الأحد 2019/05/19

آخر تحديث: 08:21 (بيروت)

هشام غصيب: الطيب تيزيني البعثي الناقد للنظام البعثي(*)

الأحد 2019/05/19
هشام غصيب: الطيب تيزيني البعثي الناقد للنظام البعثي(*)
increase حجم الخط decrease
قبل أكثر من عقد من الزمان، دعيت إلى مهرجان ثقافي في مدينة الرقة السورية. وقد انطلقنا أنا ومجموعة من المدعوين من دمشق في باص كوستر عتيق، قاصدين حمص، وبالذات منزل المفكر السوري الكبير الطيب تيزيني في حمص لأخذه معنا إلى الرقة. بعد ذلك، انطلقنا صوب الرقة، تلك المدينة السورية العريقة والجميلة والتي كانت هادئة وادعة آنذاك قبل أن يطأ أرضها الطهور وحوش الأرض وجرذانها، وذلك في رحلة طويلة شاقة. وقضينا الساعات الطويلة، الطيب وأنا، نتجاذب أطراف الحديث، الذي تركز على سوريا وأوضاعها. والمعروف أن الطيب كان بعثيا ماركسيا، لكنه كان صريحا جدا في نقده السلطة السورية وتراجعها على صعيد علمانية الدولة والحريات الديموقراطية. وأبدى قلقه الشديد من تنامي نفوذ التكفيريين في المدن والبلدات السورية. وقال إن هناك بعض الأحياء في دمشق لا يجرؤ أحد على دخولها لفرط سيطرة التكفيريين عليها. وأخبرني بأنه يرفض أن يترك هذا السرطان يتفشى من دون أن يحاول معالجته والتصدي له. وقال إنه يذهب طوعا إلى الأحياء التكفيرية في دمشق من أجل الاستماع لهم ومحاولة فهم ما يقولونه، ومن أجل محاورتهم وبيان تناقضات مواقفهم. وقد لفت نظري صراحته في نقد الحكومة السورية وسياساتها الداخلية. وفي الرقة، التقيته مرة أخرى في صالون ثقافي حضره عدد من المثقفين السوريين وبعض قياديي حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد أنصت إليه البعثيون باهتمام واحترام، رغم صراحته في نقد الحكومة السورية.

واشتركت معه في ندوة ثقافية ضمن فعاليات المهرجان الثقافي. ولاحظت إصراره على اتخاذ موقف نقدي صريح من الحكومة السورية وبيروقراطييها. وأكبرت فيه هذه الصراحة والجرأة والثبات في الموقف. بعد ذلك بسنتين أو ثلاث، التقيته في عمان وأقمت حفل عشاء في النادي الأرثودكسي على شرفه وشرف زميله أحمد برقاوي. ولم يتراجع في هذه الجلسة عن نقديته التي سبق أن أبداها في سوريا، لكنه لم يكن مبتذلا في نقده، بعكس زميله، الذي كان مبتذلا وعدوانيا، والذي هاجم أستاذه تيزيني بابتذال لافت للنظر. رحم الله مفكرنا الكبير الطيب تيزيني، الذي قدم الكثير إلى الثقافة العربية الحديثة وإلى الفكر الماركسي العربي.

(*) مدونة كتبها الباحث هشام غصيب في صفحته الفايسبوكية
_______________
 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها