الأحد 2021/10/03

آخر تحديث: 09:38 (بيروت)

"دييغو وأنا"... ألم فريدا كاهلو وحبها في المزاد

الأحد 2021/10/03
increase حجم الخط decrease
بعد حوالي الشهرين من الآن، وتحديداً في نهاية شهر تشرين الثاني، تطرح  دار  Sotheby's في المزاد العلني، خلال الـ"Modern Evening Sale " في مدينة نيويورك، لوحة تمثل اتوبورتريه للفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، تحت مسمّى "Diego y yo"، أي ما معناه "دييغو وأنا"، المنفّذ عام 1949. وتشير بعض المصادر المختصة أن سعر اللوحة قد يصل خلال المزاد إلى 30 مليون دولار، وربما أكثر.

اللوحة ذاتُ بعدٍ تاريخيٍ من دون شك، وكانت كاهلو أنجزتها قبل خمس سنوات من رحيلها (توفيت عام 1954). يستحضر العمل وجه الفنانة وهي غارقة في الدموع، في حين تحتل جبهتها صورة لرفيق عمرها الفنان الجداري دييغو ريفييرا. هذا الأوتوبورتريه ليس سوى أحد الـ 55 صورة شخصيّة التي رسمتها خلال حياتها. عدد قياسي قد لا ينازعها عليه أحد سوى في الحجم، فصور كاهلو الشخصية كانت جميعها تقريباً ذات حجم صغير، وكأنها صور لهويّات متعددة ترسم فصولاً من حياة هادئة حيناً، ومضطربة في أحيان كثيرة.

إذا كانت لوحة "دييغو وأنا" تشهد على الروابط القوية التي وحّدت فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا، فهي أيضًا آخر صورة ذاتية من هذا النوع للفنانة المكسيكية. ميزة تجعل من هذا الأوتوبورتريه لوحة استثنائيًة، كما يؤكّد جوليان داوز، الرئيس المشارك لقسم الفن الانطباعي والحديث في Sotheby's New York. "عندما أنظر إلى هذه اللوحة، يتبادر إلى الذهن على الفور تعبير"abre los ojos"، الذي يعني" افتح عينيك "باللغة الإسبانية" (وهو يشير، من وراء ذلك، إلى نظرة كاهلو الثاقبة كنموذج للصورة، وللإزدواجية مع صورة ريفيرا)، لكنني أعتقد أنها ترمز أيضًا إلى اللحظة المذهلة التي من المؤكد أن هذه اللوحة تمثلها، حيث سيفتح سوق الفن عينيه على كاهلو بطريقة جديدة تمامًا، ويضمن لها المكانة البارزة التي تستحقها في المزاد".

وكما تشير أوتوبورتريهات كاهلو، وأعمالها الأخرى أيضاً، أن حياتها لم تكن سهلة على الدوام، وهي التي لم تتمتع بوضع صحي طبيعي، خال من الشوائب، في يوم من الأيام. عانت من شلل الأطفال حين كانت في السادسة من عمرها، وتعرّضت، وهي في سن 18 عاماً، لجروح بالغة إثر حادث إصطدام ترامواي بإحدى الحافلات التي كانت تستقلّها. ثُقب بطنها وجُرح ظهرها، وأجبرت على خوض غمار سلسلة من العمليات الجراحية، كما اضطرت إلى الراحة أوقات طويلة في الفراش. حين بدأت بممارسة الرسم، كان من الطبيعي أن تعمد إلى تمثيل مأساتها في لوحاتها، إلى أن التقت الفنان المكسيكي دييغو ريفييرا في العام 1928، وطلبت منه إبداء الرأي بأعمالها فأفاد حينها: "تكشف هذه اللوحات عن قوة تعبير غير عادية، وتتضمّن وصفًا دقيقًا للشخصيات وواقعية حقيقية. إنها تتمتع بصدق تشكيلي وشخصية فنية خاصة بها. لقد استطاعت أن تعكس إحساسًا حيويًا تم إثراؤه بشكل أكبر من خلال قوة الملاحظة الحسّسة والقاسية في الوقت نفسه. بالنسبة اليّ، كان من الواضح أن هذه الفتاة هي فنانة حقيقية".

"الفيل والحمامة"

تزوج دييغو وفريدا عام 1929، على الرغم من أن والدة فريدا كانت ضد هذا الزواج، الذي وصفته بأنه اتحاد "فيل وحمامة". ينبغي القول إن الزوجين لم يكونا متطابقين حقًا، فهي تبلغ من العمر 21 عامًا، ودييغو كان بلغ ضعف هذا العدد، أي 42 عاماً، وكان بعيداً كل البعد عن أن يكون وسيمًا (كانت فريدا تطلق عليه لقب "الضفدع الخاص بي")، هذا في حين تمتّعت كاهلو بجمال خاص. لكن، ومن الناحية الأخرى كان دييغو فناناً بارعاً ومعروفاً على الساحة الدولية، فقد إقام لسنوات في باريس، حيث كان يتردد على مجالس التكعيبيين والفنانين الطليعيين، وتردد أيضاً على موديلياني (الذي رسم صورته)، وبيكاسو، وأبولينير، والمؤرخ إيلي فور، وجميع أولئك الذين صنعوا مونبارناس في باريس. وإلى ذلك، كان عضواً في الحزب الشيوعي المكسيكي. هذا في حين أن فريدا كانت لا تزال غير معروفة على الساحة الفنية، ولم تتنقل أبدًا خارج المكسيك. دييغو كان يعيش فترة ما بعد طلاقه الثاني ولديه أطفال، (إضافة إلى أطفال آخرين غير شرعيين في كل مكان، إذ كان زير نساء من "الطراز الرفيع") وعلى الرغم من كل شيء، سيعيش الزوجان قصة حب رائعة وصاخبة لمدة 25 عامًا، مليئة بالهفوات والخيانات (سوف يخونها بشكل خاص مع أختها الصغرى كريستينا، ولن تسامحه فريدا على ذلك أبداً).

"إن فن فريدا هو عبارة عن شريط (ملوّن) يحيط بقنبلة" (أندريه بروتون)

تقول كريستينا يورس، مؤلفة كتاب "فريدا كاهلو"، الذي نشرته مؤسسة غاليمار ديكوفيرت، أن سوء حظّها هو مصدر رغبتها في العيش، ومحاولة كتابة هذه الحياة بفرشاة. إن لديها دائماً نظرة تحليلية. صحيح أنها مريضة وتعاني، لكنها، في الوقت نفسه، تتغلّب على مصائبها، ولا شك أن أمراضها ومعاناتها هي بالنسبة لها قوة وحياة".


في عملها "العمود المكسور"، الذي يعود تاريخه إلى عام 1944، تكشف عن جروحها في وضح النهار، وعن وجهها الذي لا يزال صامدًا، ولكن تغمره الدموع. إذ بحلول ذلك الوقت، ساءت صحتها، مما اضطرها إلى ارتداء مشد معدني جديد. معاناة تتمثل في المسامير التي تخترق جسدها، وفي انكشاف الجلد المفتوح عن عمود فقري متقطع. وإلى ذلك، هناك بالطبع تصرّفات دييغو ريفيرا، معلّمها، أعظم رسام مكسيكي، دييغو الذي كان زوجها وأخوها وعذابها وسعادتها ونصرها وهزيمتها. دييغو، التي ستكتب عنه: "لقد تعرضت لحادثتين خطيرتين في حياتي. إحداها عندما صدمت عربة ترام حافلتي، والآخر هو دييغو. دييغو كان إلى حد بعيد الأسوأ". لكن الحب كان أقوى من العواصف، كما يُقال، لذا فقد رسمت كاهلو، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، قصة حبها وحياتها العاصفة مع دييغو، الذي سيخدعها مراراً، حتى مع أختها كريستينا، كما سبق ذكره. كان قلب فريدا كاهلو مكسوراً، كما نراه في اللوحة التي ستُطرح في المزاد، وكما سنراه في أوتوبورتريهات أخرى كثيرة. لكن المرأة الحرة خاضت، هي أيضًا العديد من المغامرات، لا سيما مع ليون تروتسكي، الذي لجأ إلى المكسيك هرباً من سطوة ستالين، وكان صديقاً لرييفيرا وكاهلو، قبل أن يعمد ستالين إلى تدبير اغتياله عام 1940 (ليس هناك من مصادر تؤكد، في شكل قاطع، العلاقة الجسدية بين كاهلو وتروتسكي. وتشير مصادر أخرى إلى أن كاهلو أخفت سراً حول اغتيال تروتسكي، وهو يتعلّق بزوجها الشيوعي الذي كان له دور غير مباشر في الأمر).


كاهلو – سريالية أم واقعية؟

كاهلو هي فنانة متعددة من حيث صفات أعمالها، ترفض التسمية السريالية التي تُنسب إليها غالبًا. كتبت في مذكراتها، التي بدأت بصوغها عام 1942، ما يلي: "لقد اعتبرت سريالية. هذا ليس عدلاً. لم أرسم أحلامًا أبدًا. ما مثلته كان واقعياً". ابتكرت كاهلو، من بين أمور أخرى، أسلوبًا فريدًا للثوب، مستوحى من نساء تيهوانتبيك: تنانير ملونة واسعة، وخواتم على جميع الأصابع، وزخارف من اليشم ما قبل الكولومبي، وشرائط وأمشاط في شعرها مضفرة في تاج. جاذبية من الغجر أو إلهة الأزتيك. كاهلو ليست فقط واحدة من الرسامين النساء القلائل المشهورين على مستوى العالم، لكنها أيضًا واحدة من الفنانات الوحيدات من المكسيك المعروفات عالميًا. المكسيكية الثورية، العرجاء، غير المطابقة، السريالية... هناك العديد من الصفات لتسمية هذه الفنانة، لكنها كانت حرة قبل كل شيء، وفريدة من نوعها في عملها وحياتها، لأن نهرها بعيد كل البعد عن السريان الهادىء الطويل. وقد سُلّط الضوء عليها في مناسبات عديدة من خلال السير الذاتية للفنانين والأفلام الفنية.

ساءت حالة كاهلو كثيراً في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث خضعت لسبع عمليات في العمود الفقري. بُترت ساقها في عام 1953، وأصيبت بالتهاب رئوي في عام 1954. لم تستطع المرأة القويّة المقاومة أكثر، بالرغم من صمودها الأسطوري. توفيت في 13 يوليو 1954 عن عمر 47 عامًا، بعد لوحة نهائية، واحدة من أكثر لوحاتها تلويناً بعنوان: "فيفا لا فيدا" (عاشت الحياة)...

لا بد من ذكر أنه في عام 2010، ومن أجل إصدار ورقة نقدية جديدة بقيمة 500 بيزو، اختار البنك الفيدرالي المكسيكي تزيين جانب واحد من الورقة النقدية بصورة فريدا كاهلو، والجانب الآخر يحمل صورة دييغو ريفيرا. كما أصبحت أيضًا أيقونة سياسية في التسعينيات لحركة شيكانو، وهي حركة تناضل من أجل الدفاع عن الحقوق المدنية للأميركيين المكسيكيين. من ناحية أخرى، تتمتع فريدا كاهلو بشعبية متزايدة في السوق الفني منذ سنوات عدة، لدرجة أن البعض يتحدثون عن "فريدا-مانيا". ويقول غراهام دبليو جيه بيل، مدير معهد ديترويت للفنون، لصحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2015: "لا تُظهر فريدا-مانيا أي علامة على التباطؤ". ويبدو أنه بعد ست سنوات أصبحت هذه الملاحظة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها