السبت 2019/07/13

آخر تحديث: 12:45 (بيروت)

كرافات كامل الأسعد.. وكرافات "حزب الله"

السبت 2019/07/13
كرافات كامل الأسعد.. وكرافات "حزب الله"
الوزير جبق في طرابلس
increase حجم الخط decrease
منذ وفود "ثقافة" حزب الله إلى لبنان في بداية الثمانينات، اشتهر عناصره وجمهوره ومحازبوه بأنهم لا يصافحون باليد ولا يرتدون الكرافات أو ربطة العنق، قطعة القماش المكملة لأناقة ثياب الرجال. وخيار "حزب الله" في الثياب والطقوس، لم يعد خافياً على أحد، فهو امتداد لقرار بدأ مع انتصار الثورة الايرانية العام 1979، اذ حظر روح الله الخميني ربطة العنق، إذ أراد التخلص من "الاستكبار" والثقافة الغربية في المجتمع الإيراني ودعم حظره بفتاوى دينية، وباتت إيران وحدها في العالم من يرفض أو يمنع ارتداء ربطة العنق. 

والمعروف والمشهور بين الفقهاء والمرجعيات الدينيّة، هو جواز لبسها، بل حكم بعضهم بجوازها ولو كانت من الحرير الخالص؛ لمبرّرات فقهيّة. واعتبر بعضهم أنّ الأولى تركها، وذهب آخرون ـ مثل صادق الشيرازي ـ إلى كراهة لبسها. وعرف عن السيد علي الخامنئي، وريث الخميني في "ولاية الفقيه"، القول بحرمتها مطلقاً، سواء لمواطني الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية أم لغيرهم. وحين زار رئيس الوزراء العراقي (الأسبق) نوري المالكي، إيران، وليبرهن عن ولائه لطهران، تخلى عن ربطة العنق في مشواره، وعلى هذا تبدو هذه القطعة من القماش التي يشبهها بعض الخمينيين بالصليب، دالة على سياسات وأقنعة اجتماعية، وكثيراً ما تحولت عنواناً لمناكفات سياسية وثقافية، ولها وقعها في النسيج الاجتماعي...

وحين بدأ الاعلامي عماد مرمل الذي يفتخر بأنه "ولد في زمن المقاومة"، تقديم برنامج سياسي عبر قناة "المنار"، وكان يرتدي ربطة عنق، بدا بالنسبة للإعلاميين "خرقاً" لمنظومة ثقافة "حزب الله" الخمينية الرافضة للثقافة الغربية. وباتت ربطة عنق مرمل نوعاً من دعاية له، في محطة ترتدي مذيعاتها الثوب الشرعي الذي يقرب أحياناً من التشادور، ويمتاز مذيعوها بأصواتهم الجهورية كأنهم في حالة حرب دائمة، وبلا كرافات طبعاً.

وكثيراً ما تكون الثياب، وربطة العنق تحديداً، ذات دلالة قاسية ومعبرة. إذا عدنا الى ما قبل وجود "حزب الله" وتشكله، وفي جنوب لبنان تحديداً، نجد نوعاً آخر من منع ربطة العنق. نقرأ في كتاب "الإمام موسى الصدر وشيعة لبنان"، للكاتب الاميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي، أن أحمد بك الأسعد، كان يرتدي طربوشاً وكان مفتول الشاربين نحو الأعلى مثل القبضايات. كان رئيساً للمدرسة القديمة، أما ابنه (كامل)، فلم تكن له اية علاقة بالطربوش. كان رجلاً حديثاً، من انتاج المدينة. لقد درس القانون في السوربون، وذكر كرة المضرب كواحدة من هواياته... توفي أحمد بك الاسعد، لكن ابنه الذي خلفه في بدايات الستينات، جعل رجال الجنوب اللبناني يفتقدون الرجل العجوز بطربوشه وطغيانه ذي الطراز القديم. فرغم قساوة الرجل العجوز، فهو كان من شعبه وناسه، تكلم لغتهم، وأكل مثلهم. أما البك الشاب، كامل، فكان يكره الجنوب وأساليبه. يسخر من رجال منطقته في العلن. لقد قيل بحسب فؤاد عجمي المتأمرك، أنه لم يُسمح لأي شيعي، يرتدي ربطة عنق، بمواجهة كامل. كان على الرجال البارعين والمثقفين والاغنياء، الذين يسمح لهم بالدخول لمقابلته، خلع ربطات عنقهم. فقط البك يستطيع أن يرتدي لباساً حديثاً، وكان على البقية أن يتجنبوا غضبه، عليهم أن يكون فلاحين، ملاءمةً لسلطته. 

وعلى هذا، عاش الجنوبيون مع "لغز" ربطة العنق بين مَنعَين، المنع الاقطاعي السمج والبائس الذي يريد للمجتمع أن يبقى في الحضيض تسهيلاً لتمدد سلطته، لكن هذا السلوك مهد لصعود دور الإمام موسى الصدر وتمدد سلطته. أما المنع الإيديولوجي، الحزب إلهي للكرافات، فهو غير المبرر، فمن يعتبر الكرافات ثقافة غربية واستكبارية، عليه أن ينتبه إلى أن الجينز ثقافة غربية أيضاً، وسيارة الدفع الرباعي أميركية، حتى ثقافة الحياة تطبع في أروقة المدن الغربية...

ومع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الاميركية، وكان "عازماً" على اتخاذ اجراءات ضد النظام الإيراني بسبب برنامجها النووي، اختار "حزب الله" منحى مغايراً إلى حد ما في سياستة الداخلية. فعين طبيباً مقرباً منه وزيراً للصحة، هو الطبيب جميل جبق، البعلبكي المولود في بلدة مقنة. ويقال إنه ليس "منتسباً" للحزب، ويرتدي الكرافات ويصافح النساء باليد، وقام بجولات على المستشفيات والمناطق والدساكر، وأطلق وعوداً شعبية واجتماعية استشفائية و"إصلاحية"، وبات حضوره مقبولاً، حتى في المناطق (السنيّة) والأكثر تشدداً. وبإزائه قالت مي شدياق، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، قبيل جلسة إقرار البيان الوزاري: "لو كانت لحزب الله النية بتحدي المجتمع الدولي، لما عيّن وزيراً للصحة بربطة عنق". ولم يكن قول الوزيرة التي تعرضت لمحاولة اغتيال، إلا تبريراً للمشاركة "القواتية" في الحكومة الى جانب "حزب الله"، فالنافل أن هذه ليست المرة الأولى التي ينتقي فيها "حزب الله" وزيراً بربطة عنق. فسبق أن عيّن الشاعر والروائي ابن الهرمل، طراد حمادة، وزيراً في حكومة السنيوروة، وسرعان ما استقال مع الوزارء الشيعة وكان البلد في ذروة الانقسام والمواجهات والاغتيالات...

واللافت حالياً أن الوزير جميل جبق، وزير "حزب الله"، الحزب الذي كان رأس حربة في تكريس ثقافة الانقسام والفرز منذ العام 2005 وربما ما قبل، بات مُرحَّباً به في مناطق خصومه (السنيّة، المستقبلية وغيرها)، اذ قدر من خلال "سياسة" رجل يرتدي الكرافات أن يتواصل مع مختلف الأطراف من اللبنانيين. بينما حليفه جبران باسيل "الوطني الحر"، في كل مشوار يصطدم بالشارع والناس بسبب لسانه ومواقفه. لكن مع تشديد إدارة ترامب العقوبات على "حزب الله"، وقد طاولت بعض نوابه وقادته (محمد رعد، وفيق صفا، محمد شري)، يبدو أن السياسة الداخلية اللبنانية مجرد تفصيل وسط بحر من الأزمات الاقليمية والدولية. والأمور لا تحل بكرافات وزير، و"حزب الله" الذي يتعرض الآن لعقوبات أميركية ويطالب بموقف لبناني موحد من القضية، كان في وقت سابق يقف متفرجاً أو شامتاً، عندما كان النظام السوري يتهم بعض السياسيين اللبنانيين بالإرهاب، وبينهم رئيس الحكومة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها