الجمعة 2022/03/25

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

عن حركة الترجمة الأدبية من الأوكرانية وإليها

الجمعة 2022/03/25
عن حركة الترجمة الأدبية من الأوكرانية وإليها
increase حجم الخط decrease
في الحديقة الأوكرانية على تلال بلدة بعبدا اللبنانية، وغير بعيد من تمثال الشاعر الأوكراني الكبير تاراس شيفتشينكو الذي أبدعه الفنان اللبناني بيار كرم، تنتصب لوحة حجرية تذكارية حفرت عليها ترجمة ناسك الشخروب ميخائيل نعيمة لقصيدة "الميثاق"، التي ترجمها نعيمة من الأوكرانية حين كان طالبًا في السيمنار الروحي، التابع للجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية في مدينة بولتافا الأوكرانية، بين 1906 و1911.

ألقى نعيمة هذه القصيدة، إلى جانب قصيدتين أخريين في حفلة نظمت في بيروت لمناسبة الذكرى الخمسين بعد المئة على ولادة الشاعر، وأدرج مداخلته التي تضمنت مقدمة عن الأدب الأوكراني في كتابه "الغربال الجديد". بعد ميخائيل نعيمة، كان على النصوص الأدبية الأوكرانية أن تنتظر نصف قرن كي تحظى بالترجمة إلى العربية، فقد شهدت الأعوام الثماني الماضية حركة مضطردة النشاط في ترجمة الأدب الأوكراني إلى اللغة العربية، فيما نُقلت من العربية إلى الأوكرانية بعض الأعمال الأدبية الحديثة، لا سيما في فن الرواية.

في العالم العربي
يعود الفضل إلى الشاعر والفنان تاراس شيفتشينكو في بعث الأدب الأوكراني وفتح الأبواب أمام توحيد اللهجات الأوكرانية في لغة واحدة، وقد تبلورت هوية هذا الأدب على أيدي الأديبين الكبيرين إيفان فرانكو، وليسيا أوكراينكا، كما أسهم العالم اللغوي أغاتانغل كريمسكي في تظهير هذه الهوية. عربيًا، أتت القطرة الأولى في جدول الترجمة من الأوكرانية على أيدي أولينا خوميتسكا وفاضل المويل وفولودومير مارتينيوك، الذين ترجموا "مختارات أدبية وفنية" لتاراس شيفتشينكو، صدرت عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت سنة 2016، لمناسبة الذكرى المئتين على ولادة شيفتشينكو. تضمن الكتاب تعريفًا بأدب شيفتشينكو وفنّه، ودوره في إحياء الأدب الأوكراني، إلى جانب ترجمات لقصائد ونصوص نثرية مختارة، وعرضًا لبعض لوحاته. في العام 2017، صدرت ترجمة خوميتسكا وسمير مُندي لمختارات من أشعار ورسائل ليسيا أوكراينكا، في القاهرة عن دار العين، وتضمن الكتاب مقدمة في الأدب الأوكراني وخاتمة في سيرة حياة الشاعرة. في العام 2020، صدرت ترجمة سيرهي ريبالكين لقصّة "الحرب التي غيّرت روندو"، وهي قصة موجهة إلى الأطفال كتبها رومانا رومانيشين وأندريه ليسيف، عن مشروع "كلمة" في الإمارات العربية المتحدة.

ثم صدر عن النادي الأدبي بالرياض العام 2021، كتاب "أنطولوجيا القصة القصيرة الأوكرانية أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين"، وضمّ مختارات قصصية لإيفان فرانكو وميخايلو كوتسيوبينسكي وفاسيل ستيفانيك وميكولا خفيلوفي، وعمل على ترجمتها فولوديمير مارتينيوك وأولينا خوميتسكا وسيرهي ريبالكين ويوري سافكيف وأوكسانا بروخوروفيتش، وقد راجع هذه النصوص وحرّرها عبد الرحمن بن إبراهيم الجاسر ومحمد بن أحمد الخضير وإبراهيم بن علي الدغيري وعقيل بن عبيد الفهدي.

يوم وصلتُ إلى كييف في 2015، وأتيحت لي الفرصة للبحث عن مصادر تُعينني في ترجمة قصص أغاتانغل كريمسكي البيروتية، لم أعرف في العاصمة سوى أولينا خوميتسكا، التي كنت قد التقيتها في بيروت يوم رافقت رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق ميكولا آزاروف، وأتيحت لي الفرصة لإجراء مقابلة معه. في كييف، حصلت على النصوص والكتب والمعاجم، وعرضت على أولينا فكرتي بشأن ترجمة كل ما كتبه رحالة ومستشرقو روسيا القيصرية عن لبنان والمشرق العربي على عتبة القرن العشرين. وكنت آنذاك قد بدأت هذه الرحلة بالفعل مع ترجمتي قصص الكاتب الروسي ستيبان كوندوروشكين التي كتبها في لبنان بين 1899 و1903. إلا أن قصص كريمسكي عن بيروت، كتبها بالأوكرانية العام 1897، فكان عليّ أن أذلل عقبة اللغة فعكفت على دراستها.

ربما كنت لأتوقف عن الترجمة من الأوكرانية بعد صدور كتاب "قصص بيروتية" (بيروت: رياض الريس للكتب، ط1: 2017؛ دار المصور العربي ط2: 2022)، إذ كان منطلقي إلى هذا الحقل، ما كُتب عن بلادنا، إلا أن وصول السفير الأوكراني الجديد إلى بيروت البروفيسور إيهور أوستاش وعقيلته الأكاديمية والكاتبة الشهيرة مارينا هريميتش، غيّرا في مسار العمل. كما أن الإلمام بأوكرانية مطلع القرن العشرين فتح أمامي آفاقاً جديدة في الترجمة. بعد "قصص بيروتية"، نقلتُ إلى العربية دراما إيفان فرانكو الغنائية "الأوراق الذابلة" (كييف: دار دوليبي، 2017)، و"الموجز في تاريخ أوكرانيا" لأولكسندر بالي (دار دوليبي، 2018)، وكتاب "الأوكران ولبنان" للسفير أوستاش (دار دوليبي، 2019)، وعدت إلى كريمسكي لأترجم ديوان أشعاره عن لبنان "سعف النخيل" (دار دوليبي، 2020). ثم ترجمت من اللغة الكييفية الكنسية "الرحلة إلى الديار المقدسة في الشرق"، وهي مدونات الرحالة الحاج فاسيل بارسكي عن فلسطين وسوريا ولبنان في النصف الأول من القرن الثامن عشر (بيروت: دار المصور العربي، 2021)، كما ترجمت الأعمال النثرية الكاملة للكاتبة الكبيرة ليسيا أوكراينكا في مجلدين (المصور العربي، ج1: 2021 وج2: 2022)، وديوان الشاعر الأوكراني فاسيل ستوس (المصور العربي، 2022)، الذي قضى في المعتقلات السوفياتية.

واللافت في هذه الرحلة مع الترجمة نقلي إلى العربية رواية هريميتش "أجنبية في سيارة حمراء" (الدار العربية للعلوم ناشرون، 2020)، التي تعتبر الرواية الأوكرانية الحديثة الأولى المترجمة إلى العربية من لغتها الأم، أي من دون المرور بلغة وسيطة، وكانت الرواية الثانية "زمن الأحجار المتناثرة" للكاتب فولوديمير سامويلينكو (القاهرة: دار صفصافة، 2021). ويعود الفضل في ذلك إلى انفتاح جمعية الناشرين الأوكرانيين على العالم العربي من البوابة اللبنانية، حيث عقد وفد منهم لقاءات على هامش معرض بيروت العربي الدولي للكتاب العام 2018، وانطلقت العام 2020 في كييف منحة الترجمة عن "معهد الكتاب الأوكراني"، وهو مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الثقافة اختارت في السنتين الماضيتين نحو سبعين كتابًا للترجمة إلى اللغات المختلفة، فحظيت اللغة العربية بأربعة منها.

إلى الأوكرانية
بعد لقاءاتهم مع الناشرين اللبنانيين، تكثفت مشاركات الناشرين الأوكرانيين في معارض الكتاب في الإمارات العربية المتحدة، لا سيما معرضي أبوظبي والشارقة، وانتقوا من الروايات العربية الأعمال التي نالت جوائز أو وصلت إلى لوائحها القصيرة، وهكذا ظهرت في السنتين الأخيرتين ترجمة أوكسانا بروخوروفيتش إلى الأوكرانية لرواية الروائي اللبناني الراحل جبور الدويهي "طُبع في بيروت"، التي حظيت باهتمام كبير بين القراء، ثم رواية الكاتب السوري خليل صويلح "اختبار الندم"، وصدر الكتابان عن دار "نورا دروك" في كييف. وفي السياق نفسه صدرت لبوهدان هورفات ترجمته رواية الكاتب الفلسطيني أسامة العيسي "مجانين بيت لحم" عن دار "أنيتا أنتونينكو" في كييف، التي حظيت بجائزة أوكرانية محلية، ثم رواية الشاعر عباس بيضون "خريف البراءة" عن الدار نفسها. وفي الآونة الأخيرة، قبيل الحرب، كان الزميلان يواصلان العمل في الترجمة، إذ كان من المقرر صدور ترجمة قصة الشاعر اللبناني عبده وازن "الفتى الذي أبصر لون الهواء" ورواية الكاتب المصري عبد الرشيد محمودي "بعد القهوة". والآن بات من المتعذر معرفة مآل الأمور.

وإلى جانب الترجمات الصادرة في كتب، شهد العقد الأخير إقبالًا على دراسة اللغة والأدب العربيين في عدد من الجامعات الأوكرانية، وعلى رأسها جامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية الأوكرانية في كييف وجامعة كييف الوطنية للغات. وتُصدر هاتان الجامعتان مجلات ونشرات محدودة الانتشار تتضمن ترجمات مختلفة، بالإضافة إلى تنظيمها المؤتمرات والندوات المتعلقة بالأدب العربي وتاريخه. كما صدرت بعض الترجمات لنصوص متفرقة ضمن دراسات متخصصة في دوريتي "عالم الشرق" و"الاستشراق"، اللتين تصدران عن معهد أغاتانغل كريمسكي للدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الأوكرانية للعلوم في كييف.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها