السبت 2014/08/23

آخر تحديث: 17:26 (بيروت)

لعنة مهرجانات بعلبك

السبت 2014/08/23
لعنة مهرجانات بعلبك
عاصي والحلم في القلعة
increase حجم الخط decrease
 لا تزال إدارة مهرجانات بعلبك الدولية تفكر في الكثير، من خلال اللحظات الاقتصادية، في حين قام المهرجان على فكرة تجرع معاناة الفنانين المحليين، باستثمارها، بعيداً من المواربة.  لم يفرط المهرجان، في تعريف بعض الأسماء المكرسة، إذ حفزهم على الإنتاجات المشركة. تعززت تجربة "الخمسة الكبار" في تجربة الأغنية في لبنان. الأخوان رحباني، توفيق الباشا، زكي ناصيف، توفيق سكر. الاستجابة المباشرة لنجاح المهرجان في فكرة الجمع، ظهور العديد من الأصوات المدهشة. فيروز في المقدمة. الجمع يحفز. راح الكبار في حمى المنافسة، حتى دفعتهم المنافسة، إلى كتابة الأخبار الغريبة. 


عاش المهرجان في تعدد الليالي اللبنانية أولا. ثم، العروض العربية والأجنبية. حفلات أم كلثوم وبيجار والبولشوي والكوميدي فرانسيز. الكل جاء إلى المهرجان اللبناني، لأن المهرجان بقي عامل انطلاق للكثير من التجارب، على مستواه الواقعي. وحين، راح يبني الواقع على الخارج، وقع في لعنته الأولى. 


استخدم المهرجان، عبر إدارته، تنوع النهايات. تتابع وتُغير على الأنظمة. غير أن فوضى الحياة، قادته إلى قتل نفسه من خلال قتل معتقده. هكذا انتهى الوعي الأول على مدرجات القلعة التاريخية. لا عراضات طموح ولا عراضات خلاف بعد. لا تضاد ولا تصارع، بعد انسحاب العديد من الأسماء من اللجنة. رُحَّل الموضع الأول لمهرجانات بعلبك. رُحل نشاطه الخططي، المبني على حضور اللبناني في المهرجان اللبناني. انحراف في الجوهر لا في المادة. سوء فهم متأخر لتنفيذ الأنشطة. أضحت المشكلة في عدم القدرة على التحكم، في العالم النامي باضطراد.

وفي انتقال العقل المهرجاني من الاكتشاف أو تدوير الحضور الناجز، على ثقافة المهرجان وخلفيته الاجتماعية. لا ليالي لبنانية، إلا بالاسم، من عدم التطابق مع التعينات السابقة، بإيكال الفنانين اللبنانيين بالإنتاج لا بكلف الإنتاج. ذلك أن كل ما قدمه المهرجان، في السنوات الأخيرة، صعب فصله عن المهمات التسويقية، لكل عرض. بفرض العرض على المتفرج، بعيداً من احساسه الإنساني وضروراته الاجتماعية.
  الشخصيات مؤثرة، في أشكال تفوق التصور. عبد الحليم كركلا أشبه بالكلام القديم، من حضوره المتكرر في المهرجان. في اليوم السابع يستريح. يخلق غياب دراماته الغنائية الراقصة، الانطباع المجنون هذا. "بليلة قمر"، "الأندلس المجد الضائع" عنوانان من عناوين عديدة احتلت أدراج المعابد التاريخية باستمرار. مسرحيات بعيدة، عن مبررات العلاقة بالفعل الأساسي. مسرحيات كركلا، تحتوي وعيه المنطقي وحيويته الإبداعية، لا وعي المهرجان ولا منطقه ولا حيويتته. "أيام صلاح الدين" للأخوين فريد وماهر الصباغ، على أهمية مصوغها الفني، نتاج علاقة والدة الشابين الموهوبين بأعضاء اللجنة.

"عاصي الحلم"، تمثل الروابط غير المعقولة بالمهرجان، إذ أفسح المهرجان، للمرة الأولى في تاريخه، المجال أمام المطرب اللبناني، لكي يعالج الانتقالات بين الرواية والشخصية المظهرية، بعمل رفع نفسه على اسم صاحبه. رسول المباشرة والتبسيط، قفز فوق الشروحات والتفسيرات والتحذيرات والوسائل، في كتابة عمل، لا علاقة له لا بالمرح ولا بالتشخيص. نقل أخبار ووصف ما هو ضروري، وصولا إلى مهمة الغناء. لا شيء على المسرح إلا لسان المطرب والأزياء الخاصة به والطبل غير الشكسبيري، يحدث المسرح بما أضحى خارج المسرح. سياسة المهرجان تكثفت في السنوات الأخيرة، في التعاطف مع الأشخاص، الإيجابيين والسلبيين، على صفيح الأحداث الساخن. فقد المهرجان في ذلك، طبائعه التأسيسية. لا تلخص الأعمال الأخيرة، مرافقه الأساسية. ذلك أنه أضحى، ساحة تداول، لا ساحة اقتراح وإحاطة وتبنٍ. صار المهرجان مهذباً لا جدياً. مرافق للشخصيات الرئيسية فيه، لا مؤلف حضورهم.


لا شيء سوى التدوير، اليوم. لا شيء سوى البحور الخفيفة، تمتد على المساحة المخصوصة بالبحور الواسعة. جمال ساقط، إذ تستدعى فاعلية ثقافية، عبر مكاتب الإنتاج العالمية وتفضيلاتها، من دون بناء أساسات التوافق بين المهرجان وجمهوره. يكفر المفكر النقدي هنا. الفكر هذا كائن قاصر، أمام الأسماء الكبرى. جيرار ديبارديو مثلاً، مع فاني آردان، في مسرحية منحولة عن كتاب لمارغريت دوراس. تحرير المهرجان من النقد، عبر القنوات هذه. مطلقات الحياة العامة الثقافية في العالم، لا لبنان. تجاوز للحساسيات الثقافية، حيث تسود القيم المدنية المشتركة. إنها شهوة المطلق. أو الرغبة الدفينة، في السطو على الفضاء العام وتحديده، على مساطر مرجعية الإدارة العامة، غير المستجيبة، لتحديات الارتقاء بالإنسان وحقوقه. أمثلة تخدم "نظام الاستبداد"، السائد، في مهرجانات بعلبك وفي كافة المهرجانات الأخرى. يعيش الجمهور، هنا، على هوامش الصيرورات التاريخية. الحاجة، حاجة إلى الانفتاح على العالم الخارجي والعالم الداخلي في آن، لكي لا يراوح المهرجان في بركة التاريخ الراكد. أنسنة الخيارات والاختيارات، بعيداً من الوصايات الثقيلة، سوف تخفف من جرجرة سحر الغرب على المهرجان، وسلطة النجم اللبناني عليه، ما يساهم في سحق قيم المهرجان السابقة / أو ما تبقى منها/ على أحداث الثورات والانتفاضات والصبوات والمؤامرات القائمة على مسلمات الوعي القروسطي. لعنة المهرجان هنا، لا في اضطراره إلى الهجرة، من بعلبك إلى البيال أو كازينو لبنان (هجر المهرجان بالعام الماضي، بعض فاعلياته إلى بيروت).


 رفض فنون فكرة التهجير، كتانيا صالح. ألغت الأخيرة حفلها البعلبكي، احتجاجاً على تقديم ثقافة المهرجان باسمه البعلبكي، خارج بعلبك، تحت غيم الاقتتال في لبنان والدول المجاورة. ذلك أن الخدر، واستنتاج الأسباب المخففة للمهرجان، لن يخفف من وقع حقيقة أن المهرجان أضحى وعاء لا أكثر منذ سنوات بعيدة، أضحى أسير نظام قاد نفسه إليه. تهجير الأنشطة والفاعليات إلى كازينو لبنان أو الواجهة البحرية، ليس هرباً لامعاً من احبولة المركزية، بإزاحة مرجعية الألوهة والتعالي القديمة. ناتج اليوم، من الخروج على سلطة الماضي المعرفي المؤسس. ذلك أن الفاعليات، لم تعد نفسها إلى نظام واضح. عروضها في الصالات، تظهير أخير لصور الواقع المستبدة في المهرجان. جمع الفاعليات لم يعد كافياً لبناء المهرجان، على سوالف القول. هجر المهرجان نفسه، ثم هجرته الأحداث. 
increase حجم الخط decrease