الأربعاء 2023/03/22

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

شوكولا نزار قباني

الأربعاء 2023/03/22
شوكولا نزار قباني
نزار قباني
increase حجم الخط decrease
مرّت الذكرى المئوية لولادة الشاعر السوري نزار قباني، ومرّ ما يقارب ربع قرن على رحيله، وهو ما زال إلى الآن موضع جدل وإن خفُت نسبياً... كنت أقرأه في البدايات، اتسلّى بغزلياته، كانت تلفتني جرأته السياسة وسكينه. مع الوقت بدأ لي أنه محطّة في القراءة أو مفتاح للانطلاق نحو قراءات أخرى، لم أقرأه لأخاطب فتاة من خلال قصيدته، بل في مكان ما، كان لغة سهلة فيها الكثير من المفارقات، وفي رأي النقاد شعره لا هو تقليدي، ولا هو حداثي، ولا كلاسيكي، ولا رومانسي، "كان ثورياً في جوهره وتقليدياً في شكله الفني"... من دون أن ننسى أثره الكبير في تأسيس الأغنية العربية...

الأرجح أنه خلطة مثيرة، وسرّه أنه يعرف سيكولوجية القارئ، النساء تحديداً، وشعره حوّل كل ما هو حميمي في حياتنا إلى اسطورة. حقق شعره الصدمة الاجتماعية والأخلاقية السياسي في المجتمع العربي في حقبة من الزمن، وهو بحسب الشاعر نوري الجراح "أنزل القصيدة عن حصان المتنبي وجعلها تمشي على قدمين في شارع عربي معاصر مزدحم بالسابلة والعربات". كثرٌ غيره أدخلوا القصيدة في سراديب معتّمة، هو بحسب الشاعر أنسي الحاج "شاعر ارتوى نجاحاً ورواجاً" و"كان محطّ إعجاب الحسناوات من كلّ الأعمار والأمصار". يضيف الحاج "فرغم تفوّق أدونيس في الإلقاء ورغم جماهيريّة محمود(درويش)، كانت نجوميّة نزار تكاد تتقدّم على نجوميّة كبار المطربين. شعره يُسْكِر وقامته تُسْكِر وصوته يُسْكِر. كان المنبر كأنّه في انتظاره".

هذه السكرات كانت موضع جدل دائم، سواء في حياة نزار أو بعد رحيله... إذا عدنا إلى النص الثاني من الخمسينات، وتحديداً العام 1957، سُئل الشاعر العراقي بدر شاكر السياب عن توقعه لمستقبل شعر نزار قباني، وهل يتوقع له "الصمود بوجه التاريخ والزمن"؟ فأجاب إجابة ينفي فيها بأسلوب لطيف إمكانية صمود أشعار نزار ويتنبأ بسرعة تلاشيها، وقال: "إن شعر نزار(قباني) أشبه بالشوكولاته تحسّه ما دام في فمك، إلا أن طعمه يزول عندما تنتهي من وضعه. وأنا شخصياً لا أشجع انتشار هذا النوع من الشعر، وإن كان شعر نزار لوناً يحتاج الشعر العربي إليه، إن نزار وحده كافٍ. فحاجة المرء إلى الشوكولاته ليست كحاجته إلى الماء والخبز، وشعر نزار شوكولاته"... يقول بداح السبيعي في جريدة "الرياض": تقريباً استبعد السيّاب بقاء شعر نزار في أذهان الناس لفترة طويلة لأن الحلاوة التي يشعر بها المتلقي حين يتذوق شعر نزار حلاوة سريعة التلاشي كحلاوة "الشوكولاتة"، والحاجة لها حاجة "كمالية" ليست في أهمية الحاجة لبعض الشعر الذي تكون الحاجة إليه "ضرورية" وتماثل الحاجة إلى الماء أو "الخبز"!

وهذا الجدل امتدّ إلى ما بعد رحيل قباني، إذا كتب الشاعر عباس بيضون مقالة "الدويّ والخفوت"، قال "منذ 23 عاماً. زمن مديد نسبياً لكنه لا يبرّر ما يشبه اختفاء الرجل، الذي كان في حياته، من دون شكّ، أشهر شاعر عربي". وينطلق صاحب قصيدة "صور" في تقييمه لاختفاء قباني انطلاقاً من أنه "حين نراجع فايسبوك لا نكاد نصادف ذكرى لنزار قباني، الأمر الذي يعصى على فهم جيل شهد صعود الشاعر الشاهق وشهرته المخيّمة على المنابر الأدبية والثقافية والجمهور الأدبي. ما كنّا نظن أنّ عقدين من الزمن كانا كافيين لأفول، أو ما يشبه أفول، نجم بهذا السطوع".

كأن فحوى قول عباس بيضون هنا في زمن "الحداثة السائلة"، "أنا في الفايسبوك، إذاً أن موجود"، هل الفايسبوك معيار لخفوت الشاعر أو صعود نجمه أم بقائه؟ هل اللايكات هي قراءات؟ هل جرّب عباس بيضون مراجعة شعر نزار قباني ونقده؟ بالطبع عباس بيضون في شعره، بعيد كلياً من شعر نزار قباني، ولا يتقاطع معه في شيء، لكن لا أحسب أن تفسير "دويّ" نزار، أو خفوته أو صعودة، يمكن يأتي من خلال تصفّح عابر للفايسبوك، ذلك أن هناك فسحات انترنتية وحتى فايسبوكية تضج بمحبي نزار قباني، وأحسب نظرتنا إلى نزار قباني الآن، في جزء منها، تأتي من دون انتباه للانقلاب في الادوات الثقافية وانهيار الصحف، وتبدل مفاهيم القراءة من الكتاب إلى التلفون... 

لستُ قارئاً لنزار قباني الآن، ولست عاشقاً لشعره، وأحسب أنه لا يمكن تفسير نزار الا بكونه مثل المطربين والنجوم (عبد الحليم حافظ وغيره)، وكان له جمهوره الذي يتخطّى جمهور المطربين في بعض الحفلات من سوريا إلى العراق إلى لبنان. يمكننا القول إن نص نزار قباني عاش لعقود، وصار جزءاً من الأغاني اليومية، وإن خفت بعض الشيء بعد رحيله، في المقابل هناك مئات الكتب الشعرية تولد ميّتة... فثمة قصيدة لا هي شوكولا، ولا هي خبز. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها