الثلاثاء 2014/09/16

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

"مقهى سيليني"... مطاردة أشباح السينما وأحلامها

الثلاثاء 2014/09/16
"مقهى سيليني"... مطاردة أشباح السينما وأحلامها
تحاول الروائية استعادة خبايا شوارع الاسكندرية
increase حجم الخط decrease
ضمن سلسلة الروايات التي صدرت عن دار "الآداب " لهذه السنة، تحت عنوان "جائزة محترف نجوى بركات 2014 "، رواية الكاتبة المصرية الشابة أسماء الشيخ، "مقهى سيليني"، وفيها تحضر الإسكندرية، مدينة الكاتبة (مواليد الإسكندرية 1988)، رقعة الشطرنج الكبيرة، مدينة الشوارع المتوازية والمصائر المتقاطعة ما بين عالميّ بطلتي الرواية وأشباح نجوم مفضلين في صالات سينما الأربعينيات.

الجميع في "مقهى سيليني" يطارد أشباحه الخاصة وأحلامه، ويجد في الإسكندرية، المدينة الساحلية، مُتنّفساً وبراحاً. تكشف أسماء الشيخ في روايتها الأولى هذه، لا عن موهبة روائية مميزة فحسب، إنما عن ثقافة عميقة، وذكاء حاّد بطبيعة العالم الإسكندراني على وجه الخصوص. ولعل هذا الإدراك المعرفي، التحليلي، والدخول الى أعماق شخصيات روايتها، هو ما يُميّز عمق الفضاء الروائي وإتساعه عبر روايتها ذات الطابع الحداثي. التركيز على هذه النزعة "الحنينية" في عملية استعادة الماضي وإعلائه، يصدمك أحياناً بحساسيته المفرطة، لكن الحنينية في وجهها الآخر، تُشير الى تصحّر الحاضر والى الواقع المأزوم، والى خلوّ راهن الوقت من مشاعر الحب الجميلة والصادقة على وجه العموم.

السحر هو القاسم المشترك في قصتي بيتّا ورُقيّة. فمن آلة عرض إيرنيمان السينمائية، ألمانية الصنع، تدور البكرات وتطلع عوالم السحر لتمّس رقيّة المأخوذة بمتابعة نجومها المفضلين على خلفية موسيقية هي أوبرا "عايدة" لفيردي. فيما بيتّا تدور كما البكرات، في شوارع الإسكندرية وأزقتها مستهدية برسائل كتبتها أمها قديماً، تؤشر الى عيش سابق في أماكن ورد ذكرها في الرسائل.

السينما لم تُحسّن من مزاج رقيّة، كذلك الخطابات لم تفعل المزيد من السعادة مع بيتّا، فالرواية في النهاية هي رواية ذاكرة مُخترعة، وذريعة لكتابة جيدة سوف تجري سلسة، رشيقة، وذات إنتباه فني لعملية السرد.

في الرواية، هذه التجربة في البناء الفنّي الحّر، عن شخصيات تنتمي الى عالم الماضي (ممثلات السينما، ووالدة بيتا الإيطالية التي عاشت ردحاً من عمرها في الإسكندرية). تأليف مشحون بعاطفة مُعذبة، لمّا أننا نعثر في ثنايا السرد وظاهره ، على الكثير من الإيماءات الشعورية التي تُقاربُ الإنخطاف الكامل بما يجري على الشاشة، أو الإستغراق المرضي في رسائل مضى على كتابتها زمن طويل.

إنه القصّ المتعلّق بالأحلام والرؤى، او هو الخيال متحرراً من سيطرة العقل ومن الإهتمام بالإحتمالات، كما تطغى فيه المجازفات ويبين ذلك في مشاهد متعددة، متعذرة على التفكير العقلي، رقيّة وبيتّا تحلمان، وهو الحلم الذي يُعتبر الإكتشاف الأكبر للفن الحديث ، من كونه يستنطق الحياة الحقيقية القاسية في كيمياء لافتة تجذب القارىء.

في رواية أسماء الشيخ، تلك الرغبة الوجدانية في مجتمع صحّي وعلاقات إنسانية دافئة. الرغبة في أن يكون لأحدنا جذور لكي يتغلب على لعنة العزلة. القراءة المتأنية للرواية الأولى للكاتبة، تضعك حيال عملية فتح لنوافذ السرد، بما هو مجموعة تداخلات أو تبادلات ونوافذ تنهض بها المشاهد والرموز التي تتفاعل بقوة المحمولات والشحنات الدلالية للكلمات والتراكيب، فتأتي القراءة فعل لقاء في عمق خيال الكاتبة وفكرها، اي فعل تبادل وتفاعل.

الرواية هنا تستدعي التأويل، من خلال القراءة الإحتمالية التي يتيحها النص، وفي السفر عبر تعدد الأزمان والحيوات (الماضي والحاضر) في محاولة الكاتبة الى إيقاظ أو استدعاء الماضي "السعيد" درءاً للحاضر المحاصر بالوحدة وبالحاجة الى الرفقة وبعض السعادة. تحاول الشيخ إعادة بناء مشاهد في النص، من حياتها الخاصة في اسقاطات على ماض بعيد. مشاهد غاضبة ومشاهد حب، لتكتشف أن اللحظات الأكثر أهمية، والأكثر حميمية، قد ذهبت من دون رجعة. ربما تفصيل أو تفصيلان (إستعادة علاقتها بالشوارع وبخبايا الإسكندرية، أو الرسائل الغرامية لإمرأة إيطالية) يظلان عالقان في الحاضر وفي الذاكرة، لكن دقتهما على المستويين البصري والسمعي قد فُقدت تماماً. رواية أسماء الشيخ، رواية خسارة بإمتياز.
increase حجم الخط decrease