السبت 2022/05/21

آخر تحديث: 12:34 (بيروت)

نضال الأشقر والدَّوس على مآسي السوريين

السبت 2022/05/21
increase حجم الخط decrease
تستطيع الممثلة اللبنانية نضال الأشقر أن تجيب على سؤال قد يطرحه صحافي أو ناقد مهتم، عن سبب زيارتها لدمشق قبل أيام، بالقول إن الشوق للشام قد غمرها! أو أن الفضول لمعرفة أحوال الأمكنة والناس قد قادها! 
 
وربما تحكي سبباً غير متوقع، لكنها، بكل الأحوال، لن تستطيع إقناعه بأن دعوةً من وزارة الثقافة والمعهد العالي للفنون المسرحية، لتكريمها، لا يمكن مقاومتها، وأنها كانت تحتاج لمثل هذا الاحتفاء، كي تشعر بالطمأنينة حيال ماضيها الفني!

لكن، بعيداً من الهزال الذي ظهر في الصور ومقاطع الفيديو التي صوّرت الزيارة، إن كان لجهة المستضيفين ومن تم جَلبه للقائها أو الفعالية ذاتها، لا يمكن تجاهل السؤال المهم عن سبب الزيارة. وذلك بالنسبة لجزء كبير من السوريين، الذين لم يحلّوا في دمشق منذ عقد من السنين، وليسوا فقط بعيدين من مبنى المعهد في ساحة الأمويين، بل بعيدين من بيوتهم، ومن الطرق التي مشوا فيها طفولتهم وشبابهم ورجولتهم وكهولتهم، وأيضاً بعيدين من مسارح المدينة كالقباني والحمرا، وصولاً إلى دار الأوبرا، ومسرح سعدالله ونوس الذي تكرر اسمه في أخبار الزيارة، وبما يوحي للقارئ الجاهل بأن الرجل قد عاد من قرية حصين البحر حيث دفن منذ 25 سنة، ليستقبل نضال، ويشرب معها فنجان قهوة على ضفة بردى!


هل لدى السيدة نضال جواب مقنع عن سؤال جارح كهذا؟..
لماذا يذهب مسرحي قضى عمره في التأكيد على ارتباط الإبداع والفن بالحرية والديموقراطية، إلى حيث تم دفن أي قيمة إنسانية للمسرحيين وللمثقفين وللبشر؟

تسلل
يأتي بعض المثقفين العرب إلى دمشق، لأسباب خاصة. يتسللون بصمت، وربما تحت ستار العتمة، كي لا يصيبوا أصدقاءهم المنفيين المُطارَدين والملاحَقين بالأذى النفسي، ولكي لا يباغت الصديقُ السوري خُلَّهُ العربي بالقول؛ يا صاح أنت تزور بيتي في غيابي، وأنت تعبث بأغراضي وأوراقي! 

وهم يأتون إلى دمشق بلا جَلَبة أيضاً، كي لا تُحسب الزيارة عليهم كموقف داعم للنظام، فيتم توريطهم في مقابلة صحافية غبية، أو لقاء رسمي في مكتب ما، ترتفع فيه فوق الجميع صورة رأس النظام، الذي لم يعد يزور مؤسساته إلا من يشبهونه!

بالتأكيد لم تذهب صاحبة "مسرح المدينة" الشهير إلى الشام، لكي تتعلم كيف تدار المؤسسات الثقافية، وفق المذهب الأسدي، حيث لا قيمة تعلو فوق تقديس السلطة والولاء، ولا شيء أفضل من تفريغ المعاهد الثقافية من القيم العلمية، لتحل محلها بلاهة التصفيق والاحتفاء بالنجومية، لا لأهمية النجم ذاته، بل لإقناع ذوات القائمين عليه البائسة بأنها مهمة أيضاً، وأن مرور عشر سنوات من الفراغ لا يؤثر فيها. فأصحابها المنتمون إلى عظم النظام ودمه وخلاياه، يظنون أنهم يستطيعون، بالتوازي مع انتصار جيشه على "الإرهابيين"، أن ينتصروا بطريقتهم على الفراغ، عبر استدعاء الطبل والزمر، ليرحبوا بضيوفٍ يقبلون بأن يكونوا شهود زور على المرحلة. فإذا كان الضمير العام يستصعب أصلاً رؤية سوري مجبرٍ على مسايرة هؤلاء، حتى وإن وجد له ألف عذر، كيف سيهضم وجود آخرين؟!

هل ذهبت نضال الأشقر إلى دمشق لتلقي الدروس على طلاب التمثيل، وتحدثهم عما في جعبتها من الأفكار، من مثل ضرورة فصل الدين عن الدولة، كما قالت في لقاء عبر "إذاعة شام" الموالية؟!

جسر الرئيس
أم أنها ذهبت لتبحث عن ثيمة مسرحية أو قصة إنسانية تصنع منها عملاً جديداً؟ 
هل خلت بيروت في زمنها الكارثي هذا من حكايات عن اللبنانيين البؤساء؟ ألم تكتشف بعد كل السنوات السابقة من وجود اللاجئين السوريين، قهراً يستحق أن تُصنع عنه آلاف المسرحيات؟
لو بكّرت نضال قليلاً في زيارتها، وخرجت من بوابة المعهد، إلى نهاية شارع شكري القوتلي حيث يتقاطع مع جسر الرئيس، لرأت ذروة مأساة إنسانية، لن تستطيع، حتى إن وضعت تحت تصرفها كل إمكانات الكَون، أن تصنع مثلها... حيث "مش من زمان"، باتَ آلاف الرجال والنساء والأطفال، لياليَ، ينتظرون حافلات قيل لهم أنها ستحمل أولادهم المعتقلين بعدما غيّبهم الأسد في سجونه! 

للأسف، راح عليها المشهد. لعلها تشاهد في الانترنت بعضاً مما فاتها، لترى نتفاً من مآسي السوريين، لعلها تستفيد: القليل من موت مرعب على أيدي القتلة في حفرة في التضامن! ومَشاهد مبتكرة في فنون قتل السوريين لا يمكن وصف محتواها لشدة قسوته، باتت متاحة ومتوافرة بكثرة هذه الأيام! وإذا كانت لا تقوى على ذلك، فهل تستطيع النظر في عيني الممثل المعتقل منذ عشر سنوات، زكي كورديللو، المفتوحتين في صوره على مصيره المجهول، مع ابنه مهيار، وعادل برازي، وإسماعيل حمودة؟! هل أخبرها مُضيفوها عن الآخرين، من مسرحيين وكتّاب وصحافيين، وقد اختفوا، وصاروا مجرد كلمة "متوفى" مضافة لإخراج القيد في السجل المدني؟!

لا نريد تذكير السيدة نضال الأشقر بأقوال لها، من مثل أن "المسرح العربي في النصف قرن الأخير يعتبر ضحية للأنظمة الاستبدادية، التي كانت تحكم للأسف الشديد، حيث تحولت المسارح لمجرد أبواق للتهليل والتطبيل لتلك الأنظمة وفرضت تلك الأنظمة رقابة صارمة علي المسارح قللت من الإبداع الحقيقي لنجوم المسرح مؤلفين ومخرجين وممثلين، وكان من الصعب أن توجه المسارح نقدا لهذه الأنظمة"! لكن، هل يمكن أن تجيبنا حقاً، إن كانت قد ذهبت إلى دمشق لجمع تبرعات دعم لـ"مسرح المدينة"؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها