الخميس 2019/12/12

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

عايدة صبرا لـ"المدن": جيلُنا الخانع.. أيقظه ثوار "بلاي ستايشن"

الخميس 2019/12/12
عايدة صبرا لـ"المدن": جيلُنا الخانع.. أيقظه ثوار "بلاي ستايشن"
increase حجم الخط decrease
شاركَت الفنانة والمسرحية اللبنانية، عايدة صبرا، في العديد من تظاهرات ثورة 17 تشرين الأول. والفنانة المخضرمة، التي عاشت الحرب اللبنانية واشتغلت في المسرح وتدريس التمثيل في الجامعة اللبنانية، وما زالت تكتب وتُخرج للمسرح، تمثّل جيلاً من الفنانين والمثقفين اللبنانيين الذين يمكن وصفهم بأنهم على تماس مع أكثر من مُعطى في المشهد اللبناني الراهن، إن من حيث العلاقة مع الشباب عموماً والشباب الفنانين خصوصاً، أو من ناحية اشتغالها بالعمل الثقافي خلال حقبات مختلفة من الاجتماع والسياسة في البلد: الحرب، سِلم "الطائف"، مرحلة الاغتيالات في 2005، ثم 7 أيار 2008، وصولاً إلى ارتدادات "الربيع العربي" على لبنان وحراكات أزمة النفايات، واليوم الثورة المستمرة.

ولاستكشاف رؤيتها لثورة 17 تشرين ومآلاتها، كمواطنة وكفنانة، كان لـ"المدن" معها هذا الحوار...

* في رأيك، ما الذي غيّرته الثورة اللبنانية، في الخطاب الثقافي اللبناني السائد؟ وهل هذا تغيير باقٍ ويتطور؟ أم زائل في حال خفت نبض الثورة لسبب من الأسباب؟


- من أبرز نجاحات ثورة 17 تشرين أنها وفرت ساحات لتلاقي اللبنانيين، لا سيما للتعبير عن همومهم المعيشية، كما شجعت على تمازج أفكار وعادات واهتمامات، وهو ما كان قبل ذلك محصوراً في بيئات ضيقة. وكشفت الثورة استعداد الناس للبوح بما يفكرون فيه، وكيف أنهم يتوقون إلى التعبير بحرية غير مسبوقة. وجدنا ههنا انفتاحاً جاهزاً. تعرفنا على شبان وصبايا يملكون وعياً ومعارف جديدة، نتيجة تأثير التكنولوجيا والسوشال ميديا، وارتباطهم بمَصادر للمعرفة مختلفة عن أسلافهم والمثقفين من قبل، ومعلوماتهم متنوعة. لا يشبهون الجيل السابق، ولا الماضي، ولا هم مسؤولون عن الماضي أصلاً، بكل لعناته وأوساخه. حضور هؤلاء الشباب في الساحة، قوي، الفئة العمرية شبابية جداً، لأنهم يعتبرونها ثورتهم. فهم يرون الأفق، من دون الثورة، مسدوداً، ويريدون وطناً يليق بأحلامهم: كهرباء، ماء، بيئة نظيفة، قانون، محاسبة ورفض للسلطة التقليدية، وانطلقوا للمواجهة بكل شجاعة. قرأتُ مؤخراً عن شخص سألوه: لماذا أنت على جسر الرينغ، فقال: أعرف أن للمكان رمزية معينة تتعلق بالحرب، لكن هذا لا يهمني، لا يعنيني وليس صنيعتي، أنا الآن أريد التقدّم للأمام... يريد أحلامه. الجيل القديم، ونحن منه، ملام. لم نستطع أن نفعل شيئاً أو نتمرد أو نثور على الحرب وما بعدها. كنا في حالة خنوع، وبعضنا لم يستطع خلع طائفته، وربما وضع بعضنا الآخر شروطاً للتلاقي مع الآخر. أما هؤلاء الشباب، فأحرار، وهذا مُطَمئن، لأنهم مستعدون للذهاب حتى النهاية. نرى أولاداً أيضاً، تلامذة المدارس. تحدثوا بوعي عال عما يريدونه، وعن وطن يليق بطموحاتهم، وإصرارهم على تحقيق المطالب.

في المدى القريب، لا نستطيع أن نعرف تأثيرات الثورة في الخطاب الثقافي، لأن هذا يحتاج وقتاً. ربما بدأت التأثيرات على الخفيف، لكنها لم تصبح حالة بعد، باستثناء الأغاني السريعة عن الثورة ومنها. الأهم هو حاجز الخوف الذي كُسر، والثقة العالية بالنفس. ربما حين يختمر هذا كله، ستولد لغة تواصل جديدة، وربمل يتكشف مضمونها عن عقليات جديدة، لأن إدارة هذه الثورة أصلاً تتم بعقلية جديدة، من قبيل أنها بلا قيادة. الثوار لهم أساليبهم، وتبدو لي ذات فعالية أكبر. مثلاً، في "فايسبوك" و"تويتر"، نرى آراءهم كم هي مُختزلة وذكية وغزيرة، يعرفون ما يريدون. اختفت المطوّلات والخطابات القديمة.

هذا الجيل، جيل "بلاي ستايشن"، اكتسب مهارات لها علاقة باتخاذ قرار سريع، واستنفار دائم للتصرف، لعبتهم تجاوُز العوائق. أرى إبني كيف يلعب وإدارته السريعة للعبة. لكن النتائج في حاجة إلى وقت، ما زلنا في البداية. في مقابل 30 سنة من الفساد والطوائف، ليس سهلاً تحقيق إنجازات كبرى خلال أسابيع. لكن هناك إنجازات تتراكم. انتفاضة النبطية، وصور، وغيرهما.. حضور الشباب رغم العدد القليل. رمزية المنطقة وتعبير الناس. البقاع والشمال. الخطاب الثقافي للجيل الجديد، كيف يتساعدون في ما بينهم. الخطاب طبعاً يتطور. المهم التراكم. لا أعتقد أنه سيزول إن خفت نبض الثورة بعد قليل، لأنه ليس مجرد حضور في الساحات، بل إنجازات صغيرة متنوعة، أما التغيير الكلّي فيحتاج وقتاً طويلاً.

* بما أنك كنتِ، في فترة ما، مُدرِّبة وأستاذة في تدريس التمثيل، وما زلتِ تعملين مع فنانين شباب.. كيف ترين تأثير الثورة في علاقتك بهم؟ هل يمكننا القول أنك اكتسبت شيئاً جديداً منهم هذه المرة؟ أم أنك، واياهم سوية، تتعلمون جديداً في أجواء هذه الثورة؟

- لقد تركتُ التدريس في الجامعة اللبنانية في العام 2008، ثم درَّستُ الترجمة في الجامعة اليسوعية لفترة. والآن أكتفي بالمشاركة والمشاهدة. مؤكّد أن الشباب يتأثرون. الثورة دخلت كل بيت، وحتى بين مناهضيها لها تأثير. المهم أنها حاضرة يومياً. الثورة هي فعل يومي، ولا تنحصر في الساحة. والشباب هم طبعاً محورها ومحرّكها.

* ما هي مآلات الثورة برأيك، في البلد عموماً، وفي ما يخص الأفراد والفنانين خصوصاً؟ وكيف ستنعكس في الانتاج الثقافي اللبناني، لا سيما المسرح، بعدما سادت طويلاً تيمة الحرب الأهلية وذاكرتها، ولبنان النظام الطائفي وما شاكل؟ وأي كليشيه يُخشى منه؟

- قبل سنة، كتبتُ مسرحية بعنوان "طقس بيروت" (Meteo Beirut)، عن واقع مأزوم نعيشه، اليأس وتأثيرات الماضي، وتأثيرات الحرب المبطنة، وكيف أن الأفق مسدود والناس طوال الوقت يتحدثون عن الهجرة. ذات مرة، كان الطلاب يشاهدون، ويناقشون، وسألوا لماذا كتبتها، ولماذا كل هذا الإحباط. أخبرتهم من أين أنا آتية، وكيف عشت الحرب، وأني لا أرى أفقاً لهذا البلد. بالفعل استغربت مدى ايجابية تفكيرهم، لدرجة أني استحيت. رأيت تعلقاً عالياً بالوطن، وإصراراً على التغلب على الوضع. في الثورة، استيقظ الأمل. بعض الناس كانوا يفكرون في السفر، ثم غيروا رأيهم وقرروا البقاء، على الأقل ريثما تتضح نتائج الثورة. هذه الثورة لا تشبه التحركات السابقة، لكنها ليست يتيمة. في البداية كان تحرك العام 2011 ضد النظام الطائفي، ثم حراك أزمة النفايات. ثمة تراكمات. ربما لا نحقق شيئاً اليوم، لكن الثورة على الأقل مفيدة لمراكمة المزيد. يجب ألا ننسى أننا أمام حيتان خربوا الدنيا، واقتلاعهم مهمة صعبة جداً. لكن الشبيبة اليوم يملكون حسّ انتماء للوطن، والذي فقَده جيلنا في مكان ما، والانتفاض سعي يومي، في البيت والمدرسة وحتى في الفن. لا بد أننا سنرى المزيد من الأعمال الفنية المحفّزة على التغيير، والشباب اليوم مُحاط بأفكار تدعوه للتغيير، وهو يرى واقعه المأزوم ويرى حقوقه ويتشبث بها. أنا شخصياً، فتحت الطريق لأولادي ليسافروا، بعدما سيطر علينا الإحباط. نحن لم نفعل شيئاً، ولا فعل المثقفون خلال الحرب. اليوم، ما عاد هناك مكان للتنظير لأنه لم يوصلنا إلى مكان، ويجب ترك الشباب لقيادة الأمور. لاحظتُ مثلاً، في الندوات التي استضافتها ساحات كثيرة، كيف يتحدث أحياناً مناضلون أو مثقفون من الجيل القديم، يغرقون في التنظير، في حين أن الناس تطالب المتحدث، ليس فقط بالتوصيف واللوم، بل بخطوات عملية للخروج من الأزمة، بمختلف أشكالها.

منذ فترة، حضرتُ عرض "ستاند أب كوميدي"، هذا الفن يعتمد على الحدث الآني، لذلك بدا خارجاً من قلب الثورة، وتناول السياسة بطريقة ذكية. لكن، بعد ذلك، يصعب التكهن بالطريقة التي ستُترجم فيها الثورة في الفنون. الحقيقة، وبالعودة إلى سؤالك، حتى الحرب الأهلية لم يتم، حتى الآن، تناولها بالقدر الكافي والعمق المطلوب. خلال الحرب، وبعدها، خرجت بضعة أعمال، لكننا لم نرَ نتاجاً يشكل حالة للحكي عن الحرب الأهلية بتفاصيلها. حتى في السينما.. بضعة أفلام. هذه الثورة، ربما تظهر آثارها الآن في شكل العروض وليس بالضرورة في المضمون، فشهران من الزمن ليسا كافيَين لتكوين ذاكرة. ربما نرى ثورات في الرؤى، وليس بالضرورة في الكتابة. أما الكليشيه الذي يُخشى منه، فربما يكون استعمال الثورة كيفما كان، من دون معناها الحقيقي. الخشية من الابتذال. لكني لا أرى ما ينذر بذلك حالياً، ما زال الوقت مبكراً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها