الإثنين 2023/02/13

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

لحظة النفور من الشعر

الإثنين 2023/02/13
لحظة النفور من الشعر
زلزال تركيا
increase حجم الخط decrease
غالباً ما كانتْ كتابة الشعر في المناسبات أو من بعد الأحداث الجسيمة، موضع جدل وسجال. ويطرح السؤال: هل نستطيع كتابة الشعر، هل ينبغي كتابة القصيدة؟ بالطبع ليست هناك قاعدة ملزمة للكتابة ولموعدها وتوقيتها، وإن كان الفيلسوف ثيودور أدورنو قال: "بعد أوشفيتز، كتابة الشعر عمل بربري"، فيما قال الشاعر الفرسي إيف بونفوا: "بعد أوشفيتز، كان على الشعر أن يكون أكثر ضرورة من السابق، أن يكون شرطاً لا غنى عنه"... ثمّة مَن يقول: أي شعر نكتب بعد أوشفيتز؟ وليس أوشفيتز قاعدة دائمة وثابتة، وهي لا تلزم أحداً وإن كانت جملة أدورنو عنه تحوّلت كليشيه يحضر كثيراً في المقالات والعجالات والتنظيرات...

كلّ مهتمّ أو ناقد فيلسوف لديه الحق في إبداء الرأي في الشعر والقصيدة، لكن ليس لديه الحق في اصدار "فتوى" فلسفية أو شعرية أو تعميماً. فكل ذات لها كلماتها ونبرتها، وكل شاعر له أنواته ومشاعره وشجونه وتعابيره. كثر انتقدوا، بالصوت العالي، زمنية قصيدة محمود درويش، توقيتها وعلاقتها بالحدث الفلسطيني، وسرعان ما بدأوا يقلدونه أو يحذون حذوه. نظّروا كثيراً لمبدأ الفن للفن، وفي لحظة مسّهم حدث هائل ومرعب، فتبدلت نبرتهم وانقلبت كلماتهم، وباتوا مناضلين ينتظرون من يلحن قصائدهم. بالتأكيد، الآن، لم تعد للشعر هالة كما في السابق، فهو ذات يوم كان لسان القبيلة، ومرات كثيرة أصبح لسان القضية وإيقاعه أقوى من دويّ المدافع، الآن تبدّلت كثيراً تأثيراته وآثاره.. لم ينته الشعر، ولم يمتْ كما يزعم كثيرون، لكن تبدلتْ أحواله وأشكاله بتبدّل أحوال الثقافة نفسها، وأحوال تقاليدها وأدواتها، ربما يأتي يوم ويعود الشعر سيد الفنون، لا ندري.

المهم القول أنه على وقع الزلزال في جنوب تركيا وشمال سوريا، ابتسم بشار الأسد ابتسامة الوحش، وأعلن حلف الممانعة انتصاره على أميركا، وعاد الجدل حول كتابة الشعر الحدثي بشكل خافت، في مرحلة بات النقد في خبر كان. ربّما الجدل لا يتعلق بالكتابة بحدّ ذاتها بل بنوعية الأحداث التي يمكن أن نكتب عنها. هل نستطيع القول أن شرّ الطبيعة يشبه الشرّ البشري، هل أوشفيتز أو القنبلة النووية مثل الزلزال؟ هل انفجار مرفأ بيروت مثل حادث سير؟ أمام شرّ البشر، يمكن أن نسجّل اعتراضنا وموقفنا، يمكن قول الكثير من الأمور التي في أذهاننا... لكن أمام شرّ الطبيعة، تبدو الكتابة صعبة، وإن لجأنا إلى الاستعارات التوراتية وتوصيف وحشية الأرض وغضبها في لحظة ما... .

وعلى وقع الزلزال، لا أخفي أني حين رأيت أول قصيدة منشورة مرفقة بصورة ركام بيوت جراء الهزة الأرضية، شعرتُ بالإشمئزاز والنفور. قرأت المكتوب عرضياً ولم أتبحّر في مضمونه. كنتُ أفكر ما إذ كان الشاعر يفكر فعلاً بالزلزال والبيوت والمهدّمة، وما الذي يريده الآن من الرثاء والكلام المنمّق، بل كنت أفكر ما اذ كان الشاعر كتب القصيدة فعلاً في لحظة الزلزال، ونشرها قبل أن ينتهي الزلزال، أم أنه أخرجها من أرشيفه لتكون سيالة مع "القيامة الآن"، وفي لحظة البشر يرتجفون وتهوي عليهم سقوف بيوتهم أو تنشق الأرض وتبلعهم، تطل علينا القصيدة.

بالطبع الشاعر حرّ في اختيار توقيت كتابة القصيدة، وتوقيت نشرها، هذا شأنه. وشأن القصيدة أنْ تموت في لحظة نشرها. في زمن غابر كانت القصيدة تؤرّخ للحدث، كما قصيدة فولتير عن زلزال لشبونة. كانت القصيدة شاهدة وذاكرة، لكنها اليوم تبدو، ومهما تجلّت قوتها، مجرد هامش على أطرف الصورة، بل طوفان الصور، ينشر الشاعر قصيدة مرفقة بصورة، فنشاهد القصيدة ونقرأ الصورة. 

يحدث أن يغرق بعض الشعراء في غواية الأحداث الجِسام وتفاعل الناس معها، سواء أكانت جنازة أو كارثة أو حرباً. والحدث ربما، والله أعلم، ليس أكثر من فرصة سمجة لبعض الشعراء لإبراز منتجهم.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها