الجمعة 2021/10/15

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

وزير ثقافة الزعيم

الجمعة 2021/10/15
وزير ثقافة الزعيم
اشتباكات الشياح عين الرمانة
increase حجم الخط decrease
حين أُعلنَ تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي (العونية الباسيلية المَرَدية "الثنائية" الجنبلاطية الطاشناقية الأرسلانية القومية المستقلة، وربما الماكرونية الأسدية)... كنا نودّ الكتابة عن وزير الثقافة محمد مرتضي، من باب الفضول، وإلقاء الضوء على شخصية جديدة، في وزارة لطالما قيل إنها مهمّشة وثانوية وكمالة عدد، ولا مشروع لها، ولا موازنة، ولا رؤية، ولا خدمات، ولا تنفيعات، ويتولاها وزير "غب الطلب"... لكن لم تتوافر، آنذاك، أي ركائز أو أسانيد مهمة للكتابة، وقول المقال، سوى أن الوزير أستاذ جامعي، ومن الوجوه الشابة في القضاء اللبناني، ينتمي الى هوى حركة "أمل" ونبيه بري في السياسة، ومن عائلة بقاعية معروفة، فيها الكثير من الوجوه السياسة. فسَلفُه في الوزارة كان قريبه عباس مرتضى، وقريبه الآخر السفير جهاد مرتضى كان مرشحاً لوزارة... لا تصريحات سابقة للوزير، ولا مواقف، ولا أي أثر ميديائياً يجعله موضع التأويل والتفسير. وعلى هذا، أجّلنا الكتابة، ولم يكن لدينا ما نقوله.

ولم يمر شهر من عمر الحكومة الميقاتية، أو حكومة "العين بصيرة واليد قصيرة"، ولم تعقد سوى جلسات قليلة، حتى تصدَّعتْ بسبب الخلاف حول قرارات واستنابات القاضي طارق البيطار، والتحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت. فسُرّبَ من جلسة مجلس الوزراء، أن وزير الثقافة تولى حملة في التهديد الوعيد، ضارباً يده على الطاولة، متحدياً من يقترب من رفيق دربه الوزير السابق علي حسن خليل، المعاون السياسي للرئيس نبيه بري. وسُرِّب، في المقابل، أن فخامته، كان المُجابِه أو المُواجِه للغة وزير الثقافة، بعبارات "ما منقبل هالطريقة بالكلام"، "ما بسمح بهيك كلام"، "ما بصير هالشي وما بقبل فيه"! وطارت الجلسة... وتحول ما نُقل عن وزير الثقافة نوعاً من شرارة البداية لاندلاع الأزمة الشارعية رداً على القرارات القضائية. انتقل فتيل الأزمة من "المؤسسات" الدستورية إلى شارع القوة والسلاح والقنّاصين، وخطوط التماس السابقة، ومَحاوِر مُسلم-مسيحي، وعبارات مُظاهرة سلمية حضارية وكمين وقناصة وقذائف أر بي جي... واختلط الحابل بالنابل...

في الوقائع والتفاصيل، أن ما حصل قبل ساعات، يتكرر منذ العام 2005. لم يكن مفاجئاً وليس وليد الأمس. بل هو سياق عام لدولة مشتتة بين مِلَل وجماعات ودويلات وحتى جيوش وأسلحة غير شرعية... في الوقائع والتفاصيل، بدا أن حكومة ميقاتي، التي زعم أنه شكّلها من الاختصاصيين غير الحزبيين، مجرد نفاق وضحك على اللحى، ومجرد إلهاء للرأي العام، وشاهد زور على المعابر غير الشرعية لكل شيء، والدولار الذي يحلق كل يوم على حساب الليرة، والبشر... ما نُقل عن وزير الثقافة، وما سُرّب، يبين أنه أبعد ما يكون عن الثقافة بمعناها الحياتي والأدبي والشعري والسينمائي. فهو تجسيد فعلي لثقافة سلطة الطوائف، وكيف تفكر سلطة الطوائف، وتجسيد فعلي لثقافة "الزعيم" وكيف يكون الولاء له... والأخطر من لغة الوزير هو سلوك السلطة برمتها، والأحرى هي سلطات أو مجلس مِلَل من هنا وهناك، فيدراليات متصارعة حاقدة ضغائنية.

وإذا كان الناس ينتظرون إحقاق الحق في قضية انفجار مرفأ بيروت، الذي ذهب ضحيته أكثر من 200 قتيل، ودمّر مدينة، فسلطة حزب الله تسعى جاهدة، وعلى لسان قادتها وأمينها العام، إلى لفلفة التحقيق تحت مسمى "القضاء والقدر"، وبالتالي طي الملف مثل سائر الملفات الكبرى، خصوصاً جرائم الحرب والاغتيالات السياسية... والسلطة العونية التي تزعم أنها تعمل في إطار المؤسسات، سعيدة ومنتشية لأن التحقيق في مرفأ بيروت، تحول نوعاً من تصفية حساب سياسي أو حسابات سياسية، خصوصاً بين ميشال عون ونبيه بري، أو عون وتيار "المردة"، أو عون ورؤساء الحكومات السابقين. فالسلطة نفسها، التي ترفض رفع الحصانة عن رئيس جهاز أمن الدولة طوني صليبا، لملاحقته، ترسل عناصر من أمن الدولة لتبليغ الرئيس حسان دياب باستدعائه للتحقيق... وربما الهمّ الأبرز للسلطة العونية، يتمحور حول رِضى الغرب عن جبران باسيل وفكّ قيد العقوبات الأميركية. على أن الذين يرتابون الآن من قرارات القاضي بيطار، هم أنفسهم كانوا يصفقون للقضاء الذي زجّ عشرات الشباب في السجون من دون محاكم، بذريعة الإرهاب. يومها كان القضاء يخدمهم سياسياً، فكانوا يبتهجون له، ويطالبونه بالمزيد. وعلى هذا، يريد هؤلاء من القضاء أن يكون تابعاً سياسياً ويخدمهم، وليس قضاءً يعدل ويحكم بالعدل..

بمعنى ما، دخل التحقيق في مرفأ بيروت في إطار التسييس وحتى "التطييف" والمعمعة. سلطة "حزب الله" تريد حق القوة، وسلطة عون تسعى الى إرضاء شارعها والمجتمع الدولي تحت منطق "حق المؤسسات"... في المحصلة، أننا في لبنان، عشنا سنوات قاسية من الحرب الأهلية، أنتجت زعامات وأمراء حرب وطوائف، تولوا السلطة بأشكال متفاوتة ومتناحرة، طوال أكثر من ثلاثة عقود، وفي سلوكياتهم كأنهم ما زالوا أدوات لحرب أهلية، ولم يقرأوا يوماً عبارة زهير بن أبي سلمى "وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ"...

وبمعنى آخر، سلطة الحرب الأهلية في لبنان، ترتكب خطايا كبرى في سلوكياتها، ويومياتها، ترتكب جرائم حرب، وترفض الاعتراف وتحمّل النتائج. وفي ما يخص قضية انفجار مرفأ بيروت، لو كان حصل في دولة حضارية لكانت أُقيلتْ غالبية سلطتها، وذهبت الى المحاكم والسجون. أما في لبنان، بلد القتَلة "المقدّسين"، فيبدو أن هناك حكومات عديدة، ورؤساء وقادة، خلال سنوات كانوا شاهدين على قنبلة نووية موقوتة، ولم يتحركوا، وربما لم يُسمح لهم بالتحرك. واليوم يتصرفون بمنطق "أعلم، لم أكن أعلم، لم يُسمح لي، لا دخل لي، ليس من اختصاصي"...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها