الخميس 2014/08/28

آخر تحديث: 14:08 (بيروت)

تانيا صالح: لم أقتنع بالغناء في غير معبد باخوس

الخميس 2014/08/28
تانيا صالح: لم أقتنع بالغناء في غير معبد باخوس
نقل مهرجانات بعلبك الى بيروت جعلها تنسحب منها
increase حجم الخط decrease
لا تخشى تانيا صالح، عدم التوافق بين العروض والدلالات. لا ترتاح المغنية والملحنة إلى أغاني الأسلاف. لا تكره الأغنيات هذه، غير أنها لا تقلدها. قصائدها لا تشبه القصائد الحديثة، ولا تمت بصلة إلى القصائد العمودية. أغنيات لا تحبذ التضمين ولا المباشرة. حين أصدرت ألبومها الأول "تانيا صالح"، ومذاك، راحت التجربة تؤكد أن الحياة ليست جنة، كما هي في الأغنيات العادية. أغنية "عمر وعلي" واحدة من النماذج الساطعة على أن أغنية السيدة المختلفة، لا ترغب في المصالحة مع الأغنيات الدارجة. أقامت صالح نوعاً من التنافس الحميم بينها وبين ذاتها. لا على مستوى، المبادئ العالية والخفيضة، على مستوى الإنتاج. أرادت أن تنتج البومها الجديد بواسطة الناس والهيئات والجمعيات أونلاين، بطريقة "التمويل الجماعي" crowdfunding. اثار الأمر ضجة، كما أثار انسحابها من مهرجانات بعلبك الدولية بدورتها الراهنة الكثير من الكلام. "المدن" التقتها في حوار...

- لماذا انسحبت من دورة مهرجانات بعلبك الأخيرة، مع أن مشاركة الفنانين في المهرجان يبقى حلماً غير متحقق، حتى يتحقق. 

* بالضبط. المشاركة في المهرجان حلم. لطالما حلمت بها. تخيلت وقفتي في معبد باخوس، قبل الوصول إلى المكان التاريخي. الأجواء، المناخ، الإضاءة. هذا ليس ترف طبيعة. أبداً. هذا وجود في الشرطين الأساسيين. جودة المساحة الجغرافية وجودة المادة. تصورت تكامل الأول والأخير، والأخير والأول. صيغة لا تتكرر. غير أن ذلك لم يلبث أن انقصف، على قاعدة التطورات الأخيرة في البلاد. 

- حين نقل المهرجان فاعلياته من بعلبك إلى كازينو لبنان وواجهة بيروت البحرية، أضحت المشاركة عندئذ، دون مستوى الخيال. ما الذي يحدد المشهد، بهاء المشهد، الصورة أم الفكر؟ 

* الإثنان. لا أفصل بين شيء وشيء هنا. الأشياء يكمل بعضها بعضاً. رغبة البشري القصوى، فيّ، أن أقف حيث وقف كبار الفنانين في العالم. لا تهبط الذائقة في الإنتقال من مكان إلى مكان. غير أن سماء الأغنية عندي، بقيت في حدود المعبد التاريخي. الغناء في باخوس، شكل آخر. لن أقتنع، بغير ذلك. سأقول شيئاً لا يعرفه الكثيرون. حين لم أقبل الغناء في مهرجانات بعلبك هذه الدورة (خارج مدينة بعلبك)، منحت نفسي فرصة المشاركة في الدورة الثانية. حجزت لنفسي ساحتي ومساحتي في المهرجان للعام المقبل. اتفقت على ذلك مع إدارة المهرجان، حين قررَت، نهائياً، نقل الأنشطة من بعلبك إلى جونية وبيروت. 
غنيت كثيراً في بيروت. غنيت على الكثير من المسارح والمنصات البيروتية. لدي رغبة جامحة في الغناء في بعلبك. هناك أتخطى حدود العادي، إلى اللاعادي.

- تعاملك مع المهرجان، بدا جزءاً من رغبة المهرجان في المشاركة بتمويل الشريط الجديد. لا ضيافة فقط، تمويل أيضاً، بطريقة تصون الكرامة. نجدة للشريط في السرّ..

* هذا موقف متميز من المهرجان. سلوك مقدّر. لم تحب إدارة المهرجان أن تشارك في الإنتاج "أونلاين". وجدت أن من الأنسب، المشاركة بأن تدعوني إلى احياء حفلتي الخاصة في المهرجانات. ثم جاءت الظروف الأمنية، فتحولت العروض في بعلبك إلى مناسبات مستحيلة. هكذا طارت الأنشطة إلى الكازينو والواجهة البحرية. أنا التففت على الظروف، بالتأجيل، على أمل العودة إلى بعلبك في العام المقبل. 

- هل تجدين طريقة التمويل المطروحة جماعياً، من متبرعين عبر الانترنت، مناسبة في التعامل مع تجربة ثقافية واجتماعية؟ 

* هذه طريقة أملَتها الضرورة. ذلك أن جهات الإنتاج التقليدية، لا ترغب في المساهمة بإنتاج الأغنية البديلة والموسيقى البديلة. تابع، على الإذاعات والتلفزيونات، فلن تجد سوى الأغنيات ذات المزاج والتركيب الواحد. لا تنوع ولا تعدد، مع أن لبنان يتميز بالتنوع والتعدد وانعكاس ذلك في أشكال التعبير. لن تسمع رنة مختلفة إلا في أغنيات زياد الرحباني وخالد الهبر وبعض الأسماء القليلة الأخرى. هناك تهافت على مستوى الأغنية وانتاجها. لا شيء في الأسواق إلا الأغنية الواحدة، الأغنية المدللة على الحب بأشكال لا علاقة لها بالحب، كما يعرفه البشر الحقيقيون. إعادة انتاج لضمات ضخمة من الأحاسيس والأقدار والملهمات بسهولة مدهشة. وما نراه في الكليبات وما نسمعه، طريقة واحدة بطرق انتاج عديدة.  
لا أغنية لبنانية. كأنها انقرضت وانتهت. كل من يغني، يغني بالخليجي أو بالمصري، لأجل الانتشار. شركات الإنتاج لا تمول، سوى مثل هذه المحاولات. هذا واقع الحال المكلف. واحدة من التكاليف هذه، تأمين الإنتاج بغير الطرق التقليدية. لا بدّ من كسر الطوق بأي طريقة ممكنة. ثمة حصار صامت على الكثير من التجارب. لن يتركونا نعمل بأموالهم. عبور اللحظة، يفترض تأمين البدائل. شحن الموضوع المذكور في لحظات جذب الانتباه إليه، ضرورة. هذا ما أفعله. 

- للإنتاج، غير المتوفر، رأي في أغنيتك. لا يجد الإنتاج المعروف، في أغنيتك، بناء يناسب حاجات الناس، الهاربة من ضغوط الحياة والأثقال السياسية الجاثمة على الحياة. وهناك التركيبة الفنية. لا تبدو الأخيرة ذات نبرة شعبية، لأنها لا تمت بصلة إلى الأغنية اللبنانية، أو المنتجة في لبنان. 

* واحدة من الملاحظات على شغلي أني أمزج الأنماط الموسيقية في موسيقى خاصة. قل لي، ماذا فعل عبد الوهاب؟ ماذا فعل فريد الأطرش؟ المزج بين الأنماط الموسيقية، بحسن ترتيب الأوضاع كما في البناء، مؤداه تجارب جديدة. هذا ما أفعله. امتلك طريقة خاصة. وأستطيع القول إن التميز ليس قراراً. هو نبرة لا تلبث أن تطور حضورها بالخبرة والأشغال الفنية المتقدمة. لاحظ أن التميز، أضحى تهمة. هذا مثير. هذا مستفز. 

- أعطيت الشريط الجديد عنواناً أم بعد؟ 

* "شوية صور". 

- لمن النصوص؟ 

* معظم النصوص، كتبتها بنفسي. هناك نصان لم اكتبهما، واحد لمحمود درويش، وواحد من عصام الحاج علي عنوانه "ما في ولا مشكل". الألحان لي.

- وقصيدة درويش؟ 

* "لا تحبك أنت". قصيدتان من عشر قصائد، إضافة إلى قطعة موسيقية. المجموع، عشر أغنيات وقطعة موسيقية. 

- هناك نقلة في الكيان الموسيقي، منبثقة من التجربة نفسها. لا "روك" بعد اليوم؟ أنت من الناس الميالين إلى اختيار العلاقة الدائمة بالناس من خلال الإنتاجات الفنية. مجرّبة دائمة، لا تكررين الوقوف أمام صيغة أو مصوغ. لكل زمن شكله، صيغته الخاصة، مع المحافظة على الخط الأساسي في أغنيتك. أغنية مشاكسة، جارحة، صادمة، ذات روح لا تستسلم للجاهز.. 

* الروك مرحلة. تعبت منها. العجقة، الضجة. الدرامز. طبيعة المرحلة الماضية فرضت الطبائع الموسيقية بالتجربة. بالشريط الجديد، اعادة تنظيم حضور. تجمع كلاسيكيات، بوسّانوفا، جاز، تشاتشا. انا اليوم في مرحلة جديدة. مرحلة رومانسية، إلى هذا الحد أو ذاك. الفكرة الأساس هي الاستمرار. المناخ الجواني بات الأساس. لا أقول بأن ألبومي "تانيا صالح" و"حدة" ليسا شريطين جوانيين. لهما خصوصيتهما. الألبوم الجديد مختلف. الأعمال تخلق الحالة والحالة تخلق الأعمال. لا فلسفة في ذلك. 

- حفلة المهرجان المؤجل للعام المقبل، من أغنيات ألبومك الجديد؟ 

* أغنيتان فقط من الألبوم الجديد. الباقي من ريبرتواري. لا أستطيع غناء الجديد، كله، دفعة واحدة، من خلال حفلة. لأني لم أنوِ إطلاق الألبوم من خلال المهرجانات البعلبكية. التأجيل يقدم فرصة لتحضير أعمق، انتظر العام المقبل، حتى أقف في باخوس. هناك الوقوف، في الضوء، وقوف على الروح. أرواح الأسلاف الكبار سكنت المكان. روحية المكان تعني لي الكثير.
increase حجم الخط decrease