الأربعاء 2021/11/17

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

"الإفتاء" في ظلال الأسد.. إلغاء حسون وقتل حسن خالد

الأربعاء 2021/11/17
"الإفتاء" في ظلال الأسد.. إلغاء حسون وقتل حسن خالد
increase حجم الخط decrease
أصدر بشار الأسد "مرسوماً"، ألغى بموجبه منصب مفتي الجمهورية السورية، وعزز في الوقت ذاته صلاحيات "مجلس فقهي ضمن وزارة الأوقاف". وتسبب القرار بموجة جدل واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، بين من يعتبر أنه أقاله ليتقرب من تركيا ومصر ودول الخليج، وبين من يعتبر القرار مزيداً من الانبطاح لإيران على حساب "أهل السنة"، إذ تحجج النظام بمسرحية فاشلة أو حماقة في تفسير آية قرآنية من قبل المفتي أحمد بدر الدين حسون، ليلغي المنصب بجرّة قلم... وبعيداً من التحليلات والتخمينات والتأويلات، ومن خِسّة المفتي حسون المعروفة وهي نتاج ثقافة "البعث" أولاً، يشكل إلغاء منصب المفتي في سوريا، نموذجاً جلياً للطريقة التي يدير فيها نظام بشار الأسد الحكم: يد مطلقة في الصغيرة والكبيرة، في الشاردة والواردة، بلا مقدمات يعيّن هذا، وبلا مقدمات يقيل ذاك، لا يحتاج الى مؤسسات، ولا قوانين، ولا مجلس وزراء، ولا مجلس نواب أو شعب، ولا قضاء... هو كل شيء، ويعرف بكل شيء، في الزراعة، في الثقافة، في الدين، في الرياضة، في الفقه،... هكذا نظام "الرئيس الدكتور" ومن قبله "الأب القائد".

في السنوات السابقة، لم يكن الأسد يريد من حسون أن يكون أكثر من دمية، دورها التلقي والتصفيق "لنظام الأبد" والحضور بجانب الرئيس في "الصلوات" أو الأعياد في زمن الحرب على المعارضين (السنّة بشكل عام). وأدّى حسون، خريج الأزهر وحامل شهادة في الأدب العربي، دوره، على أكمل وجه. أهان موقعه الديني على أكمل وجه، تبجّح بتعابير هذيانية، وهدد الكون، وأوروبا، ولو تسنى له لقال إن بشار الأسد مذكور اسمه في القرآن... كان دمية، ولم ينتبه أن الدمى لها دورها ينتهي، أو يتوقف. ومَن جعَله يهين موقعه في مواقف ساذجة وخبيثة وقاتلة، يمكنه أن يلغيه ويلغي موقعه ويطيحه، حتى وإن كان يسمي نفسه "ابو الشهيد" (قُتل ابنه خلال الحرب السورية)... هكذا أُلغي منصب المفتي، بمثل ما عيّن الاعلامي علي يوسف حجازي أميناً لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، ليكون ميشال عفلق المستقبل... 

ألغى الأسد منصب المفتي، ولن يجرؤ أحد في نظامه على الاعتراض على هذا الإجراء، باعتبار أنه صادر عن نظام الأبد. بل إن هذا النظام، حضّر مسرحية لتمجيد هذا القرار، فسريعاً، ما رفع "علماء دمشق" برقية شكر وولاء للسيد الرئيس لاصداره المرسوم التشريعي رقم /٢٨ / تاريخ 15/11/2021 الذي عزز دور المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف والمؤسسة الدينية.. لكن، مَن هم علماء دمشق؟ الله أعلم! الأرجح أنهم أعضاء في حزب "البعث"، وإن لم يكونوا كذلك، فعلى الأغلب عيّنهم الحزب. لطالما هيمَن حزب البعث الاسدي على المؤسسات الدينية والرسمية، وأوهم الناس أنه اختار مفتياً متمكناً، وفي الواقع هو اختار مفتياً كان تلفزيونياً، اختاره لأنه مؤيد للأسد ويدور في فلكه ولم يكن مستفزاً. وفي تجربة حسون كانت الطامة الكبرى، فهو كتلة من الاستفزاز، ووجهه ينمّ عن قدر هائل من السذاجة والتشبيح... 

قبل حسون في سوريا، كانت تجربة نظام البعث الأسدي مع الإفتاء في لبنان... كان مسعى حافظ الأسد هو تفريغ أي دور للقيادات السنية غير المؤيدة له، كما الهيمنة على بيروت وطرابلس بالصواريخ والراجمات. كان نصيب المفتي حسن خالد، المعترض على النظام السوري في لبنان، سيارة مفخخة في أيار 1989، ونصيب الشيخ صبحي الصالح رصاصات من كاتم صوت في ساقية الجنزير... في ذلك الزمن كانت أحزاب لبنانية، دمى عند نظام حافظ الأسد، تتلقى الأوامر وتنفذ الاغتيالات، وفي وقت لاحق صار بعض هذه الأحزاب يعطينا دروساً في السيادة والوطنية، ويبرر أفعاله المشينة بالاغتيال بأنه تلقى أوامر.

 ولم يتوقف أمر دار الافتاء في لبنان على اغتيال حسن خالد. ففي زمن السِّلم، كان تعيين المفتي محمد رشيد قباني، من قبل النظام السوري بمثل تعيين بدر الدين حسون، زيارة إلى دمشق، وتوقيع... وفي الواقع أيضاً لا يشبه حسون في سوريا (ومعه قباني في لبنان) الأن الا ما يسمى "تجمع العلماء المسلمين"، وهم رهط من المشايخ السنة وبعض الشيعة، يتحركون حين يطلب منهم ممولهم أو ولي نعمتهم اطلاق "المواقف" النافرة، وهي تقتصر على التأييد لسياسة حزب الله أو الممانعة.

عدا ذلك، بمثل ما تحوّل المفتي دمية في يد نظام الأسد، تحوّل هذا النظام دمية وسط بحر من اللاعبين على الأرض السورية. والراجح أن الشرق كله، هو شرق الدمى. فكل أزمات العالم تدلف عندنا، تمطر في عواصم العالم فنحمل الشمسية هنا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها