السبت 2023/12/16

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

حرب غزة تربك مشهد النشر المصري

السبت 2023/12/16
حرب غزة تربك مشهد النشر المصري
أقرت غالبية دور النشر بتأثير الحرب في خططها وإن لم يتفق مديروها على شكل التأثير ومدته
increase حجم الخط decrease
اعتدنا، في مثل هذه الأيام كل عام، أن تمتلئ صفحات الناشرين في مواقع التواصل بأخبار الإصدارات الجديدة التي تخرج من المطابع على الأغلب في كانون الثاني/يناير، وخلال الأيام الأولى لمعرض القاهرة الدولي للكتاب. هذا العام، الأمر مختلف؛ قليلة هي الإعلانات التي تنشر، ومرتبكة وخجولة وبصخب أقل من المعتاد.

الحالة الاقتصادية وارتفاع أسعار الكتب، ليسا السببين الوحيدين هذه المرة، فهناك متغير آخر أكثر تأثيراً وحضوراً، هو الحرب في غزة. وهذا ليس استنتاجاً، بل نتيجة حوارات موسعة مع بعض الناشرين المصريين، الذين أقرت غالبيتهم بتأثير الحرب في خططهم، وإن لم يتفقوا على شكل التأثير ومدته.

بحسب مصطفى الشيخ مدير دار "آفاق"، فإن معظم الناشرين المصريين يقسم إصداراته الجديدة إلى قسمين، يصدر الأول مع معرض الرياض وبداية "دورة المعارض" العربية، والجزء الثاني يصدر خلال معرض القاهرة. هذا العام، ومع تزامن الأحداث في غزة مع معرض الرياض، تأثرت حركة البيع بشكل كبير جداً، وكل الكتب الجديدة لم تأخذ حظها في سلسلة المعارض اللاحقة أيضاً، لأن الحرب أثرت في "المزاج العام" لزوار المعارض، "الحالة النفسية لمعظم القراء كانت سيئة جداً فانحسر الحضور وبالتالي الرواج".

عناوين حُرمت من فرصتها
حركة النشر تتأثر بشكل كبير بالأحداث الجارية، لذا يعتقد الشيخ أنّ دور نشر كثيرة ستغير خططها في الفترة المقبلة، بسبب الحرب، ويقول إن جهداً كبيراً بُذل لنشر المجموعة الأولى من الكتب التي صدرت مع بداية دورة المعارض، ولم تحقق هذه الكتب العائد الذي يساعد الناشرين على استكمال خططهم اللاحقة: "في آفاق كانت لدينا خطط لنشر 20 كتاباً مع بداية دورة المعارض، ثم 30 بالتزامن مع معرض القاهرة، الآن اضطررنا لتقليص خطة معرض القاهرة إلى 10 كتب فقط، لأننا وجدنا أنه لا معنى لنشر 30 كتاباً جديداً في حين لم تحظ الإصدارات السابقة بفرصتها، ولم تُوزع بشكل جيد، ولم يُتح لها الوقت الكافي في ظل الظروف الحالية". كثير من دور النشر سينتهج النهج نفسه، كما يتوقع الشيخ، خصوصاً أن الحرب لم تنته بعد، والصورة غير واضحة حتى الآن.

تؤكد د. فاطمة البودي مديرة دار "العين"، التخوف نفسه، وتقول إن كل المعارض التي تلت 7 أكتوبر، تأثرت بشكل كبير: "الجمهور مشغول وخائف، ونحن في بؤرة الأحداث، ولا نعرف كيف ستنتهي هذه المأساة غير المسبوقة". لم تقلل "العين" كثيراً في عدد إصدارتها، إذ تُعدّ 40 عنواناً لمعرض القاهرة، لكنها أصبحت أكثر حرصاً في اختياراتها، ليس بسبب ظروف الحرب فقط، لكن بسبب الظرف الاقتصادي الضاغط أيضاً.

تحضّر "العين" لطباعة رواية جديدة، للكتابة الفلسطينية ليالي بدر، لكن البودي تستدرك فوراً مؤكدة أن التحضير لها يجرى منذ وقت طويل، لأنها لا تعترف بالنشر الملازم للحدث. تقول إن الدار نشرت من قبل العديد من الكتب التي تؤرخ للقضية الفلسطينية وتتابعها حتى الآن، لأن الهم موجود والوعي به قائم منذ أمد بعيد. ضمن خطة "العين" أيضاً، رواية جديدة لحمور زيادة بعنوان "ما بعد النسيان"، ورواية جديدة لعبد الرحيم كمال بعنوان "كل الألعاب للتسلية"، وآخر روايات الكاتب الراحل كمال رحيم بعنوان "بنداري"، إضافة إلى 4 دواوين ومجموعة قصصية، وعدد من الكتب العلمية والدراسات عن القاهرة وتفاصيلها التاريخية والمعمارية.

لمخاطبة جيل جديد يقاوم بشكل مختلف
بالنسبة لشريف بكر مدير دار "العربي"، فالأمر مختلف. الحرب لم تؤثر في خطط النشر بالنسبة إليه، كما أنها لم تؤثر أيضاً في النشر كـ"تجارة وبيزنس"، كما يقول، مدللاً باستمرار إلى إقامة المعارض وعدم خفض الموازنات المرصودة، وبالتالي الأمور تسير بشكل جيد من وجهة نظره، باستثناء تراجع الاحتفال بالإصدارات الجديدة كما كان يحدث من قبل.

لا يرى شريف ضرورة لتغيير خطة النشر لمتابعة الحدث الجاري، لأن الكتب التي تنشر سريعاً، للتفاعل العاجل مع القضية، ستكون على الأغلب مجرد متابعات صحافية، و"العمل على جذور الصراع يتطلب وقتاً". وبالنسبة إليه، لدى الدار مجموعة من الكتب التي تابعت القضية على مدار تاريخها، فهي تعمل على هذه النوعية من الكتب منذ فترة طويلة، "من أيام والدي ونحن ننشر الكتب المتعلقة بالقضية الفلسطينية وليس في الشق السياسي فقط، لكن في مجالات أخرى كالإعلام مثلاً". نشرت "العربي" على سبيل المثال: "هل لدى إسرائيل حق تاريخي في فلسطين"، و"صبرا وشاتيلا"، و"الناس والحصار"، و"ناس من مدن المواجهة"، وكتباً عديدة عن اليسار الفلسطيني.

ما يشغل شريف حالياً هو وعي الأجيال الجديدة وتفاعلها الكبير مع القضية، لكنه يؤكد على ضرورة تصحيح مفاهيمهم عن التاريخ، لأنهم على الأغلب يتلقونه بشكل خاطئ. يقول إن الحرب خلقت جيلاً جديداً يقاوم بشكل مختلف، ولا بد من الانتباه لطرقه والتعامل معه بشكل يناسب عقلياته، والابتعاد قليلاً عن نشر الكتب التقليدية القديمة: "أعتقد أنّ الأمر يتطلّب تدخلاً حكومياً ولا يكفيه تفاعلنا كأفراد".

غني عن القول إن الحرب أثّرت في الناشرين كأفراد ومتابعين للشأن العام. وربما على قدر تأثرهم الفردي، تأثر عملهم. تقول كرم يوسف مديرة "الكتب خان" مثلا: "على المستوى الشخصي لم أجد في نفسي القدرة على العمل لإصدار كتب، بينما، وفيما نحن نتواصل الآن، هناك مَن يُقتلون وأمام العالم بكل مؤسساته ودوله الكبرى. شيء مؤلم وحقير أن يتفق العالم كحكومات على أن يتم قتل أطفال ونساء ورجال وشيوخ وبشر بكل هذه الوحشية والبربرية، وأميركا متزعمة هذه المذبحة البشرية بكل خسة، وتتحدّث بعد ذلك عن حماية البيئة وحقوق الإنسان والمساواة.. إلخ. صدقني ما يحدث بشع وسيبقى معنا للنهاية".

ترى كرم أن الحياة كلها تأثرت والنشر جزء منها بطبيعة الحال، بل إنها أصبحت ترى الآن أن هناك ما هو أهم كثيراً من النشر: "مَن يموتون قرب حدودنا، هم أهلنا وأصدقاؤنا". تضيف بحسرة: "صدقني أي كلام لا معنى له ولا يمكن أن يصف ما يحدث".

ألغت "الكتب خان" فعاليات عديدة لمناقشة كتب والاحتفاء بإصدارات جديدة، لأن "المزاج العام سيء وحزين وغير مناسب لأي مناقشات أو احتفالات". كما أجّلت الدار إصدار كتب كان من المخطط نشرها في أكتوبر وديسمبر، إلى ما بعد معرض القاهرة، عسى أن تتحسّن الأحوال قليلاً، ومنها إعادة نشر ديوان "ممر معتم يصلح لتعلم الرقص" للشاعرة إيمان مرسال.

ورغم ذلك، تجهز الدار مجموعة من الكتب ستصدر تباعاً خلال الفترة المقبلة، منها: رواية جديدة لمحمد خير بعنوان "مرحلة النوم"، رواية "لونجا" لمريم عبدالعزيز، ومجموعات قصصية منها "أحجيات الوحدة" لمحمد الرزاز، و"حب عنيف" لهدى عمران، و"يجذب المعادن ويحب الكلاب" لمحمد البرمي، "عن الكتابة" لعادل عصمت، و"عصر الأفندية، ممرات الحداثة في مصر خلال فترة الهيمنة الاستعمارية وبناء الأمة الحديثة" للوسي روزوفا ترجمة محمد الدخاخني، و"كعكة الحمار الوحشي" لبلال حسني ضمن سلسلة بلا ضفاف، و"أكثر الرجال ضحالة، وودي آلن" مختارات من القصص القصيرة ترجمة عصام زكريا، و"في إثر الغواية عن الموسيقى والنقد" لفادي العبد الله، و"الخروج من مصر" لآندريه إيسمان ترجمة أحمد شافعي.

إقبال على تاريخ القضية
لاحظت كرم أيضاً أن الحرب أثّرت في اختيارات قراء المكتبة التي شهدت إقبالاً ملحوظاً على الكتب التي تعرف بالقضية الفلسطينية وتؤرخ لها. وهي الملاحظة نفسها التي يؤكد عليها خالد لطفي، مدير "تنمية"، والذي يرى أن الوضع اختلف إلى حد كبير، وبات هناك إقبال كبير على الكتب التي تتحدّث عن القضية الفلسطينية، سواء لكتّاب عرب أو مفكرين أجانب، مثل كتاب "التطهير العرقي في فلسطين" لإيلان بابيه الذي حظى باهتمام كبير خلال الفترة الماضية.

التأثير الكبير، دفع العديد من الكتّاب لمحاولة إنتاج كتب جديدة عن القضية الفلسطينية، وهو ما يؤثر في خطط الناشرين كما يؤكد لطفي: "نحن مثلاً نشرنا رواية "تفصيل ثانوي" للكاتبة عدنية شلبي ونجهز حالياً لرواية أخرى، وأعتقد أن كل خطط الناشرين تأثرت وسيستمر التأثير لفترة طويلة مقبلة".

دار "دون" لم تغير الكثير في خطتها، ويقول أحمد مهنى مدير الدار: "خطتنا منطقية تتنوع ما بين الفلسفة وتطوير الشخصية والأدب، لكننا ألغينا كل مظاهر الاحتفال، رغم ترشحنا لجوائز عديدة، منها اللائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد-فرع الدراسات النقدية عن كتاب "تاريخ الغناء الشعبي"، وجائزة اتحاد الناشرين العرب في الكويت عن رواية "أيام ميري الشركسية"، واللائحة الطويلة للبوكر العربية عن رواية "مقامرة على شرف الليدي ميتسي". ورغم مشاركتنا في عدد من المعارض الدولية على مدار الحرب، توقفنا تماماً عن أي مظاهر احتفالية أو دعائية واكتفينا فقط بالتنويه في إطار محدود، مراعاة للموقف".

المتغير الوحيد هو سعي الدار لإصدار كتب جديدة عن تاريخ فلسطين بشكل مدروس، لكن هذه المشروعات ربما تتأخر لظروف البحث التاريخي: "نكتفي في الوقت الحالي بكتب د.عبد الوهاب المسيري المنشورة لدينا ويتم توزيعها وإتاحتها بشكل جيد".

ورغم ذلك ربما يظهر التأثير في عدد الكتب التي قدمتها الدار مؤخراً، إذ أصدرت "دون" ثلاثة كتب فقط خلال الفترة الماضية: "ميت مطلوب للشهادة" للدكتورة سمر عبد العظيم، وهو كتاب قصصي يدور في أروقة الطب الشرعي، وكتاب "مفاهيم" للإعلامي الإماراتي محمد الجابري يناقش مجموعة من الأفكار الاجتماعية، ومجموعة قصصية عنوانها "الزيتونيات" للطبيب النفسي عادل الزيد، كما تحضر لطبعة جديدة مزيدة من يوميات الكاتبة مي التلمساني "للجنة سور".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها