الأربعاء 2016/02/03

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

مرافق ثقافية مجانية.. هكذا تشكر برلين أهلها لدعمهم اللاجئين

الأربعاء 2016/02/03
مرافق ثقافية مجانية.. هكذا تشكر برلين أهلها لدعمهم اللاجئين
عند مدخل مركز "آنا فرانك"، يكفي أن تقول "شكراً برلين" لتحصل على تذكرتك المجانية
increase حجم الخط decrease
قد لا تعرف عاصمة في غرب أوروبا معنى الحرب والدمار بقدر ما تعرفه برلين. المدينة التي تهدم مركزها بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية وصارت مسرحاً، تقاسم فيه الحلفاء تركة الرايخ الثالث، تحتفل اليوم بأهلها الذين مدوا يد العون للهاربين من جحيم حروب الشرق الأوسط.


إستقبلت المدينة خلال العام الماضي ما يربو على 70 ألف لاجئ، ما ولّد ضغطاً كبيراً على مراكز تسجيل وإيواء اللاجئين. وقتها، تصدّر أهل برلين المشهد بعملهم التطوعي لجمع التبرعات من مأكل وملبس لمساعدة القادمين الجدد وتنظيمهم، ريثما يتم تسجيلهم رسمياً لدى السلطات وتوفير الخدمات لهم. لم ينته العمل التطوعي مع اللاجئين بإنخفاض عدد القادمين، فالمتطوعون الذين وزعوا زجاجات المياه الباردة خلال الصيف، واصلوا عملهم وبنوا الخيام أمام مراكز التسجيل ليقي المنتظرون أنفسهم قساوة البرد في الشهور اللاحقة.

حكومة برلين وافقت على إقتراح من حزب الخضر، وأعلنت يوم 31 كانون الثاني/يناير الماضي يوماً تقولُ فيه برلين "شكراً" لأهلها، ليس وفقط على مجهودهم خلال العام الماضي، وإنما على كل ما سيقدمونه خلال هذا العام من مجهود لجعل إستضافة برلين عشرات آلاف اللاجئين، الذين من المتوقع أن يرتفع عددهم هذا العام، تمر بسلاسة لأهل المدينة القدامى والجدد أيضا في الوقت نفسه.

هذا الشكر تمثل في أكثر من 150 منشأة حكومية وخاصة تتوزع بين معارض الفنية، متاحف، حدائق، سينمات ومسارح ودور أوبرا، فتحت أبوابها مجاناً لأهل برلين. طوابير طويلة تشكلّت أمام المتاحف البرلينيّة الكبرى، وتسابق الناس على الوصول مبكراً لعروض المسارح لضمان مقاعدهم. نحو 1500 شخص تمكنوا من سماع موسيقى لعازفين من أوركسترا برلين الفيلهارمونية، وزار الآلاف، متاحف ومسارح برلين مجاناً.

تدخُل مركز "آنّا فرانك" في منطقة "هاكشر ماركت" التاريخية، وسط برلين، حيث بدأت "ليلة البلور"، وهي الليلة التي حطم خلالها النازيون نوافذ محلات اليهود الألمان، وأصبحت اليوم من أغلى مناطق برلين. ولا بد لك أن تقول كلمة السر: "برلين تقول شكراً"، كي تحصل على تذكرتك المجانيّة.

داخل المركز، يطغى وجود السياح، بلغاتهم الأوروبيّة المختلفة، على الوجود الألماني، نظراً لكون المنطقة منطقة سياحية. يقرأ زوار المركز بإهتمام نصوصاً على الحائط، مأخوذة من مذكرات "آنّا فرانك" - الفتاة اليهودية، التي كتبت مذكراتها من مخبئها هي وعائلتها في أمستردام بعد هروبهم من جحيم النازية في ألمانيا. ربما يفكر البعض بالعديد من الأطفال في العالم الذين لم يختلف مصيرهم في قسوته عن مصير "آنا" التي قضت في إحدى معسكرات الإعتقال النازيّة بعد إعتقالها هي وعائلتها. كم "آنّا" سنجد في العراق، وسوريا، واليمن، ورواندا، وكولومبيا، وأفغانستان، وفلسطين؟


كون هدية حكومة برلين لأهل المدينة عبارة عن يومٍ حافل بالثقافة والفن والتاريخ، فلا بد أنها لم تأتي إعتباطاً أو مصادفة. تقول لي موظفة الإستقبال في متحف "ميركيشس موزيوم" المتخصص في كل ما يتعلق بالمدينة البروسية برلين، أنها سعيدة بإقبال الناس على المتحف، في يوم الأحد هذا، وبهذا العدد الكبير، وأنها تأمل أن يطلّع زوار المتحف الألمان على تاريخ برلين المتغير ويروا أن القادمين الجدد هم جزء من تطور هذه المدينة، كما تأمل أن يقبل اللاجئين على زيارة المتحف والمعرض الخاص بتاريخ برلين كي يتعرفوا على تاريخ مدينتهم الجديدة.

في هذا المتحف، لا كلمة سر. فور دخولك تعطيك الموظفة المبتسمة تذكرة دخول مجانية حتى من دون أن تطلبها، في جو يشي بأن هذه المدينة تتصرف، ولو ليومٍ واحد، كعائلة كبيرة. عائلة، رغم مشاكلها الداخلية وهواجسها، ما زالت قادرة على إظهار المحبة والعرفان لأفرادها... وليس بأي طريقة، بل بفتح مرافقها الخضراء والثقافية أمامهم مجاناً، هي تقدّ أفضل ما عندها، وهم يتلقّون أكثر ما يعنيهم. في الشارع المؤدّي إلى أيّ من المتاحف، المسارح او المعارض المشاركة في الإحتفالية، ترى الناس يتبادلون إبتسامات خفيفه تقول: نعم، نحن جميعاً نستفيد من هذا العرض السخيّ اليوم، حتى وإن لم نكن ممن تطوعوا لمساعدة اللاجئين.

أزمة اللاجئين ظلت في الخلفية في هذا اليوم ولم تحضر كقضيّة أولى. التركيز كان منصباً على إعطاء الناس مساحة للإحتفال، والعلم بأن الدولة تقدر مجهودهم في مساعدة اللاجئين. عند سؤال أحد زوار مركز "بيتانين" الفني، عن الحدث، أعرب عن إمتنانه لمبادرة كهذه، لكنّه شدد على أهمية تصدي القطاع الحكومي لأعباء رعاية اللاجئين وعدم الإتكال على المواطن.

وبشكلٍ عام فإن هذا اليوم كان وقتاً مهماً لإستحضار موضوع اللاجئين في سياق إيجابي، بعيداً من كل الجدل الإعلامي الذي صاحب السياسات المتعلقة باللجوء منذ مطلع العام الحالي. ويبقى الأمل أن التعرض لمزيد من التاريخ والفن والثقافة والمعرفة سيخفف من وطأة المخاوف التي يتشاركها معظم الألمان حيال الأزمة.

برلين التي من المفترض ان تستقبل حوالي 80 ألف لاجئ إضافيّ خلال السنوات الثلاث المقبلة، تخطط لجعل اليوم المجاني لزيارة المنشآت الثقافية والفنية، يوماً يتكرر كل عام، بعد النجاح الباهر هذا العام. هنا يبدأ البرلينيون برؤية بوادر التغييرات الإيجابية المصاحبة لتدفق كل هذه الأعداد من اللاجئين داخل مدينتهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها