يمكن اعتبار جان مارك نحاس (مواليد العام 1963)، إستناداً إلى ما أنتجه خلال السنوات، وحتى العقود الماضية، أحد الفنانين التعبيريين الذين صار لهم موطىء قدم ثابت ضمن صفوف الجيل الجديد نسبياً من الفن التشكيلي اللبناني. ومن الناحية العملية، فهو لا يهمل الرسم في أعماله، الذي يأتي لديه مجرّداً من الصفة المحض أكاديمية، من دون إهمال قواعده الأساسية. نفّذ الفنّان، خلال مسيرته، أعمالاً خطوطية تارة، وأخرى لونية بكمية أقل طوراً، كما اعتمدت أعماله التصوير التمثيلي ببعده الواقعي، مروراً بالنمط التعبيري بقسوته المعروفة، وصولاً إلى نهج اختزالي، وهو لم يتخلَّ، عبر ذلك كلّه، عن عفوية كانت مفاعيلها تختلف بين عمل وآخر. إلى ذلك، خاض نحاس أجواء الحرب الأهلية اللبنانية التي تركت أثراً في نتاج فنانين كثر، فرسم وجوهاً تأمّل تقاسيمها وهو يجوب طرق المدينة، وهي تحمل في طيّاتها ذاك القلق الذي خلّفته الحرب، ليستحضرها لاحقاً في ذاكرته محوّرة على النحو الذي يقتضيه الجو النفسي الطاغي لحظة إنتاج اللوحة.
وإذ كان اللون غائباً، إلى حد ما وبحسب الظرف، في أعمال ماضية، فهو يحضر في المعرض الحالي. ولقد ذُكر في البيان الصحافي المذكور أعلاه ما مفاده أن الألوان الأكثر حيوية تدخل إلى القماش، ولم نرَ من خلالها العنف الذي ميّز أعمالاً سابقة. هذا اللون جاء في المعرض الحالي مختصراً، أكان من حيث تردداته وحضوره، أم من حيث تراكمات تفاصيله، ودرجاته ضمن الطيف الواحد. فالمساحات اللونية التي يغلب عليها الوردي، الحاضر في الخلفية حيناً، أو في بشرة الشخصيات تارة أخرى، بقي مسطحاً، في حين جاءت الشخصيات مختصرة، لا تحددها خطوط، ولا تبرز فيها التفاصيل، بل هي عبارة عن سطوح ملوّنة، قد يُخيل للمشاهد أنها نُفذت على عجل. ربما كان هذا الشعور في محلّه من الناحية العملية، لكنه لا يشير إلى استعجال، كما لدى من لا قدرة له على الغوص في أعماق البحر اللوني، بل حمل في ارتقاءاته عفوية وانطباعات لا تستوجب الذهاب بعيداً في تكديس المادة اللونية. لقد أراد نحاس الإبتعاد عن إسهاب لا لزوم له، لكن ثمّة قصة عميقة تُروى مع كل ضربة فرشاة، من خلال استخدام القليل من اللون، والكثير من أنواع التعبير.
في الأعمال الماثلة أمامنا، يحضر ذئب لم يستدعِ تمثيله سوى القليل من ضربات فرشاة سريعة. إختصار يمكن من خلاله الإستدلال على مهارة في التمثيل، من خلال عناصر قليلة العدد. قد يرى البعض في الذئب قطاً وربما ثعلباً، لكنه يتخلّى، في الأحوال كلّها، عن شراسته. ثمة شخصيات مطلية باللون الوردي في خضم محادثة تجري على ضفاف بحر آمن، وصبية تحمل قطاً، وقامات بشرية أخرى في وضعيات لا تعكس عنفاً، بل، وكما يُشير الفنان، بعض القلق، من دون التخلّي عن "صمودها" في مدينة تغيرت سحنتها منذ حين، لكنها ما زالت تتمسك بأمل حالم، لا بد أن يصبح واقعاً في يوم من الأيام.
ولا بد من الإشارة، هنا، إلى أن صالة العرض، أي "إل تي غاليري"، تعتبر منصة فنية معاصرة، تسعى إلى تقديم أعمال فنانين لبنانيين مشهورين، كما أعمال مواهب شبابية ناشئة، إضافة إلى دعوتها إلى حوار مباشر، وتبادل أفكار في أحضان المكان حول أمور الفن المعاصر، والمسائل التي يطرحها في الزمن الراهن.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها