديو. انطلاقاً من عدد المشاركين، والمروحة الواسعة لطبيعة الأعمال المعروضة، يمكن القول إن "الحالة الإنسانية" يمثل ظاهرة فنية ذات أهمية واضحة في الوقت الحالي، لما تتضمنه من طاقات فنية شابة، سيكون لها، من دون شك، دور معين في تحديد بعض ملامح الحركة الفنية اللبنانية المستقبلية.

استأثر جوني سمعان بحصة وازنة من المعرض، واستطاع تمرير قصص حياتية مألوفة بشكل جليّ، بدءاً من تلك المرتبطة باليوميات الحميمة، إلى تلك التي يمكن إسقاطها على حالات عامة يرتبط معظمها بالشعور بالخسارة وويلات الحرب والنزوح. إلى ذلك، تُصوِّر الأعمال، بالقدر نفسه، رثاءً مؤلمًا وتحية مرتبكة لسخافة التجربة الإنسانية، إذ ما قيست مفاعيلها على ما أنتجته من مآسٍ، يتنصل منها مَن تسبب فيها. ولا يحدّد سمعان أعماله كشكل من أشكال البحث، من تجربة التقنيات الممكنة إلى محاولة الإجابة على أسئلة تتعلق بنسيج العالم، وروحانية الوجود، والمادية التي تجعلنا بشرًا. أمّا أحد الجوانب الأكثر لفتًا للانتباه في أعماله فهي قدرتها على نقل الكثير من الحنين والحزن، في حين تبقى وجوه العديد من شخصيّاته من دون ملامح محددة، في حين تتجسد في خطوطها وحركاتها وألوانها جُملة من الأحاسيس المتغيرة والذكريات.

(دزوفيغ أرنيليان)

تقع أعمال المعرض تحت عناوين عريضة. أول هذه العناوين هو الحميميًة، التي قد تشير إلى ضعفٍ مقصود عن طيبة خاطر، وتتضمّن دعوة لمشاركة العاطفة والفكر، أو ما هو خاص مع الآخر من الناحيتين الروحية أو الجسدية. العلاقة الحميمة هي دائمًا عرض جريء للذات، وتحت هذا العنوان نرى أعمال دزوفيغ ارنيليان (هي في المناسبة مؤسسة صالة أرنيلي المتبنية للمعرض). تعمل أرنيليان على موضوعات تتعلق بأدوار الجنسين، والمرأة خصوصاً. في نتاجها يندمج الفن الكلاسيكي لعصر الباروك مع التعبيرية المعاصرة، وتثير لوحاتها مشاعر الشهوانية والحب والخصوبة والألفة، كما تختلط هذه المشاعر أحيانًا بالغضب والنهج المتمرد، الذي ينتقد المنظور السائد لجسد المرأة وحياتها الجنسية. الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في مجموعة أعمال دزوفيغ هو التصوير الجريء للموضوعات، والمشاهد التي غالبًا ما تصدم الجمهور بحساسيتها وحميميتها وضعفها.

تحت العنوان الوارد أعلاه تندرج، أيضاً، أعمال الفنانة الناشئة آية أبو هواش، المتأثرة ممارستها الفنية بهويتها كامرأة فلسطينية – لبنانية. ترسم الفنانة أعمالًا تصويرية تتناول موضوعات الصورة الذاتية والحميمية والعواطف ومعايير المجتمع. وغالبًا ما يظهر في لوحات أبو هواش أشخاص عاطفيون أو مفرطون في التفكير. وبالاستناد إلى السياسة والتاريخ والاتجاهات الإعلامية، تبتكر الفنانة لوحات ورسوماً ووسائط مختلطة متجذرة في النقد المجتمعي والفكاهة المُرّة.

أمّا إليزابيث هيفتي - خوري فهي فنانة وكاتبة تجريبية ومفاهيمية بريطانية – لبنانية، وأعمالها مستوحاة من خلفيتها الأكاديمية في مجالات الأدب والتاريخ والأساطير، وهي تعمل على دمجها مع القضايا والأفكار المعاصرة ضمن أشكال بصرية مجرّدة. إلى ذلك، فهي تبدي إهتماماً خاصاً بالتقاطع بين الصور والنص، لا سيما بالتأثير المتبادل بين النوعين، والعلاقة التي تجمعهما. 

(إليزابيث هيفتي - خوري)

التصوير الفوتوغرافي، الذي نرى أمثلة منه في المعرض، هو الهم الفني الأساس لدى طارق صعب، وهو يعالج موضوعاته الشخصية والإجتماعية بلمسة معاصرة، قائلاً: "إن التقاط صورة يعني ترجمة شعور في لحظة حرجة. هذا هو الهدف الرئيس من جلسة التصوير الخاصة بي. أهدف إلى رواية القصص التي يثيرها خيال المشاهد. وبالنسبة إلي، هذا هو جمال التصوير الفوتوغرافي، أي أن أغوص في بحر عميق من التخيلات حيث تصبح أنت راوي القصص فقط".

أمّا ميساء الخوري، الحاصلة على ماجستير في الفنون البصرية، فنرى لها أعمالاً فوتوغرافية أيضاً، وقد إنصرفت بدورها إلى وسائل التصوير الفوتوغرافي والرسم مع القليل من الكتابة.

طفولة
تحت عنوان "طفولة" تندرج أعمال جوانا رعد، وهي فنانة لبنانية متعددة التخصصات. فهي مصممة ومديرة فنية محترفة، وقد عملت في العديد من البرامج والمسلسلات التلفزيونية الشهيرة، والإعلانات التلفزيونية ومقاطع الفيديو الموسيقية والأفلام القصيرة والمسرحيات. أصبح شغفها بالرسم احترافيًا في شكل تدريجي، وتمتاز أعمالها بغلبة اللون على الشكل المرسوم بحرية، ومن دون قيود.

أما لودي صبرا، فهي فنانة لبنانية تستخدم مواد متنوعة مثل الأقمشة والأوراق والخشب والحديد والأسلاك والرمل، وتهدف إلى التعبير عن مشاعرها المختلطة حول الحياة نفسها من خلال إنشاء تركيبات ديناميكية وعشوائية، لكنها منضبطة للغاية وتمثل شغفها المستمر بالطبيعة والفن والوجود البشري. 

الهوس المرضي  The Morbid
الفن "المهووس"، وكما هو معروف، هو نوع من الفن يستكشف موضوعات الموت والانحلال والمواضيع المظلمة الأخرى، التي يمكن اعتبارها من المحرمات أو باعثة على الإزعاج. هذا النوع من النتاج يتضمّن، غالبًا، صورًا للجثث والهياكل العظمية والأشباح وعناصر مروعة أخرى، وقد تكون مستوحاة من أدب الرعب أو الفن القوطي أو الأيقونات الدينية.

وفي حين أن بعض الناس قد يجدون الفن المهووس مزعجًا أو مسيئًا، فقد يقدر آخرون قدرته على إثارة الفكر، وتحدي المفاهيم التقليدية للجمال وعلم الجمال. وكما هو الحال مع أي شكل من أشكال الفن، فقد يكون التفسير ذاتيًا وشخصيًا، وما قد يجده شخص ما سيئًا، قد يجده شخص آخر مفيدًا، أو حتى جميلًا.

تحت هذا العنوان تندرج أعمال ماري كعدي، التي تقول: "أحب العمل عبر العديد من الوسائط، وإنشاء طبقات مختلفة من النسيج. لدي شغف كبير بأعمال الوسائط المختلطة باستخدام الخشب والجص والنسيج والأسلاك وغيرها من المواد المتنوعة". وفي أعماق فترة حزنها على فقدان والدها، أنشأت ماري سلسلة من الأعمال شديدة الوقع تحت تسمية: "الموعد النهائي". وفي هذا النطاق تدخل بورتريهات موشيغ كارافارتانيان التي تصوّر شخصيات بعيون فارغة، تجمع ما بين العناصر الشرقية والفنون البصرية الغربية، مع تركيز على اللغة الرمزية التيبيتية، بما فيها من مدلولات روحية وباطنية. هذا، في حين تذهب بورتريهات سركيس سيسليان، المنتظمة كشريط سينمائي جنباً إلى جنب، صوب منحى تعبيري يحوّر الوجه البشري ويذيب ملامحه.

وفي مجال النحت، نرى عملاً لكريكور أفيسيان، وهو فنان تجريبي، يعمل بمواد مختلفة، ويركّز على مسائل الفكر والمفاهيم، من دون التزام بالحقائق والواقع. وعلى هذا النحو، يمكن الحديث عن منحوتات توفيق ملحم التي تعتمد بدورها منطلقات مفاهيمية تأخذ ما تأخذه من الإتجاه السوريالي. ثم، أخيراً، أعمال نورا بكّار النحتية المعدنية أو الطينية (كما الأعمال التي سبق الحديث عنها لأفيسيان وملحم). عمل بكّار المسمّى "استعادة أفروديت" يهدف إلى إعادة تمثيل "المرأة" عبر جسد يغلب عليه التشوّه، بفعل ثقل النظام الأبوي القائم على التحيز الجنسي، وحتى كراهية النساء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها