الإثنين 2017/11/27

آخر تحديث: 13:27 (بيروت)

.. لكن، مَن هو العميل في لبنان؟

الإثنين 2017/11/27
.. لكن، مَن هو العميل في لبنان؟
كثيرون قالوا: إذا كان عيتاني متورطاً، فهذه إشارة الى قلة احتراف في الموساد الإسرائيلي
increase حجم الخط decrease
لا أستغرب تورط ممثل لبناني في العمالة لاسرائيل. في هذا البلد العجيب، يمكن أن نصدق كل شيء، ويمكن ان نشك في كل شيء، ويمكن أن نكذّب كل شيء أيضاً. والصدق والشك والكذب نتاج انفلات المعايير والضوابط في النظر إلى القضايا والقوانين والسياسات والولاءات والمحاور، إلى درجة أن نسأل: مَن هو العميل في لبنان؟ وتضيع الإجابة وسط ضياع كل شيء. 

لا أستغرب أن يكون الممثل متورطاً، سواء كان نجماً وكاتباً، أو مناصراً للثورة السورية أو مؤيداً للنظام السوري، أو موظفاً في محطة تلفزيونية أو ممثّلاً في مسرحيات "شعبية" في بيت الدين وليالي بيروت، وصار مقرّباً من الجمهور ومعروفاً في أروقة المقاهي. فالفنان ليس قديساً، وليس منزّهاً عن الفِخاخ الفظّة والمهينة. سبق أن تورط في العَمالة، رؤساء جمهورية وقادة عسكريون (عمداء متقاعدون في الجيش) وسياسيون ورجال دين ومواطنون عاديون (شبان وفتيات) وشعراء وكتّاب. بل سبق أن أوقف "حزب الله" (رأس حربة الممانعة والمقاومة وشعارات العداء لإسرائيل)، عناصر تابعين له بتهمة التواصل والتعامل مع اسرائيل. وأشرف مروان، صهر "قائد العروبة" الرئيس جمال عبد الناصر، اتُّهم أيضاً بالعَمالة والجاسوسية. وعلى هذا، لا أحد فوق رأسه خيمة. كل الجهات والبيئات قابلة لإنتاج مَن يقع في الفخ، أو يذهب إلى الفخ بإرادته، سواء من الممانعة أم من اللاممانعة، من النخبة أم من العَوام، من بيروت أم من البقاع، من أهل السنّة أم من أهل البيت، من المسلمين أم من المسيحيين، من أتباع العروبة أم من أزلام الاسلام السياسي، من اليسار أم من اليمين. 

لا أستغرب أن يتورط فنان في العمالة. فلبنانيون كثُر لهم باع في مصافحة الاسرائيليين علناً، أو مجالستهم ومعاشرتهم والتقاط الصور التذكارية معهم. سياسيون لبنانيون كثُر تبادلوا الزيارات مع الاسرائيليين وشربوا الأنخاب وتلقوا التدريبات العسكرية. وجمهور لبناني كبير، نثَر، ذات مرة، الأرُزَّ على الاسرائيليين.. إضافة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ولا ضرورة للعودة إليه الآن.

في ما يخص قضية زياد عيتاني، سواء أكان متورطاً أم بريئاً (هذه الأمور يكشفها التحقيق والقضاء)، فقد تحوّلت إلى مسرحية ميديوية مُرّة وجامحة وقاتلة، من ضمن المسرحيات اللبنانية اليومية التي تتجلى عروضها في صفحات التواصل الاجتماعي، وفي نشرات الأخبار وأحاديث الناس، خصوصاً حين نقرأ البيانات الرسمية والتسريبات والتعليقات والخطط والعنتريات والمحاكمات، "ضد" و"مع". تحول عيتاني "شحمة على فطيرة" كما قال أحدهم، فقط لأنه من "الوسط الثقافي"، ويريد بعض الممانعين فرصة للطنة والرنة من خلاله. أيضاً، وجد فيه بعض الساسة الطامحين، شحمة على فطيرة الشعبية والتصريحات الجوفاء واستقبال الوفود المهنئة، مع التذكير بأن تهمة التخطيط للاغتيال عاد بعض الصحف ونفاها... وكثيرون قالوا: إذا كان عيتاني متورطاً، فهذه إشارة الى قلة احتراف في الموساد الإسرائيلي...

اليوم وأنا أكتب هذا المقال، أشاهد صحيفة لبنانية غبية، وقد نشرت صورة الممثلة الإسرائيلية غال جادوت، وعرّفتها بأنها ضابط الموساد الاسرائيلي كوليت فيانفي التي جنّدت زياد عيتاني. هذه عينة فاقعة من "البهوَرة" الإعلامية والفايسبوكية. وقد سمعنا إعلامياً يتحفنا بكل اعترافات عيتاني، قبل بدء الحقيق. قرأنا في الصحف أن عيتاني تقاضى مبلغاً خيالياً من الموساد، وقرأنا أيضاً ان ضابط الموساد صاحبة العينين الخضراوين كانت تعطية 500 دولار شهرياً لـ"يغيّر حلاسه" بحسب النكتة الفايسبوكية، "وليكون شخصية عامة فاعلة وذات علاقات متميّزة، وأن يعمل على تطوير علاقاته. وأبلغته أنّ عليه الاهتمام بمظهره الخارجي كي يتمكن من الانخراط في بيئات معينة، (ركزت التعليقات على مبلغ الـ500 دولار باعتبارها سعرا بخسا جداً للعمالة). وقرأنا انه قبض مرة واحدة، وطُلب منه تشكيل "لوبي" ثقافي لترويج التطبيع مع العدو. ومَن يقرأ عن هذا اللوبي، يحسب عيتاني صديقاً لجان بول ساتر أو وريثاً لإدوارد سعيد.

كل شيء ممكن في مخيلة أجهزة الاستخبارات، لكن الرواية الرسمية والصحافية اللبنانية لتوقيف زياد عيتاني، فيها شيء من الهزل والبهوَرة والبروباغندا، بغض النظر عن مضمون تورط/براءة عيتاني. هناك مَن يستفيد هذه البهورة، بشكل مباشر أو غير مباشر. هناك من لا يعطي أهمية للقضاء والتحقيقات، فيطلق الأحكام والفذلكات والروايات التي ساهمت سابقاً في توريط أشخاص أبرياء، أُدخلوا السجن بملفات فارغة، إما لأسباب سياسية أو نتيجة خطأ في التقدير.

على أن فذلكة بعض السياسين والإعلاميين، في وضع قضية متورط في العمالة في خانة الحريات، غير مستساغة، وفجّة ووقحة، وكأن العمالة في رأيهم "وجهة نظر"...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها