الثلاثاء 2023/11/14

آخر تحديث: 12:24 (بيروت)

معرض Phonoselfia... بحثاً عن النرجسية الرقمية

الثلاثاء 2023/11/14
increase حجم الخط decrease
يتناول المعرض المقام لدى غاليري Chaos، تحت عنوان Phonoselfia، ظاهرة صرنا نصادفها يومياً، بل في كل لحظة، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والإكتفاء اللحظوي المباشر. لقد ظهرت صورة الـ"سيلفي" الذاتية، وانتشرت على نحو منقطع النظير كوسيلة لتمثيل الذات وسرد قصصها. يستخدم الفنانون المشاركون في هذا المعرض وسائل وأساليب مختلفة لالتقاط جوهر هذه الظاهرة الحديثة، وعمل بعضهم على مزج تقنيات الفن التقليدي مع الفن الرقمي، في محاولة لإبراز بعض الإنطباعات المتعلّقة بموضوع السيلفي.

يشكل هذا المعرض مناسبة للغوص، باختصار، في هذه الظاهرة المستجدّة. يمكن القول إنه غالبًا ما تُعتبر صورة السيلفي، من خلال طبيعتها الشخصية وممارستها المنتشرة على نطاق واسع، أحد أعراض النرجسية المعاصرة، من خلال ثقافتها الذاتية التي تفضّلها شبكات التواصل الاجتماعي. هذه النظرة السلبية للسيلفي مبنية على التحليل النفسي، وشخصية "نرسيس" الأسطورية، ونقد ثقافي يتسم بوجهة محددة، وربما شاملة، قام به باحثون في بلدان عديدة.

إضافة إلى ذلك، قد يسلّط التقييم الأدق للصورة الذاتية، الضوء، على قدرة هذه الصورة في المساهمة في تكوين هوية الموضوع المصوّر. إن خطأ "نرسيس" الأساسي لا يسمح لنا بتفسير الاستراتيجيات البصرية المعاصرة المستخدمة في الصورة الذاتية في شكل صحيح، بصرف النظر عن جماليات الصورة وقدراتها الإستيتيقية. 

تقول روانا غونسالفيس، الباحثة الأوسترالية في علم البصريات، في مقال: "إن "سيلفي" ليست كلمة قذرة، ومع ذلك، كما هو الحال عندما ننطق بكلمة بذيئة، هناك وقت ومكان لالتقاط الصورة الشخصية، وعدم اتباع هذه الأعراف، شبه المتفق عليها، يترك الصانع عرضة لخطر الأحكام الأخلاقية".

من ناحية أخرى، وتمامًا كما الكلمة البذيئة، تعتبر صورة السيلفي بمثابة اختصار استفزازي، وهو ما لا يلفت انتباه المحاور فقط إلى جوانب معينة من الكلام/الصورة، لكنه يسمح لمؤلفه بتمثيل نفسه للآخرين، أو حتى مشاركة شيء ما عن هويته. إن هذا المصطلح الشائع: "سيلفي"، العامي في البداية، ليس له تعريف دقيق، مما يؤدي إلى استخدام متنوع ومربك في بعض الأحيان لهذا المصطلح. وأخيراً، الصورة الشخصية هذه تجد صعوبة في اختراق بعض الدوائر المهنية والأكاديمية. 

في ما يخص هذا الموضوع، تميل الأبحاث الراهنة حول استخدامنا للشبكات الاجتماعية، إلى تفضيل العلاقة ما بين التكنولوجي والاجتماعي. هكذا هو حال أعمال الأميركية شيري توركل، الباحثة في علم النفس ومديرة معهد التكنولوجيا في ماساتشوستس، التي صرفت اهتمامها إلى تأثير التقنيات في سلوكيات البشر. ففي كتابها "وحدنا معًا"، تقوم بتحليل مطول لكيفية تفاعل الأطفال مع الروبوتات، وتحدثت عن عدد كبير من التجارب السريرية التي قامت بها، ومن ثم عملت على تطبيق بعض هذه الفرضيات على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وتقنيات العصر الحديث. تحذّر توركل من عواقب استخدام التقنيات الجديدة في المدى الطويل، وتدعو للعودة إلى تبادل الآراء والمحادثة، وهي جوانب من الحياة البشرية غالبًا ما يتم وضعها جانبًا.

في المعرض المقام في غاليري Chaos، شاء الفنانون المشاركون التعبير عن نظرتهم الذاتية إلى موضوع السيلفي. ومن خلال استخدام أنواع عديدة من المقاربات، إضافة إلى التأليف واللون، تحاول الأعمال الفنية المعروضة البحث في تعقيدات الصورة الذاتية، وذلك في عالم تتحول فيه المرآة الرقمية إلى ما يشبه لوحة قماشية تهدف إلى استكشاف الذات. وكما هو واضح، يدعو الفنانون إلى التشكيك في تصوير الهوية الذاتية وطبقات الشخصية التي نقدمها للعالم الافتراضي. ومن خلال عدسة السيلفي. يقوم الفنانون بالتحقق من الفروق الدقيقة في هذا النوع من التصوير، والأصالة، أو الواقع المنسّق الذي نبنيه عبر الإنترنت. لذا، فسنجد في المعرض أعمالاً تشبه إلى حد ما، ما أنتجه الـ"بوب آرت"، ممزوجاً بملامح ذات طابع سوريالي، وخصوصاً في ما يتعلّق بـ"الإكسسوارات" المرافقة للشخصية المركزية.

وإمعاناً في طابع السخرية، لا يتورع ماركو ورد، أحد الفنانين المشاركين في المعرض، عن تصوير حيوان (قد يكون حماراً أو حصاناً) يلتقط صورة سيلفي، وهو محاط بعيون واقعة ضمن نجوم، وهي تسبح في الفضاء حول الحيوان الضاحك.


هذا الأمر يتناقض مع الواقع الذي نراه في صور السيلفي المتناثرة أمام عيوننا، إذ ليس خافياً على أحد أن هذه الصور لا تُلتقط لمرة واحدة في الوقت نفسه، إلاّ في بعض الأحيان حينما لا يسمح الظرف بالتقاط صور عديدة، كي يتم لاحقاً اختيار الأفضل من بين تلك الصور من أجل تقديمها إلى "الجمهور". يستخدم توماس تشامورو بريموزيتش، الأكاديمي الأرجنتيني المتخصص في علم النفس التنظيمي والمهني، نغمة لاذعة في هذا المجال حين يقول: "مرحبًا بكم في عصر النرجسية الرقمية، عالم مليء بفرص التباهي التي لا نهاية لها، وإمكانيات التفاخر غير المحدودة". لقد أصبح التباهي أسهل من أي وقت مضى، ومن المفارقات، بحسب الباحث الأرجنتيني، أن وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة إلى حد كبير عن تلك "النرجسية الرقمية". لقد جعل "فايسبوك" الجميع يبدو مثقفًا، وبسبب طبيعته الإدمانية، فهو بالنسبة للنرجسيين ما يمثله مُخدّر الكراك بالنسبة للمدمنين.

أما كتاب كيم كارداشيان للصور الشخصية، الذي لا بد من ذكره كمثال، وهو الذي نشرته دار ريزولي وعنوانه "أناني"، فهو يغذي هذا النوع من الارتباط بين السيلفي والأنانية لأن العنوان يجمع 450 صفحة من الصور الفوتوغرافية الملونة لـ"نجمة" تلفزيون الواقع، التي لا ندري أين تكمن موهبتها في شكل دقيق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها