الثلاثاء 2022/08/02

آخر تحديث: 14:10 (بيروت)

قراءات الصيف... هل تكون الكتب مثل الثياب؟

الثلاثاء 2022/08/02
قراءات الصيف... هل تكون الكتب مثل الثياب؟
increase حجم الخط decrease
نشرت صحيفة "الغارديان"، وصحف إنكليزية أخرى، لوائح بأسماء كتب، أدبية وغير أدبية، لفصل الصيف. وكانت للروايات، كالعادة، اليد العليا.  الروايات التي تناسب فصل الصيف؟ لكن كيف تم، ويتم، اختيار هذه النصوص؟ لماذا هذه الروايات بالذات؟ وماذا لو أننا قرأناها في الشتاء؟ هل سيصعب علينا فهمها وتذوقها والاستمتاع بها؟ هل هناك علامات وخصائص، تتوافر في هذه النصوص فتجعلها مهيأة للقراءة في الصيف؟ أم أن الأمر مجرد شطح اعتباطي لا علاقة له بما يشير إليه.

الحال أن هذا الابتكار الفريد يذكّر، في جانب كبير منه، بمحلات الملابس التي تعلن وصول موديلات التشكيلة الصيفية. تختفي المعاطف والكنزات الصوفية والأحذية الثقيلة، وتحل محلها قمصان خفيفة، نصف كُمّ، وبناطيل قصيرة، شورتات، ومشايات، وتختلط الدعوة باقتناء هذه التشكيلة بالحديث عن البحر والسير على الشاطىء، والركض في الهواء الطلق.
هناك، أيضاً، موديلات تناسب الربيع، حيث الزهور وزقزقة العصافير أو الخريف، حين تتساقط أوراق الشجر.

لكن كيف يمكن للكتب أن تتأثر بتبدلات الطقس واختلاف الفصول؟  فإن كانت الملابس تتبدل في أقمشتها وأنسجتها وتصاميها، فأي ميزان أدبي يزن الكتب من حيث ملاءمتها للصيف أو الشتاء؟ بأي ذهن أدبي يجري مثل هذا الفرز؟ هو بالأحرى مسعى تجاري بحت، تفتقت عنه عقلية الربح السريع، الآني: استغلال الظرف المناسب في الوقت المناسب. تصنيف ربحي يدرج الكتب في خانة السلع التي يتحتم علينا الإقبال عليها وشرائها لنكون مواكبين للموضة وروح الزمن. عقل تسويقي يبحث عن أفضل السبل لتمرير البضاعة في الموسم المختار قبل أن تبور ويصيبها الكساد في المخازن.

الرواية هنا مادة مصنوعة، أي سلعة، تغري نهم الشراء لدى الزبون (القارىء)، مثلها مثل الشوكوكلاته أو الكوكا كولا أو شفرات الحلاقة، التي تتفنّن شركة "جيليت" في تسويق موديلات جديدة منها بين الفترة والأخرى. ولا بأس أن يقوم الكاتب نفسه بحمل مادته، سلعته، والدعاية لها، فيظهر في المقابلات التلفزيونية، وقد تكوّمت أمامه نسخ كثيرة من كتابه، على شكل معلبات، وهُيئت صورة كبيرة ملونة له، توضع أمام المحل، المكتبة، وعلى وجهه ابتسامة عريضة، مثل ممثل تلفزيوني يقوم بالدعاية لمعجون الأسنان.

صحيفة "الغارديان" أعدّت، في الواقع، تقريرين منفصلين نشرتهما في العدد نفسه. الأول استجواب لروائيين وروائيات عن النصوص التي يقترحونها ككتب للقراءة في هذا الصيف. والثاني لائحة طويلة تضم خمسين كتاباً، أعدها جوستين جوردان، المحرر الأدبي في الصحيفة، وديفيد شريعتمداري، محرر النصوص غير الروائية، وإميوجين ويليامز محررة كتب الأطفال.
برناردين ايفاريستو، التي فازت بجائزة "مان بوكر" عن روايتها "فتاة، امرأة، أخرى"، تقترح ديواناً للشعراء السود في بريطانيا. 
هيلاري مانتل، التي برز نجمها بروايتها الشهيرة "كل يوم هو عيد الأم"، تصنع دعاية للروائي الشاب ستيفن ماين وروايته "بعنا الجبل"، التي تتناول حياة جوزيف ستالين.
آلي سميث، الكاتبة الأسكتلندية، تروج لرواية صديقتها كاميلا شمسي. الطريف أن الرواية لم تصدر بعد. ستصدر في الخريف، كما تخبرنا (هي رواية للخريف إذن وليست رواية صيف)، ولهذا بدلاً من الحديث عن الرواية، التي لم تصدر، تطنب في مديح فائض عن الحاجة لصديقتها الباكستانية، البريطانية.
جوناثان فرانزن، صاحب رواية الحرية، يتحدث عن كتاب قرأه العام الماضي (لا نعلم متى قرأه، في الشتاء أم في الصيف) وهو مجموعة مقالات وقصص قصيرة، للكاتبة الأميركية جو آن بيرد.
أوليفيا لينغ، تقول: "لا تتردد في اقتناء رواية -أشخاص سيئون- عن علاقة مثلية".
الروائي الهندي بنج ميشرا، يقوم بالدعاية للروائية الهندية أرونداتي روي (الدم لا يصير ماء، كما نعلم).
كولم تويبين، الروائي الإيرلندي الشهير، صاحب "وصية مريم"، يتحدث عن ديوان للشاعرة الأميركية، البالغة السبعين من العمر ماري رومل.
الباكستاني محمد حنيف يقترح "أيام الماعز" للهندي، الملالايمي، بنيامين، وهو اسم مستعار. سيرة ذاتية عن تجربته المريرة في السعودية حين أتى إليها للعمل فوقع في ما يشبه الجحيم. 
روبرت ماكفارلين يثير انتباهنا إلى نص عن "المشي مع الأشجار" تمشي فيه الجاسوسية يداً بيد مع الهوس بالنبات والزهور والحفاظ على البيئة.
الباكستانية فاطمة بوتو تقترح ديوان شعر لفرانك أوهارا الذي توفي العام 1966.
أما اللائحة التي تقترحها الصحيفة نفسها، بهمة محرريها الثلاثة، فهي بعنوان:
Summer Reading: The 50 Hottest New Books for a Great Escape: "قراءات الصيف: الكتب الخمسون الأكثر سخونة (سخونة المتعة تواكب الطقس)، لإجازة رائعة".
 رواية "الإستعراضي" لشارلوت مندلسون، يتم إخبارنا بأنها فازت بجائزة المرأة (هذه أول مرة أسمع بهذه الجائزة. ربما قريباً نسمع عن جائزة الرجل). 
رواية "مجد" للكاتبة الزمبابوية نوفوليت بولاوايو، عن سقوط الدكتاتور روبرت موغابي.
مونيكا علي، صاحبة الرواية الشهيرة "جادة بريك"، أصدرت هذا العام روايتها الجديدة "زواج حب" (أخوض في قراءتها الآن، ولكن من دون أي تفكير بالصيف).
أوصمان يوسف زاده، الأفغاني، البريطاني، يروي سيرته، هو الذي نشأ وسط الجالية المسلمة في بيرمنغهام ليصبح مصمم أزياء بيونسيه وليدي غاغا.
"أيها العالم الجميل، أي أنت؟"، رواية الإيرلندية سالي روني عن "الحب، الجنس، الشهرة، القلق".

هذه بعض العناوين من لائحة طويلة تضم روايات ودواوين شعر وكتب سيرة ومقالات ودراسات وكتب أطفال. 
وما الذي يمكننا ملاحظته إن نحن أمعنّا التدقيق في هذه النصوص؟
أنها، جميعاً، لكتاب من ذوي الميول اليسارية، الليبرالية، ممن تكرسهم الصحف اليسارية، على غرار "الغارديان"، أي الكتاب الذين تدفعهم المؤسسة إلى الواجهة.

ليس هناك عنوان واحد، أكان رواية أو شعراً أو نصاً غير أدبي، لكاتب خارج التصنيف الليبرالي، أي ممن يوصمون باليمين أو من المعارضين للسرديات الرائجة في الخطاب الذي يكرسه ما يسمى "الصواب السياسي". يُهمَل ويُرمى في النسيان كل ما هو خارج جنة عدن... الصيفية، حيث الماء الزلال والفاكهة الطيبة... والتي تنصَبُّ على المواضيع التي تشكل "لبّ" الإنشغال الليبرالي الآن: الملوّنون، الهوية، المثلية، البيئة. وهذه، وغيرها، مواضيع تشغل الأذهان في كل الفصول، وليس في الصيف وحده.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها