الإثنين 2018/08/27

آخر تحديث: 12:37 (بيروت)

وجدي الأهدل لـ"المدن": اليمن يحصد اليوم ما زرعه بالأمس

الإثنين 2018/08/27
وجدي الأهدل لـ"المدن": اليمن يحصد اليوم ما زرعه بالأمس
"منذ عقود، واليمن ينفق أمواله على الجيش والأمن والقبائل.. فليس غريباً أنه الآن بلا مشروع ثقافي"
increase حجم الخط decrease
صدرت عن دار هاشيت أنطوان/ نوفل رواية "أرض المؤامرات السعيدة" للكاتب اليمني وجدي الأهدل. وهي رواية زاخرة بالأحداث والسرد الجريء الكرونولوجي. ويحيلنا فيها الى مشاهد وأحداث قريبة منا من خلال التطرق الى نزاهة القضاء وتحوّلات اليسار والمثقف الانتهازي ولا جدوى النشاط الحقوقي والمجتمع المدني، وتأتي بعد مجموعة كبيرة من الروايات والقصص والتجارب الأدبية، وبعد تعرضه للمنع والرقابة أكثر من مرة، وبعد حرب شرسة تعصف باليمن وناسه. هنا حوار معه.

- ما الذي يجعلك الآن تختار موضوعاً عن الاغتصاب وزواج القاصرات والمحاكم والصحافي الفاسد والمثقف الانتهازي في خضم الحرب في اليمن؟

* اليمن الآن يحصد ما زرعه بالأمس! أحدهم زرع في أرضه بصلاً، ثم يأتي وقت الحصاد ويقول ما بال أرضي لا تثمر برتقالاً؟! خلال العقود الأربعة الماضية أنفق اليمن أمواله على ثلاث فئات هي: الجيش، الأمن، القبائل. وهذا يعني أن هذه الدولة قد استثمرت معظم الموارد المالية المتاحة على مدى سنين طويلة لتعزيز قوة الجيش والأمن والقبائل. كم أنفق اليمن على الثقافة؟ لو راجعنا ما أنفق على الثقافة منذ العام 1980 حتى اليوم، سنجد أنها مبالغ متواضعة. اليمن لم يستثمر في الثقافة، لذلك ليس لدى اليمن مشروع ثقافي، وغياب هذا المشروع الثقافي منذ الثمانينات ظهر أثره في سنوات لاحقة، فازدهرت المشاريع الدينية، واستحوذت القبيلة على المشهد السياسي فهي التي تنتخب الحاكم لا صناديق الاقتراع.

- هل هذه القضايا كانت مقدمة للحرب؟

* نعم. أيّ بلد يرضى بالظلم ستكون عاقبته وخيمة. من المهم أن تكون القوانين عادلة، وأن تمتلك الدولة القوة الكافية لتطبيق العدالة. الاستهانة بقضية فرد واحد تعرض للظلم ولم يحرك المجتمع ساكناً ستكون له عواقب مُعدية مثل أيّ مرض وبائي. حالة ظلم واحدة تمرّ من دون محاسبة ستؤدي إلى ملايين الحالات الأخرى من المظالم، وفي هذه الحالة يفقد المجتمع تجانسه بالتدريج وينتظر اللحظة المواتية للانفجار.

- في رأيك ما الذي يجعل فكرة السلطة والمثقف، حاضرة بقوة في الثقافة العربية على مدى عقود، وفي النص الروائي وفي الخطاب الثقافي، هل المثقف العربي أو المولود في البلدان العربية يعيش عقدة أبدية مع السلطة؟

* إسمح لي أن أعترض على صيغة السؤال، ليس المثقف هو الذي يعاني "عقدة" مع السلطة، فهو ليس شخصاً معقداً أو مريضاً نفسياً، لكنه يمتلك صوتاً، وضميره غالباً يدفعه للدفاع عن المظلوم الذي أُخذ حقه والمسكين الذي حُرم من الثروة، ولذا تعامله السلطة بخشونة وتسعى إلى إخراس صوته بطرق شتى.. ودليلي على ذلك ملايين العرب الذين هاجروا إلى دول الغرب، والملايين التي تنتظر الفرصة لتهاجر! لماذا يفكر المواطن العربي في ترك بلاده ليبدأ حياة جديدة في مكان آخر؟ لأنه يبحث عن العدالة المادية والمعنوية.

- وأنت تكتب، هل ما زلت تشعر أنك أقرب إلى كتابة القصة القصيرة أو الأمثولة من كتابة الرواية، وسبق أن قلت أنك تحب كتابة القصة أكثر من الرواية؟

* أوافق على الرأي الذي طرحه القاص الأرجنتيني، خورخي لويس بورخيس، الذي قال في مناسبات عديدة إن الرواية ليس لها شكل محدد، أيّ أنها غير منضبطة ولا معايير واضحة لها. لذا، يمكن لأيّ شخص متعلم وعلى قدر معقول من الثقافة أن يكتب ويعيد كتابة سيرة حياته مسوداً المئات من الصفحات بسهولة نسبية.. وأقرب مثال على ذلك رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري. لكن بالنسبة للقصة القصيرة، يبدو لي أن الوضع مختلف، ويحتاج كاتبها إلى درجة أعلى من الاحترافية.. هذا ما لاحظه بورخيس وأعتقد أنه على صواب. كاتب القصة القصيرة يهتم بالإتقان وكأنه صائغ مجوهرات.  

- هل ثمة موضة في اختيار العناوين العريضة باتت تفرض نفسها على الروائيين؟

* لم ألحظ ذلك. بالنسبة إلي، اختيار عنوان الرواية يستغرق وقتاً طويلاً، ومن البديهي أن يكون العنوان دالاً على مضمون الرواية وفكرتها الأساسية.

- وأنت تكتب هل تفكر في القارئ العربي، أم بترجمة روايتك إلى اللغات الأجنبية؟

* أفكر أولاً في القارئ المحلي، أيّ الإنسان اليمَني الذي كُتبت لأجله هذه الرواية – أيّ رواية "أرض المؤامرات السعيدة" وما سبقها وما سيليها من روايات. لماذا أكتب رواية للفرنسيين مثلاً وهم لديهم كتّابهم! لكل شعب من الشعوب أدباء يكتبون رواياته، ولي الشرف أن أكتب روايات عن أبناء بلدي، روايات تنتمي إليهم وتنتقدهم وتفتح عيونهم وتثير اهتمامهم وولعهم بالأدب. من السخف أن أكتب رواية لقارئ هولندي وأتجاهل القارئ اليمني! إذا لم نكتب للقارئ اليمني فمن سيكتب له؟ فكرة استيراد روائيين من الصين ليكتبوا روايات للقارئ اليمني لا أعتقد أنها مناسبة تماماً.

- طوفان الرواية وهجرة الشعراء إلى الرواية وكثرة الجوائز الأدبية التي تهتم بالرواية، عدا عن الاستسهال في كتابة الروايات، هل هذا مؤشر إلى قرب نهاية الرواية؟

* الطوفان الحقيقي ينطبق على الأسلحة التي تتدفق على المنطقة العربية من كل حدب وصوب، فالدول العربية تشتري 50% من الأسلحة المعروضة للبيع! يمكن تشبيه تزايد الإنتاج الروائي العربي بصنبور مياه مفتوح، وهذا الصنبور يتدفق منه الماء إلى بضعة آلاف من السكان فقط. لا تحلم الرواية العربية بأن تحقق نجاحاً ساحقاً على غرار رواية أميركا اللاتينية، لأن شعوب أميركا اللاتينية لديها شغف حقيقي بالأدب، والروائيون يحظون بمكانة هائلة توازي مكانة رجال السياسة أو حتى تتفوق عليها.. هذه ظاهرة مشاهدة بالعين المجردة: أدباء مثل ماركيز ويوسا وكورتاثار وغيرهم، هم نجوم شعبيون تلتف حولهم الجماهير إذا تواجدوا في مكان عام. هذه الظاهرة غير موجودة عندنا، ولا يوجد أيّ مواطن عربي يعتقد في دخيلة نفسه أن الروائي الذي من بلده أهم من رئيسه. السياسي أو رجل الدين ما يزال يحتل قمة الهرم الاجتماعي. لذلك رأيي أن عصر الرواية على المستوى العربي لم يبدأ بعد، وما ذكرته عزيزي محمد لا يعدو كونه إرهاصات تنبئ بقدوم عصر ثقافي عربي مختلف كلياً عما هو موجود اليوم.. لأنني متأكد أنه سيأتي الوقت الذي يشعر فيه المواطن العربي أن السياسي هو شخص متوسط القدرات، وأن الداعية والمفتي والفقيه وسواهم من رجال الدين هم أيضاً رجال عاديون، وأن المبدع والمخترع والمفكر هم الذين يستحقون إجلاله وتقديره.  

- هل باتت لليمن روايته الخاصة مع تعدد الأسماء الروائية والمواضيع؟

* أمة تتكون من ثلاثين مليون نسمة ولها ماضٍ عريق، هي جديرة بأن تنشئ حقلها الروائي الخاص. وأعتقد أن جيلنا – جيل التسعينات- قدّم مساهمة يُعتدّ بها، لكن رهاني يتجه أكثر إلى الجيل الشاب من الروائيين والروائيات الذين أتوقع أن يقدموا عطاءً أفضل وأكثر احترافية.

- أي كتب يجب أن نقرأ؟

* جميع الكتب المقدسة، والكتب التي تشرح بحياد الأديان المعاصرة. هذه القراءات مهمة لكي نفهم أن ثمة شيئاً مشتركاً بين الأديان وهو "الفضيلة". علينا أن نقرأ الأدب، الشعر والقصة والرواية والمسرحيات، هذه الكتب لا تشرح لنا ما هي الفضيلة، لكنها تجعل قلوبنا قلوباً فاضلة.. وهذا التأثير لا شعوري، ولذلك هو أكثر فعالية من التعاليم الدينية. يحبذ أن نقرأ في كل شيء: الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا، العلوم، الموسوعات. 

 - مَن هُم أسلاف وجدي الأهدل؟

* أسلافي كثر جداً، كل كاتب قرأت له ساهم في تكويني. يمنياً، الروائيان زيد مطيع دماج ومحمد عبدالولي، وعربياً نجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف. لقد أحببت الأدب الروسي وبالدرجة الأولى تشيخوف. هناك أدباء تركوا بصمة في أسلوبي الكتابي، مثل غونتر غراس وهمنغواي. كل روائيي أميركا اللاتينية تركوا في نفسي أثراً عميقاً، ولعل أقربهم إلى نفسي عبقري القصة القصيرة خوليو كورتاثار. في سنوات المراهقة، قرأت "ألف ليلة وليلة"، وأتذكر أن هذا الكتاب قلب حياتي رأساً على عقب بكيفية يصعب شرحها.. من أوائل الكتب الأدبية التي قرأتها سيرة سيف بن ذي يزن، وربما هذا الكتاب تحديداً هو الذي وضع قدمي على طريق الأدب.  

- كيف تلخص تجربتك بعد مجموعة كبيرة من القصص والروايات والتحريم والترجمات؟

* ألخّصها في شيء واحد مهم، وهو أنني مدين بكل شيء لقراءة الكتب. لقد كانت لي طباع رديئة، لكن القراءات هذّبت هذه الطباع فصرت إنساناً أفضل. وأما الموهبة فسأتحدث عن نفسي وأقول إنني ولدت بلا موهبة على الإطلاق، لكن قراءة الأدب هي التي ساعدتني وما زالت تساعدني حتى اليوم في الكتابة.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها