الأحد 2018/05/20

آخر تحديث: 09:10 (بيروت)

في سوء الترجمة: "قصيدة النثر"

الأحد 2018/05/20
في سوء الترجمة: "قصيدة النثر"
increase حجم الخط decrease
سألني أحد الأصحاب: لماذا تصر على تسمية هذه القصيدة: القصيدة بالنثر؟ وبما أن المسألة عامة تتعدى صحبتنا، وتشملنا مع غيرنا، أحببت أن أجيب، هنا، متناولًا ثلاث نقاط تخص التسمية مباشرة.

الأولى تخص صحة ترجمة اسم هذه القصيدة (poème en prose) :لو طلب الدارس صحة الترجمة لكان عليه أن يقترح واحدة من ثلاث ترجمات: "القصيدة بالنثر"، أو "القصيدة من النثر"، أو "القصيدة نثرًا"، ذلك أن التسمية العربية المقترحة تُسقط الأداة الفرنسية (en) فلا تترجمها، ولا تجعل منها عنصرًا ملازمًا لدقة المعنى. للأداة الفرنسية (en) دوران: ضمير أو حرف جر؛ وهي تشير، في هذه التسمية، إلى حرف جر، وإلى أنه "يجرُّ" المادة، وهي النثر، في هذا التركيب اللفظي الفرنسي، ما يجعل الترجمة الممكنة بالتالي : قصيدة بالنثر، أي متأتية من مادته وتقوم به. ويمكن القول، في السياق عينه، إلى أن الترجمة الإنكليزية لاسم هذا الصنف الشعري أسقطتْ بدورها الأداة ووظيفتها، إذ اقترحتْ تسميته : (prose poem).

قصدَ التركيب الفرنسي إبراز أمرَين: التشديد على كون المنتَج الكتابي "قصيدة"، بتمييزها، في تجارب الشعر الفرنسي، عن "النثر الشعري" (prose poétique)، السابق عليها تاريخيًا وشعريًا؛ والتشديد أيضًا على أن ما يبني هذه القصيدة الجديدة هو مما يقوم عليه النثر. هذا ما يمكن تلخيصه بأن واضعِي مصطلح هذه القصيدة شددوا أو طلبوا التمييز والتأكيد على أنهم يصنعون قصيدة غير نظمية، وأنها موصولة بالنثر. إلا أن هذا لا يعني أنها "قصيدة نثر"، إذ تقترب القصيدة بذلك من النثر، وتقيم فيه، إذا جاز القول، فيما يطلب التركيب اللفظي الفرنسي إبراز كونها قصيدة متأتية من النثر وتقوم به، ما يجعلها تُقَرِّب النثر من الشعر، لا العكس. وهي فروق لغوية أسقطتْها الترجمة العربية... يبقى أن أشير إلى أن أنسي الحاج أورد في أحد مقالاته تسميتها بأنها من "الشعر بالنثر".

النقطة الثانية تخص طبيعة هذه القصيدة ومدى مناسبة الاسم لها: أرى ان التسمية المقترحة ("القصيدة بالنثر") تناسبها أكثر، إذ إن كاتبها الأول شارل بودلير سمى هذه القصيدة، في إحدى رسائله، في العام 1861، إلى صديقه أرسان هوساي، تسمية أخرى لها، أولية: (poème, en prose)، ما يمكن ترجمته: "قصيدة، من نثر"، واضعًا فاصلة – لازمة، في حسابه -، إذ تفصل بين القصيدة والنثر، لتأكيد وإبراز أن ما يشرع في كتابته هو "قصيدة"، إلا أنها تنبني بالنثر. هذا يعني أن بودلير ما أراد الذهاب بالقصيدة صوب النثر، وإنما الإتيان بالنثر إلى القصيدة. كما يعني كلامه إيلاء الأهمية للقصيدة، على أن ما يلحق بها ("بالنثر") يشير وحسب إلى مادتها.

النقطة الثالثة تخص رواج الاسم: منذ سنوات وسنوات أقترح تسمية عربية أخرى لهذه القصيدة، وتحققت من أن شعراء باتوا يعتمدونها، مثل الشاعرين محمد حلمي الريشة وإسكندر حبش؛ إلا أن كثيرين غيرهم ما علموا ربما بالمقترح، أو أن غيرهم تجنب الخوض فيه. يعنيني، في النقطة هذه، مناقشة الممتنعين عن النقاش: قد يعتقدون أن هذا الاسم درج في الاستعمال، ولا حاجة بالتالي إلى استعادته. وفي هذا ما لا يناسب طبيعة اللفظ الاصطلاحي: فاللفظ هذا ليس لفظا اعتياديًا، لكي يُتحجج برواجه، فلا تقوم مراجعته، بل هو لفظ نوع شعري ما يحتمل التدقيق أو المراجعة أو الاستبدال، بدليل ما يجري في غير لغة في العالم في أمور هذه الألفاظ تحديدًا.

(*) مدونة كتبها الشاعر والباحث شربل داغر في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها