السبت 2023/01/21

آخر تحديث: 13:35 (بيروت)

"غراميات" فارغاس يوسا... حين شعر أنه قطعة تزيّن الحفلات

السبت 2023/01/21
"غراميات" فارغاس يوسا... حين شعر أنه قطعة تزيّن الحفلات
ماريو عاشقاً إيزابيل
increase حجم الخط decrease
لا يتوقف الروائي البيروفي النوبلي (نال "نوبل" العام 2010)، ماريو فارغاس يوسا (1936)، عن إثارة الجدل، سواء في مواقفه السياسية أو سيرة حياته أو غرامياته أو حتى روايته أو مصادر إلهامه وكتاباته التي يعتبرها سلاحاً ضد اليأس والاستبداد... فالكاتب، الذي كان على علاقة متينة بالروائي غارسيا ماركيز، انتهت في 1976 بسبب خلاف شخصي تطور إلى توجيه الكاتب البيروفي لكمة إلى وجه ماركيز تسبب له بكدمة تحت العين اليسرى. تلك اللكمة ما زالت موضع جدل حتى الآن... 

ويوسا ابن الطفرة الروائية الأميركية اللاتينية، المدافع عن الحرية الفردية والديموقراطية في بلاده. انتقاداته وهجماته على السلطويين صنعت له أعداء بين اليساريين والمحافظين على حد سواء. ترشيحه للانتخابات برز بشكل غير متوقع العام 1987، بعد كتابته مقالاً لاذعاً ضد خطة الرئيس آلان غارسيا بتأميم البنوك الپيروفية. بعد ذلك بوقت قصير توقف يوسا عن كتابة الأدب لتأسيس "حركة الحرية". لم يشأ البيروفيون انتخابه رئيساً لهم، واختاروا بدلاً منه الياباني الأصل فوجيموري، والذي عُزل بعد ذلك لاتهامه بالفساد، وربما امتنعوا عن التصويت بالقدر الكافي ليوسا، بسبب اعتقاد البعض أن الأمر مجرد تجربة روائية جديدة، في خضم معركته مع فوجيموري.

ويوسا عُرف بتقلباته السياسية المثيرة. فقبل أن يكون ليبرالياً ونيوليبراليا وثاتشرياً (نسبة الى مارغريت ثاتشر)، كان أسير "بابا الوجودية" جان بول سارتر وعبارته "الكلمات أفعال" من جهة، وقائد الثورة الكوبية فيديل كاسترو من جهة أخرى. في 1959 أيّد يوسا بحماس طوباوية ثورة كاسترو، لكن عندما توسع نظام هذا الأخير، زاد شعور عدم الارتياح لدى يوسا. خلال رحلة إلى هافانا، عرف أن المثليين الكوبيين يسجنون مع معادين ثوريين ومجرمين عاديين في معسكرات العمل القسري. قال إنه أرسل رسالة خاصة إلى كاسترو عبّر فيها عن قلقه واندهاشه. بحلول 1971، شعر بأن هذا الاحتجاج الخاص غير كافٍ. عندما خضع الشاعر هيبيرتو پاديلا إلى محاكمة صورية استبدادية، جمع يوسا عدداً من أصدقائه في منزله في برشلونة لصياغة استنكار شعبي ضد كاسترو (نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسة رسالة موقّعة بأسماء كبار الأدبار والمفكرين، أمثال سارتر وسيمون دي بوفوار وإيتالو كالفينو وفارغاس يوسا، وآخرين ينددون بمصادرة الحريات، وممارسة القمع ضد المُبدعين الكوبيين، الأمر الذي دفع السلطات الكوبية لإخلاء سبيله في 27 أبريل/نيسان1971).


(مرشّحاً في الانتخابات الرئاسية في البيرو، 1989، المصدر: "ماغنوم")

يوسا "المسمم بالواقع، والمتيم بالتاريخ"، عجّل انفصاله عن كاسترو في إعادة تشكيل جوهري لمعتقداته السياسية. بحلول 1982 كان يتناول العشاء مع رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر، والفيلسوف الليبرالي أشعيا برلين، في منزل المؤرخ هيو توماس في لندن. في العام 1984 عندما صدرت روايته "قصة مايتا"، أثارت جدلاً، وأهم ما صوّرته تلك الرواية الشهيرة هي "ارتداد" يوسا بشكل رسمي عن الشيوعية، وتبيّن أن اليوتوبيا مجرد طريق إلى الجحيم. وعندما اعتقد الكثير أن يوسا شُفي تماماً من الكتابة الروائية وانخرط في السياسة بشكل كلي بعد الفورة الرئاسية، عاد من جديد إلى الرواية العام 1993 مع "ليتوما في جبال الأنديز" التي تناولت تجربته السياسية الفاشلة، إضافة إلى وقائع مجزرة "جبال الأنديز"1983 والتي راح ضحيتها ثمانية صحافيين...

ولئن انتهى يوسا من التنظير لليمين واليسار، فهو سرعان ما بدأ ينتقد المجتمع في كتابه "حضارة الاستعراض"، وانتقد الوضع الذي تعيشه الثقافة في عالمنا المعاصر حيث طغى النمط الاستهلاكي في الحياة على كل جوانب الحياة، ومنها الثقافة، ليجادل بالقول إننا جميعاً أعلنّا استسلامنا للحماقات التي تحصل. يتبنى يوسا اسماً لهذا العصر صاغه لنا المنظر الماركسي الفرنسي غي ديبورد في كتابه "مجتمع الفرجة". يوسا متشائم حول امكانية بقاء الأدب، وهو يعني الكتب التي ليست في المقام الأول من أجل التسلية والترفيه وتعليم الطبخ والاعتناء بالحديقة المنزلية. يقول إن الكتّاب طلّقوا فكرة إعادة النظر في قضايا المجتمع وتغييره لأنهم يؤمنون اليوم أنه من خلال "الكتابة عن الحاضر سيحصلون على أتباع كثر وشهرة وثروة ونجاح"، بمعنى أن الأدب دخل دائرة الاستهلاك وأصبح في خطر. ويلتقي يوسا في هذا المجال مع المنظّر البلغاري تزفيتان تودوروف، ومقولة "الأدب في خطر"، ولا يتوقف عند هذا الحد، فيصف قرار الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم "نوبل"، منح هذه الجائزة العريقة للمغني بوب ديلان "تعبيراً عن تزايد الاستخفاف بالثقافة في هذا العصر".


(يوسا، المصدر: ماغنوم-نيويورك تايمز)

وسرعان ما ناقض الكاتب والمفكر نفسه، وسمح بأن يكون ضمن الحماقات التي ينتقدها، إذ وقع في "حب" عارضة الأزياء إيزابيل بريسلير وهو في الثمانين من العمر، وترك زوجته لأجلها، وكان يقول إنه يخضع لجلسات التصوير بجانب إيزابيل "حباً لها"، لكنه لا يعرف طريقة للتنصل من ذلك. وبعدما كان يصف صحافة المغامرات العاطفية وأخبار المشاهير بأنها "تفتقر إلى القيم الجمالية، ويسيطر عليها كرنفال الدجالين"، صار يقول عندما بدأت علاقته مع إيزابيل: "إنها ظاهرة ثقافية في هذا العصر. ثمة ملايين من البشر يسعون وراء ما يدفعهم إلى الحلم. في الماضي هذا ما كانت توفره لهم الرواية والشعر، أما اليوم فتوفره هذه الصحافة بقدر هائل من الموهبة". في "سجل" إيزابيل، إلى جانب أناقتها المشهودة، وجمالها الهادئ سرب من العشاق الأزواج، قبل أن "تضم" يوسا إلى لائحة فتوحاتها "الغرامية" الاستعراضية، وتجسد پريسلر ثقافة المشاهير الترفيهية والتي زعم يوسا بمقتها طويلاً. إيزابيل امرأة لديها هدوء القطة وجمالها، تشجع السلع الفاخرة. يتم توثيق حياتها الاجتماعية بشكل كبير في مجلة ¡Hola! حيث كانت تعمل في يوم ما، كما هو الحال في صحف الشائعات اللذيذة.

"هناك المئات من المنشورات وبرامج الإذاعة والتلفزيون التي تغذي نوعاً من الفضول أساسه كشف الحياة الخاصة للناس"، قال يوسا لـ"نيويورك تايمز"، وأضاف: "الكثير من الناس سعداء. وعلى العكس من ذلك، هي مهنة حقيقية لإظهار خصوصيتك. إنها نوع من التعري، لا، من الحياة، الجنسية والشهوانية على وجه الخصوص. وإنها عالم يبث الرعب في نفسي حرفياً".

النافل أن يوسا قبل أن يُتمّ الثمانين، قرّر أن يصنع من حياته رواية "ماركيزية" يكون هو بطلها. فبعد عودته من نيويورك، حيث احتفل وزوجته باتريسيا يوسا وأولادهما وأحفادهما بذكرى مرور نصف قرن على زواجهما، ترك الكاتب البيروفي رسالة وجهها إلى زوجته، قبل أن يمضي في مغامرته، قال فيها: "لقد أديت ما عليّ، حان الوقت كي أكون سعيداً. لم يبق لي كثير من الوقت". سألته "نيويورك تايمز" عن الطلاق، فقال: "هذا الموضوع له علاقة بالحبّ. الحبّ على الأرجح هو أثرى تجربة يمر بها الإنسان. لا شيء يقلب حياة المرء كما يفعل الحبّ. في الوقت نفسه، الحبّ تجربة شخصية. إذا أعلنته، أصبح رخيصاً، زائفاً، مليئاً بالابتذال. لهذا السبب من الصعب جداً الكتابة عن الحبّ في الأدب. عليك أن تجد أكثر الطرق براعة حتى لا يفقد صدقه ويصبح مبتذلاً. لذا أظن أنه لا ينبغي للمرء الحديث عن الحبّ، خصوصاً إذا كان الحبّ مهماً جداً في حياته".


(مع زوجته باتريسيا، المصدر: "إل موندو")

يوسا، عضو الأكاديمية الفرنسية، الذي وصفته لجنة نوبل بأنه "راوٍ موهوب قادر على تحريك مشاعر القراء"، على أبواب التسعين... انفصل عن صديقته بحسب ما نقل الكاتب شوقي الريس... فقد كتب يوسا قبل سنتين قصة بعنوان "الرياح" تبدأ بالمقطع الآتي: "أكاد لا أصدّق ما ينتابني من مشاعر كل ليلة منذ أن هجرت زوجتي. أفكر فيها، وأغرق في متاهة الندم. أعتقد أني ارتكبت شراً واحداً في حياتي، وهو أني هجرت كارمنسيتا لأذهب مع امرأة لم تكن تستحق ذلك... أفكر فيها كل ليلة وأتوسل منها الصفح عما فعلت". يروي يوسا حكاية رجل في خريف عمره، يتملكه شعور بالخيبة والندم لهجرته زوجته، والارتماء في أحضان امرأة أخرى. ويتابع يوسا على لسان بطل القصة قائلاً: "لم أعد أذكر اسم تلك التي لأجلها هجرت كارمنسيتا".

الخبر الأول عن نهاية العلاقة صدر عن إيزابيل في تصريح إلى مجلة "Hola" التي تصدرت غلافها عشرات المرات، حيث قالت: "أنا وماريو قررنا إنهاء علاقتنا بشكل نهائي، ولا أريد الإدلاء بأي تصريح آخر". في المحيط الضيق حول يوسا كانوا يرددون منذ فترة أنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين متناقضين تفصل بينهما هوة سحيقة وأنماط تفكير: هو مهتم بالثقافة والرصانة، وهي مهتمة بالاستعراض والفرجة. ويقول متابعون إن صاحب "حفلة التيس" كان يشعر منذ فترة بأن صورته تحوّلت ديكوراً لتزيين الحفلات واللقاءات الاجتماعية التي تنظمها إيزابيل أو تدعى إليها. وعلى مبدأ "كوني جميلة واصمتي"، كان يوسا عاشقا وصامتاً، بل مشجعاً لأمور يمقتها. فهل تغفر له زوجته السابقة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها