سألت الملّا ذات يوم:
"أتحتاج الشريعة إلى قلبٍ يا ملّا؟".
"أكفيفٌ أنت؟! ألَا ترى إلامَ وصلتِ الحال حين ضيّع الشارع قلبه؟!"، أجابني ساخطاً.
▪▪▪
قال الملّا نصر الدين:
"كذّابٌ حنبريتيُّ الكذب، كائناً من كان، من يترجم عن الله مباشرةً!".
▪▪▪
قال الملّا نصر الدين:
" يفعل ربُّكم ماذا بالشريعة؟!".
▪▪▪
ميّتٌ أنا، قال الملّا، وأمشي فتبدو آثار خطواتي على رمال شاطئ العالم الآخر، أمَّا وقعها فيحسبه الخلَّص خفق أجنحةٍ.
▪▪▪
كان الملّا نصر الدين في نزعه الأخير حين فتح عينيه فجأةً، وعرت سحنته ملّامح عزمٍ ورجاءٍ، فأقبل عليه صديقه البيطار بلهفةٍ رؤومٍ، فسأله:
"ما بك يا أخي؟".
"لا شيءَ! لا شيء يا أخي، سوى أنَّني أعمل على جعل مساحتي أوسع، وحدودي أبعد، أبعد من آخر كوكبٍ لا تراه العين. إنني أستوعب الكون كلَّه في هذه اللحظة، وهذا كلُّ ما في الأمر!"، أجابه الملّا.
▪▪▪
قال ابن أحمد الكتبيُّ:
كنت جالساً في زاوية الحجرة التي فارقت الملّا نصر الدين الروح فيها حين التفتَ إليَّ، فراعه وجومٌ ويأسٌ قاتلٌ يكسو سحنتي، وأنا أشدُّ طواميري بخيطٍ، فسألني بصوتٍ واهنٍ تعمَّد أن يكون مرحاً بالقدر المتاح:
"ما بك يا ابن أحمد؟".
"الوحدة خلف الباب وبصحبتها دربٌ موحشةٌ، فلا إخبار ولا أخبار ولا أحاديث ولا من أحدّث عنه...".
وسالت دمعاتٌ ساخنةٌ وخطَّت لحيتي، فتبسّم الملّا مشفقاً وربّت على فخذه من فوق اللحاف، وكأنَّه يمسّد رأسي، وقال لي مواسياً ومؤمّلاً:
"هوّن عليك يا ابن أحمد، فما انقطع وحيٌّ ما نافقتم وظلمتم!".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها