الخميس 2023/11/23

آخر تحديث: 11:42 (بيروت)

"صمود" جان مارك نحّاس... هشاشة بيروت وقلق سكانها

الخميس 2023/11/23
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "صمود"(Resilience)، تقيم LT Gallery في بيروت، معرضاً لأعمال الفنان اللبناني جان مارك نحّاس. هذه الأعمال هي آخر ما أنتجه الفنان، وكما يبدو، تعكس ما ورد في النشرة الصحافية المرافقة التي ورد فيها أنّ معرض "صمود" يعكس: "استكشافاً إستبطانياً لبيروت، المدينة التي نعتز بها بشدّة. والأعمال، بمثابة مرآة تعكس الصراع بين هشاشة المدينة والقلق الدائم الذي يعصف بمن يعيش في أنحائها".

من الملاحظ، وعبر معارض عديدة كنا شهدناها في الفترة الأخيرة، أنّ بيروت عادت بقوة إلى الواجهة كموضوع تشكيلي تمّت معالجته من قبل العديد من الفنانين، ولو عبر مقاربات تختلف بين فنان وآخر. التطرّق إلى أوضاع المدن وأحوالها يحصل عادة على مستويات متعددة، لكنها تجتمع في مفرَقين. فإمّا يتم التغنّي بالحواضر، وإبراز ما فيها من نواحٍ جمالية، وإمّا التحسّر على ما آلت إليه، وما من شك في أن الخيار الثاني، المفروض موضوعياً، هو الأغلب. على أن هذا التحسّر، الذي يبلغ أحياناً حدّ الرثاء، لا يكون في الفن التشكيلي في شكل مباشر كما يحدث في الأدب وملحقاته، فلهذا الفن أدواته ووسائله وأساليبه، التي تحتاج في أحيان كثيرة إلى بعض التأويل. وحتى هذا التأويل قد يصيب الهدف، وقد يُخطئه وقوعاً في فخ التفسير السطحي، وذلك تبعاً لطبيعة القارىء – المتلقي، ومدى إحاطته بـ"ألغاز" التصوير ودروبه.



يمكن اعتبار جان مارك نحاس (مواليد العام 1963)، إستناداً إلى ما أنتجه خلال السنوات، وحتى العقود الماضية، أحد الفنانين التعبيريين الذين صار لهم موطىء قدم ثابت ضمن صفوف الجيل الجديد نسبياً من الفن التشكيلي اللبناني. ومن الناحية العملية، فهو لا يهمل الرسم في أعماله، الذي يأتي لديه مجرّداً من الصفة المحض أكاديمية، من دون إهمال قواعده الأساسية. نفّذ الفنّان، خلال مسيرته، أعمالاً خطوطية تارة، وأخرى لونية بكمية أقل طوراً، كما اعتمدت أعماله التصوير التمثيلي ببعده الواقعي، مروراً بالنمط التعبيري بقسوته المعروفة، وصولاً إلى نهج اختزالي، وهو لم يتخلَّ، عبر ذلك كلّه، عن عفوية كانت مفاعيلها تختلف بين عمل وآخر. إلى ذلك، خاض نحاس أجواء الحرب الأهلية اللبنانية التي تركت أثراً في نتاج فنانين كثر، فرسم وجوهاً تأمّل تقاسيمها وهو يجوب طرق المدينة، وهي تحمل في طيّاتها ذاك القلق الذي خلّفته الحرب، ليستحضرها لاحقاً في ذاكرته محوّرة على النحو الذي يقتضيه الجو النفسي الطاغي لحظة إنتاج اللوحة.

وإذ كان اللون غائباً، إلى حد ما وبحسب الظرف، في أعمال ماضية، فهو يحضر في المعرض الحالي. ولقد ذُكر في البيان الصحافي المذكور أعلاه ما مفاده أن الألوان الأكثر حيوية تدخل إلى القماش، ولم نرَ من خلالها العنف الذي ميّز أعمالاً سابقة. هذا اللون جاء في المعرض الحالي مختصراً، أكان من حيث تردداته وحضوره، أم من حيث تراكمات تفاصيله، ودرجاته ضمن الطيف الواحد. فالمساحات اللونية التي يغلب عليها الوردي، الحاضر في الخلفية حيناً، أو في بشرة الشخصيات تارة أخرى، بقي مسطحاً، في حين جاءت الشخصيات مختصرة، لا تحددها خطوط، ولا تبرز فيها التفاصيل، بل هي عبارة عن سطوح ملوّنة، قد يُخيل للمشاهد أنها نُفذت على عجل. ربما كان هذا الشعور في محلّه من الناحية العملية، لكنه لا يشير إلى استعجال، كما لدى من لا قدرة له على الغوص في أعماق البحر اللوني، بل حمل في ارتقاءاته عفوية وانطباعات لا تستوجب الذهاب بعيداً في تكديس المادة اللونية. لقد أراد نحاس الإبتعاد عن إسهاب لا لزوم له، لكن ثمّة قصة عميقة تُروى مع كل ضربة فرشاة، من خلال استخدام القليل من اللون، والكثير من أنواع التعبير.



في الأعمال الماثلة أمامنا، يحضر ذئب لم يستدعِ تمثيله سوى القليل من ضربات فرشاة سريعة. إختصار يمكن من خلاله الإستدلال على مهارة في التمثيل، من خلال عناصر قليلة العدد. قد يرى البعض في الذئب قطاً وربما ثعلباً، لكنه يتخلّى، في الأحوال كلّها، عن شراسته. ثمة  شخصيات مطلية باللون الوردي في خضم محادثة تجري على ضفاف بحر آمن، وصبية تحمل قطاً، وقامات بشرية أخرى في وضعيات لا تعكس عنفاً، بل، وكما يُشير الفنان، بعض القلق، من دون التخلّي عن "صمودها" في مدينة تغيرت سحنتها منذ حين، لكنها ما زالت تتمسك بأمل حالم، لا بد أن يصبح واقعاً في يوم من الأيام.

ولا بد من الإشارة، هنا، إلى أن صالة العرض، أي "إل تي غاليري"، تعتبر منصة فنية معاصرة، تسعى إلى تقديم أعمال فنانين لبنانيين مشهورين، كما أعمال مواهب شبابية ناشئة، إضافة إلى دعوتها إلى حوار مباشر، وتبادل أفكار في أحضان المكان حول أمور الفن المعاصر، والمسائل التي يطرحها في الزمن الراهن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها