السبت 2019/03/16

آخر تحديث: 17:08 (بيروت)

الظريف و"المتفوق الأبيض" وعدو الديموقراطية

السبت 2019/03/16
الظريف و"المتفوق الأبيض" وعدو الديموقراطية
المتفوق الأبيض مر من هنا
increase حجم الخط decrease
في زمن حروبنا اللبنانية الطائشة، كان الهدف الأسهل لمختلف المتحاربين من اليمين واليسار، التصويب على الدولة وبنياتها والإجهاز على مؤسساتها وسرقتها والمساهمة في تصدعها وتفككها بحجج واهية. واليوم مع اعتداء الاسترالي برنتون تارانت، على المصلين في مسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، يبدو أن بعض الايديولوجيات والعنصريات المستجدة، التقت مع الارهابي على العداء للديموقراطية عموماً، والديموقراطية الغربية خصوصاً. فقد عزا وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، سبب الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا، لديموقراطيات الغرب التي تفسح المجال لترويج التعصب بلا أي عقاب تحت مسمى حرية التعبير. وكتب ظريف في "تويتر"، أن ديموقراطية الغرب وعدم محاسبة المروجين للتعصب، أدت إلى دخول الإسرائيليين إلى المساجد في فلسطين وإهانة المسلمين، كما أدت إلى وقوع حادث نيوزيلندا ومقتل 49 مسلماً. وأضاف أن النفاق الغربي في تبرير "شيطنة المسلمين" على أنها نوع من الحرية في التعبير عن الرأي... يجب أن يتوقف". 

غريب هو موقف وزير الجمهورية الاسلامية، وغرابته أن من يسمعه يحسب أن جمهورية ولاية الفقيه أعطت الأفراد والجماعات حقوقهم، وصارت عنواناً للتسامح وقبول الآخر. لم يتحدث ظريف عن ثقافة ثلاثة قرون من الثورة الايرانية القائمة على تعميم لغة "الشيطان الأكبر" أو رفض الآخر والهتاف بالموت له. لم يتحدث عن التمييز بحق الأقليات في إيران، أو عن مصير المرشح الرئاسي مير حسين موسوي، أو مصير آلاف المعارضين. ولم يتحدث عن دور إيران في صناعة تنظيم "القاعدة واخواتها". ويتقاطع قول الدبلوماسي الايراني البشوش، في نظريته عن الديموقراطية، مع سفاح نيوزلاندا أو "الإرهابي الأسترالي"(*) الذي قال في بيان إرهابه إن "الديموقراطية هي حكم الغوغاء، والغوغاء أنفسهم يتحكّم بهم أعداؤنا. الصحافة العالمية والشركات تسيطر عليهم، والنظام التربوي يتحكم فيهم، الدولة تتحكم فيهم والماكينة الإعلامية المعادية للبيض تتحكم فيهم". ويدعو الارهابي الاسترالي للتحضير للحرب والعنف لأن "القوة هي الطريق الوحيد إلى السلطة والطريق الوحيد إلى النصر الحقيقي".

وقبل تارانت، كتب النروجي أندرس بريفيك، قبل تنفيذه اعتداءين في 22 يوليو 2011، أسفرا عن مقتل 78 شخصاً معظمهم "يساريون" ينتمون إلى حزب العمال كانوا يشاركون في مخيّم صيفي، في بيان يحمل عنوان "2083 – إعلان أوروبي للاستقلال": "سنة 2000، أدركت أن النضال الديموقراطي ضد أسلمة أوروبا وضد التعددية الثقافية في أوروبا خسر".
 
برنتون تارانت الذي يذكرنا ارهابه بمشهدية إجرام الموظف اللبناني أحمد منصور بحق زملائه قبل نحو عقدين، في احدى مؤسسات الدولة اللبنانية، يختار رموزه من العنصريين أو المعادين للمهاجرين والحياة الديموقراطية، من أمثال الفرنسية لوبان، أو غلاة المجازر في صربيا مع أغانيهم. بل إن بيانه قائم كله على العداء للآخر، والديموقراطية بحسب آلان تورين(**)، علة وجودها هي "الاعتراف بالآخر"، كما أنها ليست ضرورية إلا إذا كانت ترمي إلى تسهيل الحياة المشتركة بين أفراد وجماعات مختلفين ومتشابهين في آن واحد، وينتمون إلى مجموعة واحدة، في الوقت الذي يتميزون عن الآخرين بل ويتعارضون معهم. لكن الاعتراف بالآخر ليس موقفاً وحسب، إنه يقتضي أشكالاً تنظيمية مجتمعية متعارضة على وجه الإجمال مع الأشكال التي أوجدتها حرية القدماء.

كما أن الديموقراطية تتحدد على نحو أوضح بالأعداء الذين تقارعهم، أكثر مما تتحدد بالمبادئ التي تدافع عنها، فهي تتعرض للخطر في كل الأماكن التي يتبنى المجتمع فيها رفض الآخر ونبذه. وهذا يبدو واضحاً في معظم البلدان الأوروبية التي تشهد صعوداً لليمين المتطرف، او حتى في خطاب الأميركي دونالد ترامب الذي يتصدى له الواقع السياسي في اميركا. وهذه هي ثقافة ظريف ومعظم اليمين الأوروبي والأحزاب القومية والايديولوجية العربية، او ثقافة بشار الأسد الذي يتحدث عن "مجتمع متجانس"، بعد تشريد ملايين السوريين المعارضين من ديارهم، من دون أن ننسى نتنياهو ونظرية "وطن قومي لليهود"...


(*) هذا المقال إشارة الى جانب من بيان الإرهابي الأسترالي، فهناك الكثير من الجوانب التي يمكن التعليق عليها مثل العرق الأبيض، العداء للاسلام والهاجرين، وحادثة فيينا، وسقوط القسطنطينية. وظهر الإرهابي الأسترالي اليوم السبت الموافق 16 آذار/مارس 2019، أمام محكة نيوزيلندية وهو يرتدي ملابس السجناء ومكبل اليدين، إذ وجه له القاضي تهمة القتل، من دون أن يتفوه في المقابل بكلمة واحدة. لكن كان من اللافت أن تارانت، أثناء مثوله أمام المحكمة، ضم أصبعيه -السبابة والإبهام- على شكل دائرة، وأرخى بقية أصابعه مفرودة في إشارة يرفعها دائما من باتوا يعرفون بـ"المتفوقين البيض". ويؤمن هؤلاء بتفوق الجنس الأبيض على بقية الأجناس، ويعارضون بشدة الهجرة، وقد يتورطون أيضاً في إيذاء المهاجرين بمجتمعاتهم.

(**) صدر كتاب "ما هي الديموقراطية" لآلان تورين، عن دار الساقي، بترجمة حسن قبيسي.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها