الثلاثاء 2022/06/07

آخر تحديث: 12:33 (بيروت)

بورتريهات سيئة تغوي المدينة التي لا تنام

الثلاثاء 2022/06/07
increase حجم الخط decrease
في أيلول/سبتمبر 2020، توجّه الشاب الأميركي ريكي براون، إلى نافورة حديقة واشنطن سكوير الشهيرة في نيويورك، حاملاً لافتة كتب فيها بأحرف عريضة: "بورتريهات سيئة حقاً". كان قد سأم محاولاته المُتكررة في النجاح في عالم المونولوج الكوميدي في مسارح مختلف الولايات الأميركيّة، وفي لحظة انخطاف عابرة قرر أن يُغيّر حياته ويرسم بورتريهات سيئة للغاية لزوّار الحديقة مقابل 5 دولارات.

لم يكن لديه أي شيء يخسره، لا سيما أن جائحة القرن كانت قد بدّلت مسار الكون بأسره، وكان عليه أن يجد وسيلة أو أخرى ليجني من خلالها المال. قرر أن يرسم مع أنه يصف نفسه بأسوأ فنان في نيويورك. وبما أن المكوث في المنزل لأشهر طويلة بفعل "كوفيد19" وضعه وجهاً لوجه مع نفسه، يروي لـ"المدن" هوسه في رسم جسده بطريقة واقعيّة، وكرّس الساعات الطويلة التي أمضاها بين الجدران لصقل مهاراته في الرسم.

"وفي حين تمكّنت من نسخ بعض أجزاء من جسدي، فشلت فشلاً ذريعاً في رسم وجهي وفي نقله بطريقة واقعية إلى الورقة. وذات يوم من أيلول تلك السنة، وبدافع الإحباط، وبعدما وجدتُ نفسي بلا وظيفة ثابتة، إبتدعتُ فكرة لم أعرف سلفاً بأنها ستنقلني إلى مرحلة جديدة في حياتي". كان ريكي براون يُحاول أن يتسلى ويملأ الفراغ بعمل يُبعد عنه شرّ الملل والبطالة، فحمل خوفه من المجهول خلف ابتسامته المُسترخية وإتجه إلى حديقة واشنطن سكوير. وكم كانت دهشته كبيرة عندما اقترب منه المبارز الأولمبي ذائع الصيت، رايس إمبودين، وقرر أن يُعطي هذا الشاب الغريب الأطوار الذي يتباهى بفشله الذريع في الرسم، فرصته الأولى. وفي ذلك الصباح النيويوركي شبه البارد، حصل ريكي براون على 5 دولارات مقابل رسمته التي لا علاقة لها بالفن. التقط للمبارز الشهير صورة وهو يحمل رسمته التي لا تُشبهه إطلاقاً، نشرها في حسابه في "إنستغرام"، فانطلقت في تلك اللحظة حركة فنيّة لم تكن على البال أو على الخاطر، وها هم السيّاح، وإبناء مدينة الأوهام الجميلة، يتوافدون إلى النافورة في حديقة واشنطن سكوير بشكل منتظم ليحصلوا على بورتريهات لا تُشبههم، وليستمعوا إلى ريكي براون وهو يروي لهم نوادر مُضحكة ربما لم تؤمّن له النجاح الكبير على خشبة المسارح، بيد أنها كانت كافية لتكسر الجليد بينه وبين هؤلاء الذين يجدون في هذا الشاب الذي لا يقف على مسافة مع الآخرين ما يُشبه نسمة هواء مُنعشة  تُلوّن أيامهم.

وأحياناً، عندما يتردد البعض في وضع أنفسهم في تصرّف هذا الشاب المُسترخي بثقة مُزعجة، "أغريهم هاتفاً: أعدكم بأن البورتريه سيكون أسوأ ما شاهدته عيونكم. وعملي يزدهر يوماً فآخر". وباتت مسألة طبيعيّة أن يُعلّق المارة بعد إنسيابهم في رواق هذا الجنون الفني المرح: "أنت عبقري! أنت أسوأ فنان وهذا إطراء كبير!".

ويستعد ريكي براون لإفتتاح فسحة مُخصصة للرسم الحرّ، بحيث يسمح للزائر بأن ينقل جنونه الفني أينما شاء، على الجدران أو على الأرض. "أريد أن يشعر الزائر بأن الجنون مسألة عادية وأحلم بموسيقى تصدح عالياً للتحرر من العالم الخارجي"...ولكي يتأكد المارة بأن ريكي لا يركّز على الشق التجاري فحسب، بل هو يراهم فعلاً ويفهم شخصياتهم بكل تعقيداتها، غالباً ما يُرفق الصور التي ينشرها لهم في "إنستغرام"، بصفات تشي بأن خلف الإبتسامة المُسترخية والبرودة المُضحكة، حساسيّة مُفرطة وشاب يتوسّل الفرح والمرح ليجعل الحياة أكثر زهواً.

ولأن نجاحه يكبر يوماً فآخر، يطل ريكي براون في سوق "غراند بازار الأسبوعيّة" التي تفتح أبوابها يوم الأحد، وفيها عشرات الأكشاك التي تُعطي للحرفيين المحليين فرصة الإطلالة وعرض إبتكاراتهم على إختلافها. كما يعرض رسومه غير التقليديّة والمُضحكة في الباحة الخارجيّة لمتحف "ميتروبوليتان" العريق (The Met).

ولأن نجاحه غير المنتظر في العامين الأخيرين، عزّز ثقته بنفسه، قرر ريكي أن يأخذ موهبته الفنية بضع خطوات إلى الأمام، وهو اليوم يعرض لوحات تجريدية بالإضافة إلى هذه البورتريهات التي تسرق الإبتسامات الصادقة من مارّة ملّ بعضهم تهذيب الواقع ولونه الباهت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها