السبت 2023/11/11

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

"اختطاف فلسطين" لتوماس سواريز.. الإرهاب الإسرائيلي في سيرورته

السبت 2023/11/11
"اختطاف فلسطين" لتوماس سواريز.. الإرهاب الإسرائيلي في سيرورته
كيف تحولت فلسطين في الخرائط الاسرائيلية
increase حجم الخط decrease
لفَهم استثنائية دولة الاحتلال الإسرائيلي وإجرامها الذي يبدو بلا حدود، ينبغي العودة إلى جذورها القائمة على الإرهاب. وهذا ما يركّز عليه عمل الموسيقي والباحث الأميركي توماس سواريز. في كتابٍ سابق، حمل عنوان "دولة الإرهاب: كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب" (صدرت ترجمته العربية عن "عالم المعرفة"، العام 2018، بتوقيع المترجم محمد عصفور)، قدّم سواريز تحليلاً شاملاً ومحكماً للعنف والإرهاب الذي استخدمته الحركة الصهيونية، وفي ما بعد دولة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، كاشفاً كيف تأسّست دولة إسرائيل الحديثة علي الإرهاب، وكيف أن الحركة الصهيونية منذ بدء فكرتها كان هدفها الأول والأخير الاستيلاء على كلّ الأراضي الفلسطينية.

في كتابه الجديد "اختطاف فلسطين: كيف أقامت الصهيونية دولة فصل عنصري من النهر إلى البحر"(*)، يعتمد توماس سواريز على سنوات من البحث العميق في أحشاء الأرشيفات البريطانية والأميركية، وغربلة سجلات غير معروفة أو كُشف عنها مؤخراً، ومن هذه المجموعة يقدّم توثيقاً واضحاً للإرهاب والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في العام 1948، مثلما يسجّل الفظائع المنهجية التي عزّزت السيطرة الصهيونية بعدما أصبحت إسرائيل دولة. ليعيد التأكيد على أن ما يحدث في فلسطين ليس صراعاً بين جماعتين عرقيتين مختلفتين، هما العرب واليهود، كما يقال في العادة، بل هو اغتصاب فلسطين بالقوة على يد الصهيونية، التي ما هي إلا حركة استيطانية أوروبية تعود أصولها إلى عهد الحركات القومية القائمة على العنصرية.

يروي سواريز هذه القصة باستخدام روايات الإرهابيين الخاصة في أوراق داخلية يتباهون فيها بنجاحاتهم، وتقارير مخابراتية سرية، ومراسلات عسكرية ودبلوماسية رُفعت عنها السرية حديثاً. وتفصّل روايته المروّعة سلسلة من الإرهاب الصهيوني ضد كل مَن وقف في طريقهم؛ الفلسطينيين الأصليين، والبريطانيين الذين ساعدوا في تأسيس الصهيونية، وحتى اليهود الذين عارضوا الأجندة الصهيونية. عبر تسليط الضوء على قصة تأسيس إسرائيل قبل العام 1948، يقدّم الكتاب تفاصيل غير مسبوقة عن طبقات الخداع والعدوان الصهيوني لتتكشّف حقيقة الاعتداءات المتكررة للعصابات الصهيونية أبعد من كونها فظائع معزولة ترتكبها جماعات مارقة، ليخلص سواريز إلى أن استخدام الإرهاب كان متعمّداً ومستمراً، وتم تنفيذه أو دعمه من قبل القادة أنفسهم الذين أسسوا وقادوا الدولة الإسرائيلية.

وهذا التاريخ ما زال سارياً، كما يثبت الكتاب، فنظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واستمرار مصادرة بلادهم، ليس نتيجة ظروف تاريخية معقدة، بل هو الهدف الوحيد المقصود للصهيونية منذ بدايتها. يوضّح سواريز أن "الدافع المعلن" للقادة الصهاينة الأوائل - حماية سلامة اليهود وكرامتهم بمواجهة كراهيتهم واضطهادهم - لم يكن أبداً "دافعهم المحرّك". ما أرادوه في حقيقة الأمر هو إنشاء "دولة استيطانية على أساسٍ عرقي، يكون اليهود المضطهدون وقودها المتجدد". وهذا، بالنسبة لقارئ عربي، أمر سهل القول والفهم على السواء، فقد لاحظ العديد من منتقدي الصهيونية، العداء الصهيوني للتنوع الغني ليهود الشتات والثقافات اليهودية الموجودة في أنحاء العالم، وحتى في فلسطين، وإدانتهم لغير الصهاينة أو المناهضين للصهيونية باعتبارهم "يهوداً يكرهون أنفسهم". لكن سواريز يتوجّه بكتابه في الأساس إلى قارئ غربي، على الأغلب، لا يملك معدة قابلة لهضم مثل هذا الافتراض/الاستنتاج، لذلك من المهم أن يدعم المؤلف استنتاجاته بأدلة دامغة تؤكّد أن "معظم ضحايا الاغتيالات الصهيونية (أي عمليات القتل المستهدف لأفراد محددين) كانوا من اليهود". وفي هذا السياق، يشير سواريز إلى التعليمات الداخلية للوكالة اليهودية في العام 1942، بأن اليهود من غير الصهاينة هم "العدو الأول". ويشير أيضاً إلى أن اليهود الذين ينشرون بلغاتٍ غير العبرية صُنّفوا كأعداء وألقيت عليهم قنابل حارقة بشكل منهجي.

تشمل الوقائع، المنظورة الأخرى التي ينسجها سواريز على مرّ السنين منذ أوائل الحرب العالمية الأولى حتى 1956 (عام العدوان الثلاثي على مصر):

- سهّلت بريطانيا جلب الصهاينة إلى فلسطين واستخدمت قوتها الإمبراطورية لمنحهم الأفضلية على الفلسطينيين، لتجد نفسها حوالى العام 1939 وقد أعاد الصهاينة توظيفها - غدراً ومكراً - في دور المضطهِد الاستعماري لليهود في فلسطين. وعلى مدى السنوات العديدة التالية، طُرد البريطانيون بسبب حملة إرهابية صهيونية أُعلن عنها للعالم على أنها "حرب استقلال" يهودية.

- تعرَّض الفلسطينيون لكميات هائلة من الخسائر والتفجيرات على أيدي الصهاينة والبريطانيين خلال فترة الانتداب. ومع ذلك، بعد انتهاء الثورة العربية في العام 1939، لم يُظهروا "أي ميل للعنف"، حسبما ذكر البريطانيون في وثائقهم.

- مجموعات من الشباب اليهود (ذكوراً وإناثاً) يخرجون في "جولات مشي" تبدو غير مؤذية، ويشقّون طريقهم عبر المناطق العربية. لكن هدفهم الحقيقي، كما أدرك البريطانيون متأخراً، كان "التجسّس على الأرض" وتصوير ورسم خرائط وتقييم نقاط الضعف العسكرية للمجتمعات العربية سراً، وغالباً ما قاموا بزيارة "مستوطنات تدريب عسكرية مخفية" على طول الطريق.

- في وقت مبكر، وقع سياسيون ومثقفون وفنانون وصحافيون أميركيون في فخّ حملات الدعاية والتأثير، المؤيدة للصهيونية، وتعبئة الرأي العام، والكثير من الأموال الحيوية لإبقاء نشاط العصابات الإرهابية الصهيونية.

- الحملة الإرهابية، المنسية الآن في أوروبا، ساعدت الصهاينة في السيطرة على اليهود النازحين خلال الحرب العالمية الثانية، ونقلهم إلى فلسطين لخدمة القضية الصهيونية. كما أدّى الإرهاب بشكل عام إلى ردع المقاومة البريطانية والأوروبية الأخرى للأجندة الصهيونية (حتى ونستون تشرشل المؤيد للصهيونية تلقّى رسالة مفخخة من عصابة "شتيرن").

- قام الصهاينة بهندسة التصويت في الأمم المتحدة على القرار رقم 181 في العام 1947 لتقسيم فلسطين، لكنهم تجاهلوا بعد ذلك قرار التقسيم تماماً للاستيلاء على المزيد من الأراضي. كما تم تجاهل القرار 194، الذي يدعو إلى السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم. ورغم ذلك، سارعت الأمم المتحدة إلى الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل.

"فلسطين المختطفة" كتاب فريد من نوعه، في الغرب على الأقل. أكثر من كونه مُقنعاً، يجب أن يكون أساسياً في فتح المزيد من الاتجاهات للبحث. متمسكاً بسردٍ زمني، ومصحوباً بتعليقات حادة ولكن منضبطة، ينزع سواريز الشرعية عن الافتراضات الأساسية المعتمد عليها لتبرير أو شرعنة احتلال إسرائيل لفلسطين. يمكن لقارئه أن يفتح أياً من صفحاته ليجد اقتباسات مقنعة لشهود عيان وصنّاع قرار رئيسيين، وهم يروون جانبهم من الحكاية المخزية لسرقة أرض فلسطين. مرجع مهم لكل مَن يريد أن يفهم تاريخ تأسيس إسرائيل بشكل كامل، وتتجلّى أهميته أكثر في ظلّ هيمنة السرديات الإسرائيلية على وعي وخيال كتل مُعتبَرة من مواطني "العالم الحرّ" المؤمنين بعنادٍ لا يتزعزع تقريباً بخير إسرائيل وضرورتها، رغم حقيقة اضطهاد الصهيونية للفلسطينيين على مدى مئة عام.
_____________

(*) "اختطاف فلسطين: كيف أقامت الصهيونية دولة فصل عنصري من النهر إلى البحر"،  أوليف برانش برس، 2023، 470 صفحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها