الجمعة 2023/03/31

آخر تحديث: 14:00 (بيروت)

الرسائل إلى غادة السمّان.. مرة أخرى

الجمعة 2023/03/31
الرسائل إلى غادة السمّان.. مرة أخرى
increase حجم الخط decrease
من وقت إلى آخر، تسعى الأديبة والروائية السورية المقيمة في باريس، غادة أحمد السمّان (1942)، إلى تجديد وتفعيل أخبار الرسائل، وتحديداً رسائل الشعراء والكتّاب والصحافيين إليها، وقد بات هذا الأمر شغفها اللفظي والواقعي في السنوات الأخيرة. وكل رسائل جديدة، تكون أشبه بحكاية مكتوبة بلغة القلب والوله، تتضمن بعض الأحوال والأدوار والحميميات، وما كان يدور في الكواليس وأروقة المكاتب وزوايا المقاهي. وتختلف الآراء والأمزجة في توصيف "مفاجأت" صاحبة "كوابيس بيروت"، بين من يعتبر بوحها "جرأة" نادرة أو "انتهاكاً" للخصوصيات، أو كونها مُجدّدة في كتابة أدب الرسائل الذي ذهب أدراج الرياح مع التحوّلات الميديائية وصعود الرسائل الاكترونية...

والسمّان السورية الدمشقية، "المتمرّدة" التي تزوجت تقليدياً من الناشر وابن العائلة البيروتية والعروبي بشير الداعوق، باتت أخبار رسائلها كأنها فصل من فصول كتاب "الأغاني"، المؤلَّف الموسوعي لأبي الفرج الأصفهاني، وفيها شيء من التفرّد. فخلال النصف الأول من الستينيات، قابلت الشاعر اللبناني أُنسي الحاج الذي كان يكبرها بخمس سنوات، فوقع في حبّها وتبادل معها الرسائل. لكن قصة حبهما لم تدم طويلاً، خصوصاً بعد انتقالها إلى عاصمة عربية لحضور إحدى الندوات، حيث تعرّفت على الروائي الفلسطيني غسان كنفاني وأحبّته. عندما سئل أنسي الحاج عن غادة، أجاب بكلمات موجزة: "غادة السمّان زهرة أكثر غرابة. هي تمثل يد التكوين أحياناً". ولاحقاً، نشرتْ غادة رسائل أنسي إليها(2016)، وقد بدا أنسي في الرسائل "كأنه يكتب لنفسه" بتعبير الشاعر عبده وازن، وكل مَن يحلو له علَّق وعلَّل وحلَّل وفنَّد الرسائل، وأصبح صاحب اختصاص في هذا المجال.

وقبل "قنبلة" الحاج، نشرتْ صاحبة "عيناك قدري" رسائل كنفاني(1992)، التي أُثني على مضمونها الأدبي الشاهد على قصة حب لم تنته، وهي (أي الرسائل) طافحة بثورية القلب والحواس لا القضية السياسية التي كان يخوضها صاحب "رجال في الشمس"... واخترقت الرسائل "هالة" غسان العروبية والثورية والطوباوية، وهذا الأمر أزعج الكثير من الثورجيين الذين ينظرون إلى القادة كتابوهات لا تُمسّ، أو كأنهم ليسوا بشراً من لحم ودم... وقالت غادة في مقدمة الرسائل "لدي الجرأة لكتابة مذكراتي بلا مداورة ولا مواربة، لكني لم أشعر بعد بأن الوقت قد حان لكتابتها… ولعل الذين يطالبونني اليوم (العام 1992) بكتابتها بإلحاح ربّما كمطلب كيدي أو من باب التحدّي، هم الذين سيصيرون أكثر الناس احتجاجًا على صدورها، وعلى ما سيرد فيها من صدق ورفض لتقديس البشر، لأنني حين أكتب مذكراتي لن أجامل نفسي ولا سواي".

وما بين كنفاني والحاج، نمائم من هنا وهناك، وكلام صحافي عن علاقة وزواج غادة من الموسيقار بليغ حمدي، أو علاقتها بالشاعر كمال ناصر والصحافي الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي، والأخير لم يتردّد في القول إنه يمتلك رسائل منها، وكتب عنها في إحدى رواياته بشيء من المبالغة... لكن كلامه لم يكن موضع جدل فايسبوكي، ربما لأنه ليس نجماً ثورياً مثل غسان كنفاني، ولا أقنوماً من أقنومات قصيدة النثر العربية كأنسي الحاج...



ومنذ سنوات أيضاً، بدأ التمليح إلى رسائل من نزار قباني إلى غادة، وهي قريبته وتأثرتْ به وكتبتْ بلغته، وكان الكلام في السياق يجمع بين الطرافة والتوقّع والاحتمال والتهكّم، وأكثر من صحيفة تطرقت إليها في عناوين وإشارات. وأخير جاء اليقين من غادة نفسها، ففي 22 آذار الجاري كُتب في حسابها الفايسبوكي المقطع الأتي: "كنتُ قد قررت منذ أعوام نشر رسائل نزار قباني لي (وسأفعل)، ويومها طلبت من الشاعر حافظ محفوظ (رئيس تحرير مجلة "الحصاد" اللندنية) والصديق المشترك لي ولإبنة نزار الكبرى الراحلة هدباء، التوسط لأحصل على رسائلي إليه لنشرها معاً. لم أطلب ذلك مباشرة من صديقة الشباب والصبا والطفولة هدباء، كي لا أحرجها، لما بيننا من محبة وصداقة دامت عمراً. وقالت يومها الحبيبة الراحلة هدباء لحافظ إنها لم تجد رسائلي بين أوراق نزار. وبالتالي سأنشر رسائله لي من دون رسائلي إليه!"...

وسريعاً ما سرَتْ مئات التعليقات الفايسبوكية التهكمية أو المرحّبة بالرسائل التي تطرح الأسئلة، لماذا كذا، وماذا لو، أو التي تلمح إلى نمطية السمّان في نشر الرسائل غير النمطية. فصاحبة "عيناك قدري" تنفي امتلاكها نسخاً من رسائلها إلى الشاعر مكتفية برسائله إليها وحسب، على غرار ما فعلته في كتابيها السابقين "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمّان"، و"رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان". كثر رحبوا بفكرة نشر الرسائل من منطلق أنها وثيقة عن زمن، وتحمل في طياتها شهادة على مرحلة ما تستنبطه من صورة المرأة في مخيّلة الرجل، الكاتب والمثقف والشاعر، في زمن التغيرات الاجتماعية والاحلام الكبيرة...

ومآل السمّان في نشرها رسائل عشاقها إليها، من دون نشر رسائلها إليهم، بزعم أو بذريعة عدم العثور عليها، أدى إلى تشكيل صورة نمطية عن الكاتبة، بأنها تتجنّب نشر رسائلها أو بوحها الخاص، وتظهر أنها كانت معشوقة وليست عاشقة... وقد تكون محقّة في عدم العثور على رسائل الكتّاب إليها، فربما تجنّبوا عدم الإبقاء على أي أثر منها، حرصاً على الزوجات ومشاعرهن، فالكاتبة كانت تراسل أدباء متزوجين، وإن قالت إنها لم تكنْ تعرف أن أنسي الحاج كان متزوجاً، وهو أعلن في أحد رسائله أنّه "لم يتزوج بعد"، أما في قصتها مع نزار، فالأمر يرتبط بنشر الرسائل، وما الذي يمكن أن تحمله في مضمونها...

لا أحسب أن موضوع الرسائل يلزمه كثير بلبلة وفسبكة وكأنه بصبصة على حياة خاصة، ذلك أن الرسائل إن وُجدتْ باتت مجرّد وثيقة تعبّر عن مرحلة عابرة، وتحمل لغة وأدبيات تدلّ على زمن وحقبة. ولا أستغرب أيضاً أن تكون غادة السمّان تلقتْ رسائل غرامية من عشرات الشعراء والمثقفين وتحديداً في مرحلة الستينيات. فمَن يراجع سيرة مي زيادة وتوسّل كبار الكتّاب لها في الرسائل، وعلاقتهم الفيتشية بثيابها وعطورها ووجودها، لا بد أن يستنتج أنّ ما تنشره غادة من رسائل قليل من كثير. وللحديث صلة..
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها