الثلاثاء 2023/04/18

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

"سوبر ماريو".. ذلك الحنين المربح

الثلاثاء 2023/04/18
increase حجم الخط decrease
بعد مرور ثلاثين عاماً على فشل أول اقتباس سينمائي مأخوذ عن لعبة "سوبر ماريو" الشهيرة، يأتي الاقتباس الثاني ليدخل التاريخ بتحقيقه أعلى عرض افتتاحي في شباك التذاكر العالمي على مستوى أفلام الرسوم المتحركة. رغم انتقادات النقّاد، تصدرّ فيلم "سوبر ماريو بروس"(*) شبّاك التذاكر وأصبح أعجوبة موسم عيد لفصح لهذا العام. السعادة تغمر أصحاب المسارح واستديوهات الإنتاج وهم يتابعون أخبار الفيلم في نهاية الأسبوع. تفيض الصحف والمواقع الهوليوودية بالبهجة وربما أيضاً بقليل من الدهشة، فبعد ثلاثة عقود من الفشل المدوي لأول ظهور سينمائي لقصة السبّاك الإيطالي المرح، تجاوزت المحاولة الجديدة لإحضار قصة شخصية نينتندو الأسطورية إلى الشاشة الكبيرة كل التوقعات.

لماذا؟ وما الأسباب وراء هذا النجاح اللافت والمفاجئ؟

ربما تبدأ الإجابة من المقطع الدعائي للفيلم، الذي شوهد أكثر من 21 مليون مرة، والمشتمل على روح الأفلام الضخمة ومجرات فضائية والأميرة خوخة وصوت فائق الجودة. و"سوبر ماريو" الجديد يقدّم ما يعد به؛ على الأقل في شباك التذاكر. خلال عطلة عيد الفصح، حقق الفيلم إيرادات قيمتها 377 مليون دولار على المستوى العالمي، في الأيام الخمسة الأولى من عرضه، محطّماً بذلك الرقم القياسي السابق، الذي حققه فيلم "فروزن 2"، بقيمة 358 مليون دولار، وهذا يجعله أنجح افتتاحية لفيلم رسوم متحركة في تاريخ السينما وأعلى عرض افتتاحي لعام 2023 حتى الآن.

فلماذا نجحت نسخة 2023 بينما فشلت سابقتها في 1993؟ من المؤكد أن جرعة النوستالجيا السحرية لها دور في هذا الأمر، لأنه في العام 1993 كانت نينتندو (شركة ألعاب الفيديو اليابانية المنتجة للعبة) لا تزال موجودة إلى حد ما في غرف الأطفال وفي المقاعد الخلفية للسيارات في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، لم ينجح اقتباس اللعبة السينمائي الأول، والذي جاء على هيئة نسخة حيّة رديئة من بطولة بوب هوسكينز في دور ماريو وجون ليجويزامو في دور لويجي، حتى أن هوسكيز اعترف في إحدى مقابلاته بندمه على المشاركة في تجسيد دور ماريو. لذا، مع انخفاض مستوى الاقتباس السابق، لم يكن من الصعب إنجاز اقتباس أفضل هذه المرة.

وصفة النجاح: ابق مع الأصل

لعبة سوبر ماريو، في الأخير، تزدهر بالمرح والرسوم المتحركة ذات الألوان الزاهية التي صاغها مصممها الياباني شيغيرو مياموتو. لذلك، كان طبيعياً أن يأتي الاقتباس الجديد عبر وسيط الرسوم المتحركة، وأن يستوحي بصرياته من الشخصيات الأصلية. كذلك تعاون الملحن بريان تايلر مع الملحن كوجي كوندو (مؤلف موسيقى اللعبة الأصلية) في وضع الموسيقى التصويرية الأوركسترالية الغامرة لنسج بعض أصوات اللعبة التي لا تُنسى في النسخة الفيلمية.

لا يجرّب فيلم "سوبر ماريو" الجديد كثيراً على المستوى السردي كذلك: هناك قفز وجري وقليل من القتال، وإلى جانب ذلك، هناك مهمة لإنقاذ العالم (وجميع المجرّات المحيطة) من باوزر الشرير (جاك بلاك). على عكس نسخة الفيلم من العام 1993، هنا "سوبر ماريو" صديق للعائلة وزاخر بالألوان ومزيّن ببعض النكّات المخصّصة للجيل الأكبر سناً (الذي لعب اللعبة في طفولته). بالإضافة إلى ذلك، هناك طاقم مرصّع بالنجوم في الأداء التمثيلي الصوتي، والذي، رغم ذلك، أدّى إلى إثارة الجدل حين ظهور المقطع الدعائي للفيلم، وتبيّن المتابعين أن نجم أفلام مارفل، كريس برات، سيعير صوته لماريو.

أين صوت ماريو؟

تسبّب صوت كريس برات هذا بالضبط في العديد من الجدالات المسبقة. كشف المقطع الدعائي الأول أنّ الممثل لن يستخدم صوته عالياً كما هو معروف من اللعبة، الأمر الذي أزعج بعض المعجبين. بعضهم طالب بأن تجري الاستعانة بصوت تشارلز مارتينيت، الذي وضع عبارات مثل "إنه أنا، ماريو" على لسان بطل لعبة الفيديو لأكثر من 30 عاماً. قرر استوديو الفيلم العالمي خلاف ذلك، لكنه أعطى مارتينيت دورين أصغر في المغامرة الممتدة لـ93 دقيقة، مثل دور والد ماريو.

حقيقة أن تشارلز مارتينيت، الذي أعطى ماريو صوته في اللعبة منذ العام 1991، لم يُدرج بشكل رئيسي في الفيلم الجديد أصاب العديد من المعجبين بالإحباط. وانتقد آخرون حقيقة عدم وجود أي ممثل صوتي إيطالي المولد. في غضون ذلك، انقلب المدّ، وبدلاً من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي السابقة التي سخرت من برات وصوته، يقرأ المرء الآن أكثر فأكثر أن الوقت قد حان الآن للاعتذار للممثل.


طبخة ناجحة

لكن "سوبر ماريو"، كما في اللعبة، يقفز بمهارة فوق هذه العقبات الصغيرة، ويقّدم ما يعد به. حركة سريعة، إشارات لا حصر لها إلى نسخ ألعاب ماريو المختلفة والموسيقى التصويرية الرائعة. في لعبة الفيديو الكلاسيكية، كان على الشقيقين السبّاكين ماريو ولويجي إنقاذ الأميرة خوخة من براثن باوزر الذي اختطفتها. للقيام بذلك، كان عليهم مواجهة العديد من التحديات لعبور الممرات وتجنّب العقبات، تصاحبهما تلك الموتيفة الموسيقية الشهيرة. بعيداً من الرغبة في الابتكار، عطفاً على التفكير في خطر إضاعة فرصة أخرى؛ لا تفعل قصة فيلم سوبر ماريو الجديد شيئاً أكثر من خلق مواقف حول هذا الهيكل البسيط للغاية، ومنها تتقدّم القصة.

نجح الفيلم في أن يكون "صحيحاً"، بلا أن يشتمل مزايا رئيسة لتسليط الضوء عليها بخلاف التقنية. الباقي مبني على فكاهة تخطيطية دقيقة، مصمّمة للعمل على مستويين. الأول هو جمهور الأطفال، الذين قد يجدوا أنفسهم (أو لا) في عالم اللعبة، حيث تستجيب لمعايير سينما الرسوم المتحركة الصناعية ذات الفعالية المؤكدة ضمن هذا الهدف. المستوى الثاني المستهدف هو مستوى المعجبين القدامي: من ناحية، أولئك الذين نشأوا يلعبون سوبر ماريو؛ ومن ناحية أخرى، أبناء المجال المتنامي للثقافة الشعبية المتمثل في عالم الألعاب. هؤلاء تحديداً هم الذين سيستمتعون أكثر بقائمة طويلة من الإشارات إلى هذه اللعبة وغيرها من ألعاب نينتيندو التاريخية. أبعد من ذلك، ثمة القليل، لكنه، بمنطق هوليوود وتجارتها، كافٍ لبدء التفكير في طبخ فيلم مكمّل ينزل إلى الصالات بعد عام أو عامين.


(*) يُعرض في لبنان أول أيام عيد الفطر

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها