الجمعة 2014/10/17

آخر تحديث: 13:32 (بيروت)

مازن معروف: الفلسطيني متأهب للاحتفال والانغماس في الفجيعة

الجمعة 2014/10/17
مازن معروف: الفلسطيني متأهب للاحتفال والانغماس في الفجيعة
"إن قرر أحدهم تفريغ ذاكرة أجيال فلسطينية ثلاثة، فرداً فرداً، ستكون النتيجة طيفاً واسعاً من الثقافات"
increase حجم الخط decrease

قبل ثلاث سنوات غادر مازن معروف، الشاعر والمترجم الفلسطيني، بيروتَ متجهاً إلى آيسلندا، بلاد الفايكنغ والمأهولة الأقرب بين جاراتها إلى القطب الشمالي. خلال إقامته هناك، نقل إلى العربية مختارات شعرية لأكثر من ثلاثين شاعراً وشاعرة آيسلندية إضافة إلى ثلاث روايات من الأدب الآيسلندي هي "الثعلب الأزرق" (دار الساقي) و"حكاية الكوكب الأزرق" (تصدر قريباً) و"حجر الأقزام" (رواية للأطفال) للكاتب الآيسلندي آدالستين آوسبرغ والتي صدرت مؤخراً عن دار الخياط الصغير. كما أنجز مجموعتين قصصيتين ومجموعة شعرية لم يبادر إلى نشرها بعد.
وكان لـ"المدن" معه هذا الحوار..

- إلى أي مدى إستطاع المشهد الآيسلندي، البعيد عنا اجتماعياً وثقافياً، أن ينفذ إلى كتاباتك وأن يدفعك إلى إنجاز هذه الترجمات؟

* آيسلندا في الظاهر، بقعة هادئة وسط المحيط. إلا أنها صخرة تضج بالأصوات. لو كنتُ حوتاً في مياهها، لأبديتُ انزعاجي بلا تردد. سلوك الجزيرة اليومي قد يطيح بالمعطيات الثقافية والتربوية لمخيلة أيّ فرد من خارجها. يطيح بكل ما قد نعتبره سوريالياً. مثلاً، تستيقظ لتقرأ خبراً عن قطعة أرض تبصق طيناً في الهواء. أو تشاهد غيوماً خضراء أو سماء زهرية أو جبلاً يغيِّر لونه كل نصف ساعة. ثم تكتشف أن الموز يُزرَع على حواف البراكين، فتخرج من بيتك للتعبير عن دهشتك فتجد إلتون جون يتمشّى أمامك في الشارع. إنها مستوعب للجنون والغرابة. عاصمتها، ركيافيك، محترف ثقافي حقيقي، ومكان ضاج بامتياز. وذلك لموقع آيسلندا بين قارة أوروبا من جهة والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية من جهة أخرى. مشهد الناس سعداء على مدى اليوم، يتنافر مع ذاكرة الفرد الآتي من الشرق الأوسط والمحمل بالخيبات والنقمة والخسائر. لذلك، يتحول العيش إلى محاولة لضبط النفس عن الصراخ. ويعتمد على مدى استثمار الفرد لمعطيات المكان الغريب لتحويل هذه المعطيات إلى عناصر أدبية مردودة إلينا. الأدب يعمل هنا. يصبح الاديب أو الشاعر في هذه الحالة في خدمة الأنا الكبرى للأدب. في آيسلندا، يُعنى بالشعر والنتاجات الأدبية بصورة دائمة. كل آيسلندي هو كاتب، شاعر، مؤلف موسيقي، كوريغراف أو فنان تشكيلي أو مسرحي، وفي الوقت عينه سمكري، نجار، عامل على متن سفينة، سائق تاكسي، حفّار طرق، نادل، صياد سمك. إنها أرض إكزوتيك. ولطالما فتنت كتّاباً أمثال جول فيرن، بورخيس، لوكليزيو وغيرهم. الجزيرة أشبه ما يكون، بورشة عمل كتابية وفنية دائمة. حين يكون الطقس مشمساً، تخرج الفرق الموسيقية والفنانون التشكيليون والكتّاب إلى الشوارع، فيحتلون الساحات العامة بمعيّة البوليس الذي قد يؤدي تطاوله على أي مواطن، لفظاً أو فعلاً، مأزقاً قضائياً بحق. الشوارع ملك وخيار دائم للشعب وهي آيلة لأن تتحول في أي وقت إلى منصة كبيرة أو غاليري أو هايد بارك. تخرج الأفكار عن السلطة التي تتيحها الملكية الفردية وتصبح شأناً معلناً. وهذا مفتاح الحرية برأيي. من هنا يصبح عيباً أن لا نشتغل، ومأزقاً أخلاقيا وأدبيا أن لا نترجم النتاج المكتوب وأن لا نتعاطاه.

عشت حياتك كفلسطيني في بيروت، وفي مرحلة ما، أصبحت ذلك الفلسطيني في آيسلندا. أيُّ رمزية يحملها هذا الانتقال؟

* الفلسطيني كوكتيل من الأمكنة والإنطباعات. إنه يحمل في دمه ثقافات عديدة وتواريخ. إنه لاجئ هجين ومخضرم. صلب وغير فلسطيني بالكامل، لكنه ليس إلا فلسطيني أيضاً. وعلاقته مع الشتات والمنافي تنطوى على مجازفات وجرأة كبيرة. يمكن للفلسطيني أن يختبر كل أنواع المكان والثقافة قبل عودته إلى فلسطين. وهو أيضاً كائن مضطرب، قلق، نصفه متأهب للاحتفال ونصفه الآخر للانغماس في الفجيعة. كنوع من العصافير ينام نصف دماغه فقط. الإنتصار في أي حرب على ماكينة إسرائيل يردُّه إلى أصل القضية. يلغي الفوارق بين 1948 و2014. كما حدث في نموذج حرب غزة الأخيرة. على اختلاف آرائه الداخلية. وموقفه من حماس أو فتح أو غيرهما. تخيّلي لو عاد الفلسطيني إلى بلاده، سيعود مشبعاً بالتجارب وغنياً بتفاصيل الأمكنة الأخرى والمشاهدات. تخيلي أن يقرر أحد تفريغ ذاكرة ثلاثة أجيال من الفلسطينيين فرداً فرداً. ستكون النتيجة طيفاً واسعاً من القصص والسلوكيات الاجتماعية والعادات المتنوعة والثقافات. وبالتالي، لا يمكن أن يبني كل الفلسطينيين فلسطين، إلا بتأثير الشتات وما سوف ينقلونه منه. بإيجابياته ومساوئه. هذه حقيقة قاسية. لكن لا يمكن نكرانها. فقد للفلسطيني خصوصيته على مدى التاريخ. وهذا من شأنه أن يصون الفلسطيني من فكرة العرق الأصيل والفاشية. لذلك استعداده الدائم للإنتقال والتماس. امتداده جغرافياً في المنفى متوازٍ دوماً مع امتداد نفسي في الوطن والذات.

- ماذا عن اللغط الذي أثير حول مشاركتك مع شاعر إسرائيلي في أمسية في باريس؟

* لم يحدث شيء من هذا القبيل. القصة أن دار النشر لاماندييه ناشرة "ملاك على حبل غسيل" بالفرنسية، إرتأت أن تحتفي بالكتاب فنظّمتْ أمسية، يقرأ فيها مسرحيون نصوصاً مختارة ضمن تظاهرة سوق الشعر السنوية في باريس. ولأسباب أعتقد أنها متعلقة بكوني فلسطيني، وضع اسمي كصاحب نص، وليس كشاعر مشارك، إلى جانب اسم شاعر اسرائيلي. وأنا طبعاً لم أحضر. أظن أن دار النشر لم تأخذ في الاعتبار الحساسية التي قد تثيرها هكذا مسألة. لست أول فلسطيني ينسحب أو لا يشارك على منصة واحدة مع اسرائيلي. رغم أننا كفلسطينيين، نملك الحكاية والمكان الذي أرغِمنا على تركه، ومعنا الشاهد التاريخي، ولدينا كل أسباب إدانة الإسرائيلي في العلن، إلا أننا لا نزال ننسحب كي لا نمنحه شرعية، كما نقول. رغم أننا بكل سهولة، وبسؤال بسيط، يمكن أن نرده ثقافياً أو إجتماعياً إلى أصله الفرنسي أو البولندي أو الألماني أو الأفريقي أو الشرق أوسطي.

- ماذا عن "حجر الأقزام"، الرواية التي نقلتها إلى العربية مؤخراً؟

* هي رواية للأطفال. تحكي مغامرة ولد وبنت. وتعكس الثقافة الشعبية الآيسلندية المتمثلة بأقزام يسكنون الصخور والإلف وغيرهم. إنها أول رواية للأطفال تُنقَل إلى العربية من الأدب الآيسلندي. وأظن أننا في أمسّ الحاجة لنقل أدب الطفل العالمي إلى العربية. فذلك من شأنه أن يؤثر ويفتح نوافذ جديدة في مجتمعنا الذي تحتشد فيه المتاريس الإجتماعية والفكرية. لأنه أدب لا يزال في طور التطور والتجريب. والمبشِّر أنه يلاقي اهتماماً متزايداً في بلادنا. وهي ليست آخر رواية أنوي نقلها إلى العربية. 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها