الجمعة 2022/05/20

آخر تحديث: 19:25 (بيروت)

محمد مظلوم... "يِجي يوم وأنلمْ حِزن الايَّام"

الجمعة 2022/05/20
محمد مظلوم... "يِجي يوم وأنلمْ حِزن الايَّام"
مظفر النواب ومحمد مظلوم
increase حجم الخط decrease
«يِجي يوم وأنلمْ حِزن الايَّام
وثياب الصبر
ونرِدْ لاهلنه..........
يجي ذاك اليوم
لاچن آنه خايفْ گبل ذاك اليوم
 تاكلني العگارب»

كان لنا أنا والراحل أبو أيوب، شرف نشر هذه القصيدة لمظفر النواب لأول مرة في جريدة "العراق الديمقراطي" لا سيما أن النواب كان ممتنعاً عن نشر قصائده. كتب مظفر هذه القصيدة في دمشق بعد العام 1991 حين بدا أن ثمة أملاً بعودة المنفيين العراقيين إلى البلاد، وكانت دمشق إحدى أكبر البلدان التي لجأ إليها المعارضون العراقيون وعوائلهم. ثم تحققت العودة ولم يتحقق الحلم بل أسفر عن كابوس ما زلنا نعيشه هنا أو هناك. تحقق خوف مظفر وأكلت العقارب حلمه، وأحلام الكثير من العراقيين.

وفي ذروة صعود عصر الانترنيت في بلداننا تكاثرت الشائعات عن رحيله حتى أن عدداً من الصحف العربية كان يتصل بي ليعرف أن كان الأمر صحيحاً أم مجرد إشاعة انترنيت، كنت أمازحه أحياناً بأنه صار كنجوم السينما تطارده الشائعات حتى وهو في عزلته الصارمة، وتواصلت هذه الشائعات حتى زمن فيسبوك، ومغادرته دمشق نهائياً إلى الإمارات في وضع صحي صعب.

إذن فقد صدق الانترنت هذه المرة. ورحل نبي العامية العراقية، وسيد الهجاء السياسي. ولأن الرثاء أصبح صعباً بل مشقَّة نفسية في هذا الزمن، أضع مجتزأ من مقال كتبته عن النواب في وقت سابق في جريدة "السفير" اللبنانية قبل توقفها عن الصدور منذ سنوات...

التقيت به للمرة الأولى بعد وصولي لدمشق العام 1991 في أمسية أقامها لنا المنتدى الثقافي العراقي بدمشق ـ أنا وباسم المرعبي ـ الهاربين تواً عبر نهر الخابور نحو الشام، حضر شاعر «عبد الله الإرهابي» والـ «الآر بي جي سفن» إلى الأمسية يصحبه فتية وفتيات فلسطينيون وقد وضع على كتفيه شالاً على شكل كوفية يتوسّطها علم فلسطين. لم يكن شعرنا مفهوماً لكثير من الجمهور الذي كان أغلبه من السياسيين، كان مظفر حريصاً على أن يطلع إلى أين وصل الشعر في العراق، فقد كانت آخر هجرة ثقافية عراقية قد مرَّ عليها أكثر من عشرة أعوام، في الحوار الذي أعقب القراءة اتضح أنه فوجئ بشعرنا! على الأقل بما أفصح عنه من افتراق بيِّن مع القصيدة التي يكتبها هو، أو تلك التي يعرفها عن شعر الروَّاد! لم يخفِ استغرابه أمام فداحة الغموض في شعرنا، وما سمَّاه الإصغاء للذات على حساب الآخر، وتساءل عن جدوى الشعر إن لم يكن للناس، تكرَّست الفجوة بين شعر وشعر في المنفى كما تكرست في الداخل.

لكن هذه الفجوة بل الاختلاف في فهم الشعر ووظيفته، لم تمنع من أن تبدأ بيننا علاقة شخصية طيبة بعد تلك الأمسية، فالمنفيون العراقيون يلتقون ليختلفوا دائماً، وهكذا جمعتنا ليال وسهرات، كان خلالها يقرأ الشعر ويغني ويرقص بطاقة صوفية مولوية، معبراً عن نموذج للشاعر المولع بالحياة، غير أنه ظلَّ يحمل في داخله ذعراً غريباً من الليل، ثمة وحشة متمرسة في داخله، وما الخمر والرقص والغناء سوى طقوس وتعاويذ لدرء الذعر، هو رجل يحبُّ العزلة في النهار، ويميل للجلوس منفرداً في المقهى، لكنه يريد الليل ضاجاً بالآخرين حوله وصاخباً بشعره وغنائه.

في مناسبات نادرة نجحت في إجراء حوار معه بالاشتراك مع جمعة الحلفي، وأفلحت في الحصول منه على قصائد بالعامية نشرتها في جريدة "العراق الديمقراطي" أيام المعارضة. كانت مخطوطات قصائده نوعاً من "الكتابة النملية" بحروف صغيرة لا تكاد تقرأ، ومن بينها قصيدة "يجي يوم" حيث يفسد فيها أمل العودة بالخوف من المصير الشخصي للشاعر:
«يِجي يوم وأنلمْ حِزن الايَّام
وثياب الصبر
ونرِدْ لاهلنه..........
يجي ذاك اليوم
لاچن آنه خايفْ گبل ذاك اليوم
 تاكلني العگارب»

في التسعينيات، وأمام شيوع الطبعات المقرصنة والمشوهة من شعره، كانت هناك فكرة لإصدار إعماله الشعرية الصحيحة، وكنت من بين أصدقاء اختارهم لإعداد الديوان، وتعهد المناضل البحريني المنفي عبد الرحمن النعيمي (سعيد سيف) صاحب "دار الكنوز الأدبية" بإصداره بأبهى صورة ممكنة لكنَّ المشروع أجهض بفعل فاعل! أو لعل مغادرة "الحالة الغامضة" وشعشعة الظلِّ، التي استهوته تماماً، بدت للنواب نوعاً من الانكشاف غير المفيد مما جعله يؤجل ذلك المشروع حتى انتهى للنسيان.

(*) مدونة نشرها الشاعر العراقي محمد مظلوم في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها