الخميس 2023/12/07

آخر تحديث: 15:46 (بيروت)

ثلاثون عاماً من اللون في غاليري جانين ربيز

الخميس 2023/12/07
increase حجم الخط decrease
"ثلاثون عاماً من اللون" – هو العنوان الذي اختارته "غاليري جانين ربيز" لتسمية المعرض القائم حالياً في صالاتها. عدد المشاركين تعدّى الثلاثين بقليل، بعدما كنا افترضنا أن هذا العدد قد يتوافق في شكل مقصود، ربما، مع التسمية. وبما أن هذا المعرض سيستمر خلال فترة الأعياد، أي إلى ما بعد نهاية العام الذي لم تكن شهوره الثلاثة الأخيرة تشبه سابقاتها، كما أن العام نفسه لا يشبه سابقه، قد تكون الغاليري شاءت وداع هذه الحقبة الزمنية بما يمكن أن يضفي بعض الأمل على الأجواء القاتمة: اللون، الذي لطالما كانت مشتقاته تحمل أبعاداً وإشارات سيكولوجية، وإن اختلف البعض على تفسير مضامينها.


(غادة الزغبي)

على أن المعرض جاء، أيضاً، بمثابة اختتام للذكرى الثلاثين لـ"غاليري جانين ربيز"، وذلك بالرغم من الظروف الإقليمية والمحلية الصعبة. بيد أن صالة العرض، وفي ظل التطورات والحوادث المروعة التي أصابت فلسطين وجنوب لبنان، لم يسعها إلا أن تثابر في مساعيها الآيلة للدفاع عن الفن والثقافة المحلية، والاستمرار في تمثيل الفنانين الذين رافقوها وعملوا معها على مر السنين. هكذا، يعتبر معرض "30 عامًا من اللون" أشبه بقصيدة لونية متعددة الأصوات تهدف، في ما تهدفه، إلى الولاء للفن والمجتمع، وتشكّل خلاصة مختصرة ورمزية لرحلة مدتها ثلاثة عقود مع الفنانين وأصدقاء الغاليري، وجامعي الأعمال الفنية، الذين كانوا معها خلال الحقبات المختلفة منذ العام 1993، أو الذين انضموا إليها على طول الطريق.


(ألان فاسويان_ حرب الثلاثين عاماً)

لا يتسّع المجال، هنا، لذكر أسماء جميع المشاركين في المعرض، نظراً للعدد الكبير نسبياً المذكور أعلاه. لكن المتابع لنشاط الصالة خلال العقود الثلاثة الماضية سيلحظ أن الفنانين المشاركين هم من فئات عمرية عدّة. إيفيت أشقر (مواليد 1928)، المشاركة في المعرض، هي الأكبر سناً، والباقية الوحيدة من فناني جيل الحداثة اللبنانية، بعدما غادرنا الآخرون، وربما كانت غادة الزغبي الأصغر سناً. فنانتان من أجيال مختلفة تحتلان اللائحة في طرفيها، أشقر مع أعمالها ذات النزعة التجريدية، والزغبي التي تنتهج أسلوباً واقعياً، وما بينهما سنرى شخصيات جميل ملاعب التي تحوّلت حديثاً إلى مقاطع لونية، وفتيات محمد الروّاس الجذّابات اللواتي نتساءل دائماً أين رأيناهن من قبل. إلى ذلك، هناك الإنسان الذي يجرّ حقيبته مهاجراً إلى دنيا أخرى، بعيداً من الشقاء اللبناني، في لوحة غريتا نوفل، والصورة الفوتوغرافية المتحوّلة ربيعاً شتائياً، كما يسمّي فرانسوا سارغولوغو عمله، وتجهيز ايلي بو رجيلي، وأحد مظاهر الفن الأقلي لدى بترام شالاش، ووجه من وجوه شارل خوري المركبّة من مساحات لونية. كما يمكننا، أيضاً، معاينة منحوتة ألان فاسويان المسمّاة "حرب الثلاثين عاماً"، من دون إشارتها مباشرة إلى حرب ضروس، وعمل دينا ديوان، وهو عبارة عن مدينة بيروت المرئية من السماء، لكن زخارف وطلاسم ونقاطاً لونية تحتل أجزاءها، وصورة ريما مارون المعبّرة التي نلحظ فيها قامة بشرية مستلقية على الأرض ومحاطة بالدمار.


(أيفيت أشقر)

هذه الأعمال كلّها، إضافة إلى نتاج آخر لا يتسّع المجال لذكره، أتت كلّها بأحجام صغيرة، بما يفرضه العدد ومساحة صالة العرض. هذه المواهب المتعدّدة الإنتماءات، لناحية التنوّع في علاقتها بموضوع الفن، إنما تأتي لإثبات ولائها وإخلاصها لتلك الصالة التي ضمت ذات يوم مجموعات كاملة لكلٍ من المشاركين. وهم، من خلال مشاركتهم هذه، يقدمون تحية حيوية لنادين بكداش، وهي التي أعلنت إلتزامها الدائم تجاه الفنانين ومساعيها المستمرّة من أجل الترويج للفن، وذلك بالرغم من كل الصعوبات الموضوعية التي تعترض هذا الطريق.

هكذا، يتم تقديم هذا الحدث كدليل على التواصل الفني، والصداقة التي نسجتها السنون خلال الفترة الزمنية الماضية، التي تخللتها لقاءات ومعارض غنية من حيث المحتوى، والسعي إلى التأمل والإبداع. إضافة إلى ذلك، فإن صورة تتكون لدينا، من خلال ما نراه حالياً، وما مر من أمامنا سابقاً، أنّ الغاليري لطالما كانت من مشجعي الفن الملتزم، من خلال فروعه الممتدة من التمثيل التصويري إلى الفن المفاهيمي، والحفاظ على مجموعة من أنماط التعبير الفنية الأصلية والمتنوعة، وتفضيل الحوار والتفاعل حول موضوعات ذات بعد عالمي. إن مجموعة كبيرة من الفنانين الذين لا يمكن ذكرهم هنا يشهدون على حقيقة أن الفن يشارك في الحياة نفسها، وأنه يعزز التساؤل الوجودي والتأمل، ويدفع إلى الأمل ويشجع على الارتقاء، إلى هذا، فإن المعرض يشير أيضًا إلى قدوم عقد جديد من الإلهام والاستكشاف الفني، واستخلاص الإيمان والطاقة من هذا الحنين إلى الماضي من أجل مشاريع مستقبلية.


(شارل خوري)

على هذا الأساس، فإن جملة من الأفكار تراودنا في هذه المناسبة حول دور الفن الذي يعكس مرور الزمن، والهوية المجزأة، والفضاء الذي سيتم إعادة تعريفه، والازدواجية بين التقليد والحداثة، والتقدم والإنسانية. كما أن الفن يحاول تجاوز الأحداث المؤلمة التي نشهدها في الوقت الحالي، ويتحول إلى مقاومة لأهوال الوجود، ويكشف عن الحالة الإنسانية في حقيقتها العميقة، القوية والهشة في الوقت نفسه.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الهدف كان جرى العمل عليه من خلال مشروع «لقاءات 2023»، الذي أطلقته الغاليري في أيار/مايو 2023، بهدف تعزيز التفاعل بين الجيل القديم والجديد من الفنانين الناشئين. وبالتالي فإن صالة جانين ربيز تقدم نفسها كرافد  للمواهب الجديدة، وهي تفتح نافذة على كل الإمكانات، ويشكّل عملها حافزاً للإبداع والابتكار.

 
(إيلي بو رجيلي)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها