الإثنين 2021/06/21

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

محمد خضير... الأصل الغرافيكي للقضية

الإثنين 2021/06/21
increase حجم الخط decrease
خلافاً لما يُشاع عن أنّ الفنّان الغرافيكي قد يصنع من لوحة حفرٍ أصلية، عشرات النسخ المطبوعة شبهها (بيكاسو الذي يطمع مقتنو أحفوراته بنسخة مطبوعة حبّاً في توقيعه فحسب) فإنّ فناناً/حفاراً عراقياً، مثل مهدي الحلفي، يستعيد أحفوراته ذاتها من غير تكثير، مذيلّة ببصمات زمنها وشروح مادتها، فضلاً عن التوقيع. بهذه التذييلات الكتابية، فإنّ روح الفنّان الإسباني فرانسيسكو دي غويا، تحضر كاملة لتسند العملَ الأحفوري وتهيمن على مساحته وموضوعاته حادة الخطوط. إذ ثمة قضية كامنة تحت هذا الحفر على مادة لينة أو صلبة، ترتبط بزمنها ولا تتكاثر خارجه (قضية غويا كانت ضد وحشية الغزو الفرنسي لمدريد، الجوع والإعدام وأشباح النوم).  

بعد زمن طويل، ستصبح الأحفورة دالة على حافرها، بل شاهداً على تشبّث الأصابع بعمق سطحها المخدَّش. فجُرحها وتخدّشها حدثان أصليان، ودلالتان عميقتان على أصابع الواقع التي تشبثت بعنق الفنان وخدشَتْه بعلامات زمنها الوحشي وعسكريّيه الأجلاف.

هكذا، تبدو استعادة مهدي الحلفي لأحافير ما قبل المرض، الذي أقعده عن طباعة نسخ عديدة من أعماله الأصلية، فرصة سانحة لصدم الواقع المرونَق والمزخرَف، الهادئ وغير المكترث. جمعَ الحفّار تلك الأشكال الخشنة، وحبسَها تحت الزجاج، لكيما تنزو وتنتمي لغير وقتها. إنّها هناك_ طبعات الأصابع المجرَّحة_ محبوسة، بعلاماتها الأصلية. الخطُّ غائر، والأجسادُ تحتفظ بحرارة صراعها مع سطح المادة المحفور (زجاج، خشب، مطاط، رقائق أشعة). 

بين دراسات المعهد، واندفاعات الحياة، وتنوّع الحالات الإنسانية، تتنادى السطوحُ المظهَّرة وتتبارى في احتلال زمنها الآخر، زمن الاستعادة/ الحفر التأويلي المستعاد. إنها أقوى من أن تُطوى مع الجسد المثقل بالهموم، والاستحالات الجديدة للوقائع؛ بل هي أسطع من أن تُحبس وراء حاجز مفتعل. وما المعرض الاستعادي لتلك الأحافير المؤرخة بين 1980-2003 (جمعية الفنانين في البصرة، 21 حزيران) غير سانحٍ جامح لمهدي الحلفي،  يتذكّر فيه ماضياً لا يمضي، وخطّاً لا ينكسر، وشكلاً يزداد ارتباطاً بقضيته الأولى..

(*) مدونة نشرها القاص محمد خضير في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها