الثلاثاء 2014/08/05

آخر تحديث: 15:43 (بيروت)

"أيام في بلدتي": "الثورة الثقافية".. وأشياء أخرى

الثلاثاء 2014/08/05
"أيام في بلدتي": "الثورة الثقافية".. وأشياء أخرى
الرواية صورة مصغرة عن الريف الصيني في ستينات القرن العشرين
increase حجم الخط decrease

بأسلوب بسيط، يصف الكاتب الصيني فنغ جيون كه، القرية التي عاش فيها وناسها البسطاء وأشياء حيّة بقيت في ذاكرته. "أيام في بلدتي" رواية من الأدب الصيني صدرت ترجمتها حديثاً عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" (المراجعة والتحرير لمركز التعريب، والترجمة لمروان سعد الدين)، وفيها ذلك السرد الدقيق والحقيقي، متناولاً حياة الجدّ والإجتهاد التي مسّت ذلك الجزء من الصين، كذلك المتاعب وبساطة أهليه، مستخدماً لغة هادئة وقوة دافئة تُريح القلب وتهدّىء النفس.

لم يتجاوز عدد سكان قرية الكاتب الألف نسمة، وُلد وترعرع فيها، وسكن مثلهم في كوخ بسيط  لمّا لم يكن في القرية شارع واحد يمكن إطلاق صفة شارع عليه. بالرغم من ذلك كانت القرية تُمثّل عالماً شاسعاً لساكنيها ومرتعاً خصباً للسرد.

تتطرّق الرواية لحيوات شخصيات ذاعت شهرتها بين أترابها وبين الناس المحيطين بها. عالمُ الرواية يختنق بأصناف البشر كافّة، بعضهم مستقيم وحازم، بعضهم أناني حقير، تصرفاته فظة وتعسفية وغير متوقعة الى حد يشعر القارىء بالذهول والرفض للمواقف التي تصدر عنه.

يسعى الكاتب، وتسعى روايته للتأني حيال الشخصيات التي ذكرنا والى تصويرها بشكل حيّ ودقيق، يُحفّز تفكير القارىء وسعيه إلى البحث عن الحدث وشخصياته وخلفياته بنفسه. يرّكز الكاتب في سرده على مدى زمني يفوق الثلاثين عاماً، الفترة التي عايشت تطبيق سياسة الإصلاح والإنفتاح في الصين منذ بدايتها، وشهدت فيها بلدة الكاتب تغيّرات هائلة هي متن الوصف في الرواية، كما يرّكز الكاتب على التناقض الذي حصل بين التنمية الإقتصادية والإجتماعية، والبيئة الطبيعية، خالصاً الى أن البشر قد يتمكنون من تغيير الطبيعة، ولكنهم يظلون عرضة لانتقامها المتجسّد في الكوارث.

أمثلة كثيرة يحملها السرد تشهد على تغيير حال بلدة الكاتب، وتُشير الى استقبال القرية لمصانع السماد الكيماوية ومعامل الإسمنت بهدف استقدام تقنيات حديثة تساعد في تسريع التنمية الإقتصادية، سوى أن النتائج السلبية لهذه التغيرات سرعان ما ظهرت، وفي فترة لا تتعدى العشر سنوات، إذ تعرّضت تربة القرية للإنجراف وانخفاض منسوب المياه، وأدّى التلوّث الجوّي الى إزدياد حالات الإصابة بالسرطان وسوى ذلك من أمراض.

في الرواية شبهة العمل التوثيقي لتلك التغيرات لكنها لا تخلو من طراوة تناول العواطف بين البشر، خصوصاً في مواضع أفردها الكاتب لسرد الحب الذي جمع بين جدّه وجدّت، بين أبيه وأمه، عارضاً من جهة أخرى الى يوميات حفلت بالشقاء والكفاح والصعوبات والنكسات، كذلك الى الأوقات الدافئة التي تخللتها مع ذلك حركات سياسية أثرّت على سكان بلدة الكاتب.

"أيام في بلدتي" لفنغ جيون كه، تكشف معاصرة عينية للحركات السياسية مثل مكافحة اليمينية والكومونة الشعبية والحركة الوطنية التي تهدف الى التنظيف والتجديد في مجالات السياسة والإقتصاد والتنظيم والإيديولوجيا خلال الفترة بين العامين 1963 و1966 وتُسمّى أيضاً بحركة التثقيف الإشتراكي والثورة الثقافية الكبرى، كما تعرض الرواية الى الفترة التي عاش فيها الكاتب فترة الكوارث الطبيعية التي امتدت عنيفة لثلاث سنوات. حركات سياسية وأيام عصيبة تركت أثراً عميقاً في مسيرة نموّ الصين وتطورها خلال أكثر من نصف قرن وطبعت في ذهن وسرد الكاتب ذكريات لا تنسى.

 "أيام في بلدتي" صورة مصغرّة عن أرياف الصين في تلك المرحلة التاريخية.

increase حجم الخط decrease