الأحد 2022/11/20

آخر تحديث: 11:26 (بيروت)

الافراج عن خالد لطفي... خمس سنوات سرقت من حياته

الأحد 2022/11/20
الافراج عن خالد لطفي... خمس سنوات سرقت من حياته
increase حجم الخط decrease
مع الافراج عن مدير مكتبة، المصري خالد لطفي، بعدما أمضى سنواته السجنية، بتهمة قيامه بنشر طبعة مصرية من كتاب "الملاك، الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل"(*). يعود السؤال، المكرر باستمرار عن السجن العربي الكبير و"العدالة" الاعتباطية السائدة والمسيّسة وقوانين غب الطلب المفصّلة على مقاس الحاكمين، والسؤال الأكبر عن حرية الرأي المسلوبة لأسباب مضحكة وغبية.

لنتأمل جيداً أن الشاعر الفلسطيني أشرف فياض قضى ثماني سنوات في سجن سعودي بسبب تهمة ابداعية، هو الذي كان محكوماً بالإعدام قبل تخفيض عقوبته، وأفرج عنه في آب الماضي. وسبق أن اعتُقِل فيّاض للمرّة الأولى في العام 2013 بتهمة "الإلحاد والتجديف"، بعد شكوى تقدَّم بها أحد الأشخاص لـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، لكنّه خرج بعد يومٍ واحدٍ من ذلك فقط. غيره تعرض للجلد بسبب تدوينات، في "سوريا الأسد" سجن آلاف الأشخاص بتهم توزيع بيانات أو "المس بالشعور القومي"، بالطبع نظام الأسد لديه خبرة في طرق اخفاء الأشخاص وسجنهم عشرات السنين لمجرد بيان، لأنه يريد أن يسجنهم فحسب. ومرات كثيرة، يتحولون مجرد أشخاص منسيين في أقبية المعتقلات أو في القبور أو في المحارق. لسنا بحاجة إلى الاسهاب في سرد ما جرى ويجري بحق الاعلاميين والمثقفين في الشرق الأوسط، فالأمور بائنة وواضحة، من الاغتيالات السياسية في لبنان والعراق إلى السجن والاعدام في ايران، المسألة تتعلق بعصابة حاكمة، تجد ذرائع واهية لتمارس قمعها وعنفها بهدف فرض الهيمنة والأحادية في الحكم.

في قضية خالد لطفي بدا لنا، أننا أمام حكم عسكري، يسعى من خلال اعتقال أعداد كبيرة من الاشخاص، من انتماءات مهنية واجتماعية وسياسية، إلى فرض واقع ما، فمصر التي عاشت الثورة عام 2011، ثم الانقلاب على الثورة عام 2013، وجدت نفسها في نظام أمني يتشبث بكل شيء، ويتدخل في كل شيء، من الهيمنة على الاقتصاد، إلى الاشراف على كتابة سيناريوهات المسلسلات والأفلام والأغاني، ومثل هكذا أنظمة استبدادية مخابراتية، تستسهل كل شيء بحق الأفراد والمواطنين(علاء عبد الفتاح نموذجاً)، لنتأمل جيداً، أن خالد لطفي أمضى خمس سنوات في السجن بتهمة: "إفشاء أسرار عسكرية" و"بث شائعات"، وما فعله بالواقع هو توزيعه كتاب "الملاك، الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" وهو متاح أصلاً، ويوزع في معارض الكتب العربية ومتوفر في مواقع الانترنت، وثمة صحافي مصري نشر منه مقاطع في صحيفة مصرية. اللافت إن خالد لطفي لم يطبع الكتاب، إنما أعاد طرح نسخة مصرية بغرض التوزيع بالتعاون مع الدار العربية للعلوم اللبنانية، ليكون سعرها في متناول القارئ المصري، وهو الاتجاه الذي لجأت إليه العديد من دور النشر في مصر بعد ارتفاع أسعار الدولار. 

سبق أن أشارت "المدن" إلى أن المتربصين الراغبين في هدم مكتبة تنمية، بادروا إلى الإبلاغ عن الكتاب وعن خالد، على طريقة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". و"جاءت البلاغات بأشكال مختلفة، ما بين مقالات لصحافيين نافذين محسوبين على جهات أمنية، وما بين موزعي كتب لهم علاقاتهم مع الأمن"، ليكون الضجية خالد لطفي. كان في وسع السلطة أن تطوي الملف وتتلف نسخ الكتاب وتغرّم المكتبة، لكنها، وبدلا من ذلك، وبدل أن تحيل "القضية" أو الواقعة إلى المحكمة الاقتصادية صاحبة اختصاص الفصل في المنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية ومخالفة معايير النشر طبقا للقانون، أحالتها إلى المحكمة العسكرية... بالمحصلة، خمس سنوات من عمر خالد لطفي في السجن، لاسباب واهية وسخيفة، فهو لم يرتكب جريمة، ولم يسرق، ولم يسرب أسرارا نووية، ولا معلومات خطيرة... 


خمس سنوات قضاها خالد لطفي في السجن، والسجن هنا، هو توابل سياسية وأمنية على أعمارنا المسروقة من أنظمة وجدت لتكون ضد الحياة.


(*) كتاب "الملاك" عن قصة أشرف مروان، قد صدر الكتاب مترجماً عن "الدار العربية"، للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف. ويأتي الجدل الذي أحدثه من قيامه على سردية إسرائيلية مزعومة تقول إن رجل الأعمال المعروف، الراحل أشرف مروان، كان جاسوسًا إسرائيليًا في مصر، استغل قربه من دوائر الحكم كونه زوج ابنة جمال عبد الناصر وأحد مستشاري الدولة في تلك الفترة ثم فترة حكم السادات، وكيف أن خدماته للكيان الصهيوني أنقذت حياة آلاف الإسرائيليين أيام حرب أكتوبر 1973. وقد استوحى عنوان الكتاب من الاسم السري لمروان في الموساد: "الملاك". تلك هي السردية الإسرائيلية، والتي يتعاطى معها المهتمون أو الرأي العام باستجابة محدودة، حتى أن الفيلم المأخوذ عنها بالاسم نفسه لم يجد احتفاءً ولو فنيًا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها