الأحد 2022/05/22

آخر تحديث: 13:12 (بيروت)

نواب لبنان... سمك لبن تمر هندي

الأحد 2022/05/22
نواب لبنان... سمك لبن تمر هندي
الانتخابات النيابية بيروت(علي علوش)
increase حجم الخط decrease
عادة ما يقال المثل الشعبي "سمك لبن تمر هندي" للدلالة على عدم التناسق والعشوائية، بل إن بعض الثقاقات تشير إلى أن تناول السمك واللبن سويًا قد يسبب أضراراً صحية تصل للتسمم، أو تصبغات في الجلد. وبغض النظر عن هذه المقولات وصحتها، يمكن وصف الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، بأنها "سمك لبن..."، وهي تمّت على أساس القانون النسبيّ والصوت التفضيلي، الذي نسج من أجل تشرشل السياسة اللبنانية جبران باسيل، ومن أجل إعادة بعض "التوازن" في التمثيل الطائفي بين المسلمين والمسيحيين...

ومن خلال قراءة نتائج الانتخابات ووجوهها ومعطياتها، يمكن استخلاص جوانب عن بؤسها، فما يسمى "الصوت التفضيلي" فعل فعله المشين والمقرف والنافر في العملية الانتخابية، وبات أقرب إلى دسّ السمّ في العسل، يقيّد لعبة الديموقراطية ويتسلّط على خيارات الناس وتوجهاتهم ورؤيتهم... فالمواطن من خلال الانتخاب والتصويت، يكون مجبراً، من حيث لا يدري ومن حيث لا مهرب ولا مفرّ، على إيصال أشخاص لا يستسيغهم ولا يحبّهم ولا يؤيدهم... ينتخب الشيء ونقيضه، من خلال قانون يجمع الأضداد في سلّة واحدة، ولاجل أن يصل المرشّح لا يتردد في التحالف مع قاتله وعدوه... وأحياناً يتحوّل جمع من الناس أو الناخبين، مجرد رافعة لمرشّح، هو في الأساس لا يمثّلهم، ولا يترشّح باسمهم...

لم يعد خافياً على أحد، أن ابتكار الصوت التفضيلي يزيد من الزبائنية الوقحة والملعنة والفجة، بل يزيد من رواج المال الانتخابي تحت غطاء ما يسمى المندوبين، بل إن الصوت التفضيلي يحوّل الناخبين في ذهنية بعض الأحزاب، الى مستودع أو خزان أصوات تدار بكبسة زر أو اتصال أو تعليمة... والحق أنه حين يتأمل المرء كيف نال النائب جميل السيد الرقم الأعلى لناحية الصوت التفضيلي في انتخابات بعلبك الهرمل العالم 2018، وفي انتخابات 2022 أصبح "الطش" بين الشيعة، وحين يتأمل أن النائب حسين الحاج حسن، كان في مؤخر النواب  لناحية الصوت التفضيلي العام 2018 صار في مقدمهم في هذه الانتخابات، يدرك أن التصويت وتجيير الأصوات ليس خيار الناس، بل قرار حزبي تقني، أو سمك لبن تمر هندي...


وحين يتأمل المرء النواب الجدد الذين انضموا إلى كتلة "حزب الله"، اثنين من المقاتلين الذين يمجدون السيف والمعارك و(الآخر استاذ ثانوي)، ينتبه جيداً أن الحزب لا يفكّر في التشريع في المجلس النواب، بل يغلّب على خياراته العقل الأمني، ولا يريد مشرّعين بل مجرد عدد من النواب يستحوذ عليهم. بالطبع مسألة العدد تبدو كارثية في الحياة السياسية اللبنانية، فعدا عن عراضات الصوت التفضيلي في خطب السياسيين، ومن يملك "الأكثرية الشعبية"و"الأكثرية النيابية"، هناك عراضات بعض الزعماء المسيحيين ومن جمّع أكبر عدد من النواب، إذ بقينا أمام أسطوانة القوي والاقوى، و"الجمهورية القوية" و"لبنان القوي". (هنا نستطرد لنقول بأن الصحافي جورج نقّاش حين كتب مقاله "نفيان لا يصنعان أمّة" في العاشر من آذار 1949 نعى فيه لبنان بمسلميه ومسيحييه الذين لم يتمكنوا من الإتّفاق يوما على مفهوم للوطن الواحد. مقولة النفيين أيضاً تنطبق على "القوتين" العونية والقواتية، بل تنطبق على الدولة والدويلة – حزب الله، بمعنى آخر إننا أمام بيت بسلبيات كثيرة، وليس بسلبيتين فحسب)...
 بالعودة إلى قانون الانتخاب، نقول إنه حين يرث الشاب ميشال المر "إرث" جده الانتخابي الزبائني في المتن الشمالي، ندرك أن الزبائنية لا تزال في ذروتها، ولا يختلف الأمر مع الوزير الياس أبو صعب أو فريد الخازن، أو حتى ميشال ضاهر ونعمت فرام والأحباش ووليد جنبلاط ووليد البعريني والقوات اللبنانية.
وحين يتأمل المرء أن الانتخابات النيابية أنتجت ثلاثة نواب (جبران باسيل، سيزار أبي خليل، ندى بستاني)، كانوا تعاقبوا على تولي وزارة الطاقة والمياه، وأدخلوا لبنان في العتمة الشاملة، يدرك جيداً أن الناخب لا يحاسب فعلاً، أو أن الناخب الحزبي العوني والباسيلي، يبقى حزبياً في السراء والضراء مع قادته، على مبدأ "كنا نريد كهرباء، لكن ما خلونا"، هذا عدا عن أن توزيع المازوت الشتوي في كسروان واطعام البطون فعل فعله في الانتخابات...

وحين يتأمل المواطن كيف كانت تدار المكينات الانتخابية في البقاع الغربي وبيروت وأماكن أخرى، يعي أن النكاية والكيدية كانت سائدة، وأن بعض المرشحين الثوريين، صوّت لهم جمهور ما يسمى "المنظومة"، ليس حباً بهم بل بهدف اسقاط غيرهم من باب الكيدية السياسية. 

الجانب الإيجابي في الانتخابات أنها كسرت النمطية السائدة في الانتخابات التي اعتدناها وعادة تجعلنا نتوقع نتائجها مسبقا، أقصت هذه الانتخابات بعض الوجوه التي لا عمل لها في المجلس النيابي، ولم تكن أكثر من مجرد وجوه ميليشاوية وصنمية تسلطية كالحة، وعسى أن تكون هذه الخطوة مقدمة لاخراج مجلس النواب من لعبة رؤساء الكتل الكبار الذين يحتكرون التمثيل السياسي ويجعلون النواب مجرد "عدد طائفي" أو مزهريات على طاولات المجلس، عملها يتراوح بين كومبارس تصفيق ورفع الأيدي، أو ترداد ما يقوله المحتكر أو صاحب الامتياز النيابي الطائفي والحزبي، وخصوصاً لدى الثنائي الشيعي أو الوطني أو الطائفي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها