الخميس 2022/10/27

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

التكية السليمانية بدمشق: تهجير الحرفيين الأصليين...كرمى لأسماء الأسد

الخميس 2022/10/27
increase حجم الخط decrease
منذ الإعلان في دمشق عن أن شاغلي سوق المهن اليدوية، قد أُنذروا بضرورة إخلائهم للحوانيت التي يشغلونها منذ أربعة عقود، انتظر كثيرون ممن يرون النصف الممتلئ من الكأس دائماً، أن تُقدِم جهةٌ ما على تعطيل القرار، أو أن ينهض أحد بحلّ يضمن للمحترَفات الفنية والحِرفية الاستمرار في مكان آخر في العاصمة، وبما يضمن ديمومة تصنيع المنتجات، التي تروج لبعض من تاريخ المدينة، التي اشتهرت منذ القِدَم بصناعاتها التقليدية كالبلّور والخيط العربي والموزاييك وغيرها.

لكن شيئاً لم يحصل، ولم يتعدّ الأمر قيامَ بعض الناشطين بتداول القضية عبر منشورات خجولة في الشبكات الاجتماعية، وأيضاً طرح الموضوع من قبل بعض الصحافيين في الخارج، ويخال المتابع أنّ التعاطف الذي كان يحدث في قضايا سابقة، قد اختفى على الأبد!

بعد مرور أكثر من عقد على تفجر الثورة ضد النظام، وتأمل ما جرى خلال سنواته، لا يمكن للحديث عن مشكلة محدّدة كهذه، أن يأخذ طابعاً عمومياً، يجد أهل البلد أنهم معنيّون بالتعاطي معها على أنه مشكلتهم الراهنة، وقضيتهم الحارّة!



يتبدّل مزاج الناس حول الكوكب على العموم، بسرعة هذه الأيام، لكن مزاج السوريين يفعل هذا بسرعة أكبر، فحين يظنّ المرء أن ثمة تقاطعات مشتركة لا تفك حيال أمور تعنيهم جميعاً، يسود العجب حين يكون ردّ الفعل بارداً وشبه صامت! وقد يُعزى هذا الارتباك في التوقع، إلى عدم فهم المزاج الآني، لكن الحقيقة أن ثمّة حاجة لدراسة التغيرات التي أصابت النمط السلوكي عند السوريين في كل الأمكنة التي حلّوا فيها، وعدم الطمأنينة للنتائج والقناعات العمومية السائدة عن الانقسامات بينهم.

وهذا يعود لأسباب مفهومة. أوّلها الشرخ الكبير الحاصل بينهم، الذي تُشكله الانقسامات السياسية الأساسية، وتلك المستشرية في جبهة المعارضة. لكن حوادث سابقة تتعلق بالأمكنة كانت تجمعهم على مواقف مشتركة، إذ شكلوا، مثلاً، جبهة واحدة ضد إغلاق أحد أبواب شرق دمشق الأثرية بالبلوك، ما دفع الجهات المسؤولة إلى هدمه والادعاء بأن ما حصل إنما تم أثناء إغفاءة عابرة منها.

لكن ما سبق كله يجب ألا يُنسي الباحث والقارئ، الأثر الكبير للاستبداد المافيوي في جعل البشر لا مبالين، خصوصاً إن شابَ واقعَهم الارتيابُ في الآخر، والتعميم بأنه خائن وعميل، أو مُخبر وشبّيح ومستفيد في الجهة المقابلة!

مشكلة التكية السليمانية بدأت من الناحية التقنية منذ زمن طويل، إذ تعاني هذه البقعة من الأرض على ضفاف بردى، من انخفاض وتموج في التربة، أدى إلى خلخلة مستواها، ما تفاقم مع مرور الوقت. وقد عزا الخبراء هذه المشكلة غير المسبوقة إلى سياسة إفراغ الماء من الطبقة السفلية، من أجل إنشاء مجمع يلبغا الشهير في منطقة المرجة. وهنا يتذكر السوريون أن مضخات الماء بقيت تعمل لسنوات طويلة على إخراج الماء العذب، وإعادة ضخه في قنوات الصرف الصحي! وتكرر الأمر في غير مكان، الأمر الذي خلق المشكلة، فظهرت بداية في مبنى البريد المركزي الذي انخفضت أساساته أيضاً، وقد فاقم التهاوي في التربة قيام محافظة دمشق في بداية الألفية الجديدة بتبليط المجرى المكشوف لنهر بردى، الذي يبدأ من ساحة الأمويين، ويتوازى مع شارع شكري القوتلي، وصولاً إلى ساحة المرجة، الفعل الذي حدّ من عملية التبادل الحيوي بين السطح والداخل، وتقليل تغذية جوف المنطقة بالماء المتدفق بشكل طبيعي عبر النهر من غرب المدينة!

وبموازاة تحميل النظام الحاكم ومؤسساته وسوء الإدارة، المسؤولية عن هذه المشكلة في الماضي، لا يرى سوريون أن مستقبل الترميم الذي تعمل عليه المؤسسات ذاتها، سيحمل الخير لأحد سوى الأسديين المهيمنين على البلاد ويتحكمون في مفاصل الحياة فيها. إذ يسود الاعتقاد في الداخل والخارج على حد سواء، بأنّ قضية الشاغلين تتعدّى قصة ترميم المكان، بل إنها مقدمة لاستيلاء مؤسسات أسماء الأسد على المكان، وصياغة تفاصيله بالطريقة التي تعمل فيها، تحت لواء العمل الإنساني، وأيضاً التعامل مع التراث على أنه جزء من حصتها في الاحتكارات الراسخة في البلاد. ويشيرون إلى أن "الأمانة السورية للتنمية" التابعة لزوجة الأسد، كانت لها محاولات لدخول المكان عبر تجديد بعض محلات السوق، ولا ينسون الإشارة إلى مشروع "الوردة الدمشقية"، الذي بدأت به منذ منتصف العقد الأول لهذا القرن على أرض المعرض القديم، وتوقف العمل فيه منذ بداية الأحداث. فالمنطقة كلها متصلة، فتبدو شهية، ويسيل اللعاب من أجل استثمارها تجارياً، تحت مسميات ثقافية وحضارية!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها