الأخبار المتداولة عن إحياء فعاليات الذكرى في المناطق التي يسيطر عليها عناصر محور المقاومة في سوريا، لا تدع مجالاً للشك، بأن ثمة اهتماماً رسمياً ومحلياً بالأمر. ففي جنوب دمشق، نظّم مكتب الإمام الخامنئي حفلة تأبين، أُقيمت في مصلى مقام السيدة زينب، بحضور شخصيات سياسية وعسكرية ودينية. وفي حلب، نظمت فعالية التأبين في مقام النقطة الذي يحتل مكانة خاصة لدى الشيعة. كما نظمت الفعاليات الشعبية في مدينتي نبل والزهراء في الريف الشمالي للمدينة، مجلساً تأبينياً. وللغاية ذاتها نظّم أفرادٌ من قبائل وعشائر سورية في المحافظة حفلة أقيمت في حي المرجة قرب القلعة الشهيرة.
وفي ظل ما سبق، يستحق الجمهور أن يحصل على جواب على السؤال التالي: لماذا غيبت الأخبار السورية بعض التفاصيل من سياق إطنابها بالحفلة، وتحرّجت من ذكر اسم سليماني، رغم أن صوراً كبيرة له، وضعت على جوانب المسرح؟
وبالأصل لماذا سميت الحفلة بـ"الحرية الحمراء" رغم أنه لا علاقة بين هذا التعبير وبين واقع سوريا الراهن، بل إنه يتناقض مع السياق كله، فهو مستورد من بيت شعري للشاعر أحمد شوقي يقول: "وللحريّة الحمراء بابٌ بكلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدقُّ"، من قصيدة شهيرة ألقاها أمير الشعراء، في حفلة في القاهرة العام 1926 لدعم سوريا المحتلة آنذاك من الانتداب الفرنسي، الذي قصف عاصمتها بالقنابل، رداً على توغل ثوار الغوطة وجبل العرب في أحياء المدينة، خلال أحداث الثورة السورية الكبرى.
التكهنات بالإجابة عن السؤال أعلاه، قد تذهب بعيداً، لترى بأن هناك إرادة رسمية بعدم التطابق مع الرغبات الإيرانية، في تكريس ذكرى سليماني، ضمن الأجندة المناسباتية السورية، لكن هذا التكهن قد يبدو غير منطقي، إذ كان من الممكن رفض إقامة الحفلة من الأساس!
(حي المرجة - حلب)
لكن التذكير بأن منهج نظام الأسد في المراوغة، والتعاطي مع حلفائه بوجهين، يمكن أن يؤدي إلى مثل هذه النتيجة، حيث يحاول أحدٌ في قصر الشعب أو المهاجرين، أو ربما في مكتب رئاسة الأمن القومي، التملص من الإحراج، فتصدر أوامر مستعجلة لإقامة حفلة ما، يُخترع لها اسم، ويتم حشوها بالأغاني المفبركة أو المنحولة. مثل أن تؤدي مغنية الأوبرا ليندا بيطار، بضع أغنيات وطنية لفيروز تنتمي لفضاء مختلف، لتعبئة الوقت، وكذلك أن يتطوع بعض اللبنانيين أو يُستجلبوا للمساعدة، كالشاعر نزار فرنسيس، فيكتب كلاماً مبتذلاً مكرراً لما سمّي "أوبريت" مدته 6 دقائق ويقول فيه: "تمشي القوافل للفدا بالدم ما تبخل.. قلب الشرق شام الغضب.. يوم الغضب بركان.. والنصر ع الشمس انكتب.. وترابها منصان.. دم جروح الشهدا الغالي.. لون الحرية حمرا.. وراية سورية بالعالي.. وعيون الراية خضرا"!
وكذلك المطرب معين شريف الذي جاء، إضافة لمشاركته في "الأوبريت"، بأغنيات سابقة ليؤديها، ولتنتهي القصة بالمتوافر والموجود، مع بضعة تصريحات عن التطوع للعمل من دون أجر، والتضحية من أجل المقاومة، وتبادل التقريظ والمدائح مع الشركاء السوريين كالمايسترو عدنان فتح الله، والمطرب شادي جميل، واختلاق إنجازات وأعمال وهمية كالإشراف الموسيقي الذي مُنح لطاهر ماملي، والإخراج المسرحي للأوبريت غير الموجود، والذي حصل عليه تامر العربيد، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية!
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها