الجمعة 2020/01/31

آخر تحديث: 19:52 (بيروت)

نرجسية علي فرزات.. ومَنطق النظام الأسدي.. لا فرق

الجمعة 2020/01/31
نرجسية علي فرزات.. ومَنطق النظام الأسدي.. لا فرق
النرجسية، مركزية الذات، الصفاقة، الإنكار، السذاجة، الضحالة
increase حجم الخط decrease
سبعة وعشرون تعديلًا اضطُرّ رسّام الكاريكاتور السوري، علي فرزات، لإجرائها على منشوره الذي أثار جدلاً واسعًا في فايسبوك، والذي علّق من خلاله على "صفقة القرن".

بدأ فرزات كلامَهُ، أولَ ما بدأ، بجملةٍ قال فيها: "كل مين يقلع شوكه بإيده اللي فينا بسورية مكفينا".

وإذا أردنا البداية من هذه الجملة، قبل المتابعة مع تعديلاتها، فإنّنا وقبل الخوض في فحوى الجملة السابقة، سنجدُ أثرًا من نرجسيةٍ مَرَضية، تبدو أكثرَ شيوعًا بين المنتمين إلى الوسط الثقافي عمومًا، وقد ازداد شيوعُها لدى الوسط الثقافي السوري بعد بداية ثورة الكرامة في آذار 2011. إذ لم يكن للمثقفين أو سواهم من شرائح المجتمع في سوريا (كما لدى أي مجتمع يخضع لنظام حكم فردي) أن يشعروا بمثل هذه الأهمية قبلًا، في بلادٍ لا مهمّ فيها سوى الرئيس!

لكنّ إحدى أهمّ القيم التي أعادتها انتفاضات الربيع العربي إلى الواجهة، هي قيمة الفرد. فقد أعيدَ الاعتبارُ لإمكانية الأفراد بأن يكونوا جزءًا من عمليّة التغيير التاريخية التي تصيبُ بلدانهم. لكنّ الحال أنّ ما يميّزُ بعض المنتمين إلى أوساط النخبة الثقافية هو إحساسهم بأنّهم قادة لعمليّة التغيير هذه، وليسوا جزءاً منها فحسب. وفرزات، الذي صرّح يومًا بأنّ ريشته هزّت نظام الأسد، وفي مرّةٍ أخرى أنّ غباء النظامين العراقي والسوري كان له الفضل الأكبر في "دفع مسيرته الفنية"، واحد من أولئكَ الواهمين النرجسيين.

وبالعودة إلى منشوره الأخير، فإن أول تعديلٍ أجراهُ فرزات عليه كان بإضافة: "اللي بيعمل بإيده الله يزيده". ثمّ انهالت التعديلات، بعدما أثار المنشورُ وتعديلُهُ الأول سخطًا شديدًا، لدى بعض الأوساط، السورية والفلسطينية على السواء. ما أجبرَ الرجلَ على توضيحِ مقصده في إحدى التعديلات:

"كل مين يقلع شوكه بإيدو اللي فينا بسورية مكفينا
اللي بيعمل بإيدو الله يزيدو.. شفناهم فوق وشفناهم تحت بمأساتنا
وين كنتوا لما تمت صفقة القرن بين عرفات وكيسنجر وتابعها العراب عباس في اوسلو مع طرطور إيران آية الشيطان هنية؟؟؟
لك ما بتخجلوا على حالكم وانتوا عما تشوفوا فصائلكم عما يقتلوا السوريين هم واطفالهم وامهاتهم اللي وهبوا حياتهم ورواتبهم وخدموا عسكرية وحاربوا لأجل فلسطين من 70 سنة... لعلمكم نحنا ضحينا بدون منية لأن فلسطين سورية".

المشكلة لا تنحصر في ما قاله فرزات. المشكلة بالأساس تكشف ضحالة تفكير، وعُقدة أنا متضخمة، أدّت إلى كتابةِ ما كُتب. فما الذي فعلُهُ الفلسطينيون لكي يكون ما جرى ويجري لهم، وآخره الصفقة الصفيقة، حصاداً لما زرعتهُ أيديهم؟!

فهذا منطقٌ سوّقتهُ مخابرات نظام آل الأسد، أباً وابنًا، منذ انقلاب حافظ الأسد العام 1970 واستيلائه على السلطة، فتم تحميل "منظّمة التحرير"، مُمثّلةً في ياسر عرفات تحديدًا، مسؤولية كلّ الهزائم التي لحقت "بالقضيّة المركزية". علمًا أنّ حافظ الأسد كان وزير الدفاع في مرحلةِ نكسةِ حزيران 1967، والتي احتلّتْ خلال إسرائيل الجولان أيضًا. أيْ أنّه من الطبيعيّ أن يقوم أيّ جيش في العالم بمحاولةِ تحريرِ أرضِه من محتلّيها، ولا منّةَ في ذلك لسوريّ على فلسطيني، فالمعركةُ لم تكن من أجلِ فلسطين كما ادّعى الأستاذ فرزات.

ولكي يُثبتَ لنا الفنان العالمي أنّ منطقهُ يماثل منطق المخابرات السورية، فقد اعتبرَ أنّ السوريين خاضوا معركتهم إلى جانب الفلسطينيين (لا أدري متى بالضبط) بلا منّة، باعتبار "فلسطين سوريّة"!

وهو المنطق ذاتهُ الذي جعلَ نظام الأسد يتعاملُ مع لبنان مثلًا، على أنّه محافظة من محافظات سوريا. مستندًا إلى أنّ اسمَ هذه البقعة بكاملها: بلاد الشام. يا للدهاء!

دهاءٌ ولمّاحيّة لم تتميّز بها آراء الرجل السياسية فحسب، إنما يُمكنُ اكتشافهما أيضًا في عدد ملحوظ من رسومه، كأن يرسمَ شخصًا يُفترض أنّهُ يمثّلُ الثورة، يُمارسُ الجنس مع امرأةٍ يُفترض أنها تُمثّلُ روسيا الاتحادية، دلالةً على مآل العدوان الروسيّ الغاشم على بلادِنا!

وفي جميع الأحوال، فإنّ مثل هذه الصفات مجتمعةً، ليست غريبةً على الفنان العالمي. فما الذي يجبُ أن يميّزَ فنّانًا قضى معظمَ حياتِه يرسمُ لجريدتي "البعث" و"تشرين" الناطقتين باسم النظام في سوريا الأسد. قبل أن يُستصدرَ لهُ استثناء بفتح جريدة خاصّة، وكانت الأولى منذ العام 1963 في سوريا، وهي جريدة "الدّومري" التي أطلقها العام 2000، حينما ورث صديقُهُ الشخصيّ (سابقًا) بشّار الأسد حكمَ الجمهورية؟!

فوفقَ مقالٍ منشورٍ في جريدة الغارديان البريطانية في الثالث من نيسان/أبريل 2001، فإنّ زائرًا غير متوقعٍ دخل أحدَ معارض الفنان العالمي، ولمّا أدهشته الرسوم، وكان منها ما هو ممنوعٌ، وفق الصحيفة نفسها، قال إنّه يجبُ نشرُ هذه الرسوم رغم ما تحملهُ من نقدٍ للسلطة. وما كان الزائرُ آنذاك سوى الشاب العشريني بشار الأسد، الذي، وبالصدفة البحتة، صار بعد هذه الزيارة بسبعِ سنواتٍ رئيساً لسوريا كوريث لوالده، فمنح فرزات استثناءً لإصدار الدّومري

النرجسية، مركزية الذات، الصفاقة، الإنكار، السذاجة، الضحالة والاستعداد للاستمرار في الخطأ مهما كلّف الأمر. ألا يتماثل الفنان العالمي، في هذه الصفات، مع النظام الذي خرج السوريون في وجهه؟!

لقد دافع الفلسطينيون عن قضيّتهم طوال تاريخهم بكلّ الوسائل المتاحة، سلميًا وبالسلاح. سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا. وكانوا أكفّاء في ما فعلوا إلى الحدّ الذي أوصلَ قضيّتهم إلى مجتمعاتٍ، لم نستطع، رغم عدالةِ قضيّتِنا السورية، الوصول إليها، لأسباب كثيرة ليست هذه المادة مجالاً لذكرها. لكنّ من بينها، ربما، التعويل على ما لا يُعوّل عليه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب