الخميس 2022/07/07

آخر تحديث: 12:55 (بيروت)

هدى قساطلي... الجمال القتيل بين حلب وبيروت

الخميس 2022/07/07
increase حجم الخط decrease
تنظم غاليري أليس مغبغب، معرضاً للفنانة هدى قساطلي في إيطاليا، من قسمين، القسم الأول 11 صورة، بدأ عرضها في 25 حزيران في مؤسسة سانت إيليا في مدينة باليرمو، كانت هدى قساطلي صورتها في العام 2018 بطلب من اليونيسكو، عن مدينة حلب الأثرية المتنوعة وصاحبة قرون من التاريخ، لكن شهوراً من الحرب كانتْ كافية لتدمير عظَمة البناء والتاريخ والتراث والحيوات...

وقساطلي، المولودة في بيروت مدينة والدها، مسكونة بحلب مدينة والدتها، "تكرّم في صورها المهندسين أو الأشخاص الذين بنوا المدينة وشيّدوا عماراتها ولغة حياتها"، على ما تقول أليس مغبغب لـ"المدن"، وتستعيد خطوات عائلتها في المدينة، تتجوّل في أحيائها تتأمل الأفاريز، تنتبه إلى أن أقواس الأبواب المصنوعة من الدانتيل الحجري ما زالت تشهد على صقل الماضي الكبير، لكن البيوت أصبحت بعد الحرب مفتوحة للرياح والأشباح... هذا إلى جانب أن قساطلي صورت فيلماً بعنوان Revoir le Bimaristan Argun، عن مستشفى أثري، بيمارستان أرغون، يعود إلى القرن الرابع عشر...

في 26 حزيران، افتتح معرض صور فوتوغرافي في جيبلينا الصقلية (100 كيلومتر من باليرمو)، وهي مدينة صغير، وفيها مؤسسة اورستيادي، وشهدت هزة أرضية دمرتها العام 1968. يقدم المعرض 44 صورة فوتوغرافية من 1990 إلى 2022، التاريخ الحديث للعاصمة اللبنانية، من نهاية الحرب الأهلية إلى اليوم التالي لانفجار 4 آب/ أغسطس 2020. حين اتصلت إدارة اورستيادي بأليس مغبغب، منظمة معرض هدى قساطلي، وجدتْ نفسها متحمّسة للتعاون، فالمدينة المذكورة دُمّرت بظروف العوامل الطبيعية، وبقي سكانها نحو 20 عاماً تحت الخيم في انتظار بناء مدينة جديدة، على جبل فوق البحر. رئيس بلديتها شجع المهندسين المعماريين والفنانين على إعادة اعمارها وبناء متحف للفن المعاصر، أما صور هدى قساطلي فهي عن بيروت، المدينة التي لم تدمرها عوامل الطبيعة أو البراكين، بل الجشع البشري. فبيروت دمرت ليس فقط في انفجار 4 آب/اغسطس، وليس فقط في الحرب الأهلية (1975- 1990)، ويظهر المعرض كيف ساهم المواطن في تدمير المدينة في زمن السِّلم...

فهدى قساطلي التي نشأت في مكان قريب من الخط الفاصل بين "شطري" بيروت الشرقية والغربية، تسلحت بكاميرا ومجموعة من العدسات، الطويلة والقصيرة، وتعهدت بعد الحرب، بين العامين 1990 و1992 تصوير البيوت اللبنانية القديمة في نواحي المدينة وأحيائها. لم يكن الهدف وثائقياً، بل نوعاً من حب الذاكرة والأثر وجاذبية لا تقاوم لجمال هذه المباني الأرستقراطية أو البرجوازية أو الشعبية. "الجمال الذي دمرته الحرب أو الزمن، أو الإهمال"، بحسب الناقد جوزف طراب، من أناس ليسوا على دراية بالجوانب التاريخية والمعمارية والاجتماعية والثقافية والإنسانية الخاصة بهم. من أناس أصابهم الهوس بالقيمة التجارية للأشياء، وبإزاء هذا تحولت صور قساطلي نوعاً من وثيقة أنتروبولوجية وثقافية تدين الفاعلين...


صُور هدى قساطلي، تبين كيف تعامل جزء كبير من اللبنانيين بجشع مع أيقوناتهم المعمارية وتراثهم الثقافي. ففي زمن رفع شعارات بيروت "مدينة عريقة للمستقبل"، على وقع الحملات الإعلامية المبهرة، فيظهر قلب المدينة بميادينها وشوارعها ومحلاتها ومكاتبها، تحت الأضواء المتلألئة لمصابيح الشوارع الجديدة، ويهتم كثرُ من اللبنانيين بهذا المشهد، لكنهم في الوقت نفسه يهملون مبانيهم التراثية القديمة في زقاق البلاط والصنائع والحمرا والبسطة، يهجرونها عن قصد، يتأملون كيف تغزوها الطبيعة وتصبح ملاذاً لأشجار اللبلاب والحشائش والطيور، وبالتالي حدائق برية. وهذا المشهد يكون مقدمة لتصدّع المبنى وهدمه في ظلمات الليل، أو تحوله سلعة مبتذلة من سلع المضاربات العقارية والمالية والسماسرة، على مرأى ومسمع من وزارة الثقافة المترهلة أو النائمة، والخاضعة لمزاج وسياسيات ورتابة تشبه الدولة كلها. وعلى هذا تعلّق هدى قساطلي: "إن اختفاء النسيج العمراني القديم حقيقة واقعة وليس حقيقة مفترضة. إنه لمن الوهم الآن أن نعتقد أنه يمكن إيقاف عجلة الحداثة ومطوري العقارات. يمكننا في أقصى تقدير تعليق عملية التدمير أو الحفاظ على عدد قليل من الجزر التراثية لمعمار قديم"..

أضواء وألوان
ومع صور الأبواب والنوافذ والأقواس والقناطر التي التقطت قبل أو بعد انفجار مرفأ بيروت، تلتقط قساطلي العناصر المعمارية الزخرفية والملونة. بمرور ضوء النهار، ترسل هذه الأبواب والنوافذ والأروقة، انعكاسات ملونة متلألئة، ما يضخم الحياة اليومية للسكان، ويكرس ارتباطهم بالتراث المدمر. كان لافتاً أن جزءاً من السكان، خلال عملية الترميم، سعى إلى استعادة الزجاج الملون، مع احترام كبير للتقاليد، وربما "كعلامة أمل في المستقبل"، بحسب بيان غاليري أليس مغبغب...

وهدى قساطلي، مصوّرة وباحثة لبنانيّة، تستهويها ذاكرة المكان والإرث الثقافي والمعماري الذي انمحى جزء كبير منه على مدى السنوات الخمسين الماضية في لبنان. بدأت التصوير في ثمانينيّات القرن العشرين، من باب الهواية، وتدرّجت إلى الإحتراف ولغة الانتربولوجيا، وحتى الآن ترفض الفوتوشوب. تعاونت في سنوات إنتاجها مع صحافيّين وباحثين وفنّانين بارزين، ساهموا في مشاريعها التي تُعنى بفنّ العمارة والميراث والحفاظ على روح المدينة المندثرة. وركّزت قساطلي في أعمالها على المدينة، من بيت الدين إلى طرابلس والمنازل المقببة في حماة القديمة، الى البيوت الترابية في البقاع، وتعابير الشاحنات والسيارات، ويبقى اهتمامها الأكبر بيروت وقناطرها وألوان زجاجها. ولها مجموعة من المؤلفات...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها